تناقض النصوص | هل غضب الله على البشر فسلط عليهم كورونا الجديد؟ | عبد السميع جِميل

تناقض النصوص | هل غضب الله على البشر فسلط عليهم كورونا الجديد؟ | عبد السميع جِميل

29 Apr 2020
كورونا
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الفرق بين الإنسان البدائي والحديث أن البدائيين ألحقوا بالظواهر تفسيرات أسطورية؛ فالبرق والرعد والزلازل غضب من “آلهة الشر”، بينما يفسر الإنسان الحديث الظواهر وفق ما كشفه العلم.

المؤسف أن عقلية بعضنا لا تختلف كثيرًا عن الإنسان البدائي. وبينما يتسابق العلماء لمواجهة كورونا الجديد، يبحث آخرون عن تفسيرات خرافية تبرر محدودية القدرة على مواجهته.

مثل هذه التفسيرات تتبنى قراءات دينية متضاربة، تنطلق منها للاحتفاء بتعجيز العلم وتأخره عن تقديم إجابات سريعة لبعض الأمور لتستغلها في ترويج الخرافات، بدلًا من إدراك أن ما لم نعرفه اليوم بالعلم، سنعرفه غدًا بمزيد من العلم.

غضب أم ابتلاء؟

الخطاب الديني التقليدي ينحاز عمومًا للمنطق البدائي في تفسير الكوارث، داعمًا موقفه بتفسيرات لا عقلانية لنصوص ربطت الظواهر بهلاك أمم سابقة بسبب ظلمها، مثل: “وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا”، أو باستمرار عقاب الله المباشر، بحديث منسوب لعلي بن أبي طالب: “ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة”.

لذا، عندما ظهر كورونا اعتبره عديدون من رجال الدين غضبًا وعقابًا من الله ضد الصين بسبب “اضطهادها لمسلمي الإيغور”.

لكن كورونا لم يستثن بلاد المسلمين، فبحث آخرون عن تفسير جديد، مثلما فعل مفتي الديار المصرية شوقي علام، بقوله: “نزول البلاء لا يعني غضب الله على عباده، فقد ورد عن النبي إنه قال: إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم”.

وفي مسند أحمد، ورد عن أم سلمة أنها سمعت النبي، يقول: “إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَاصِى فِى أُمَّتِى عَمَّهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا فِيهِمْ يَوْمَئِذٍ أُنَاسٌ صَالِحُونَ. قَالَ: بَلَى. قَالَتْ: فَكَيْفَ يَصْنَعُ أُولَئِكَ؟ قَالَ: يُصِيبُهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ”.

التناقض تسلل إلى ثقافتنا الشعبية، فأصبحنا نقول: “النار مبتصبش مؤمن”. فإذا أصيب المؤمن، نقول: “المؤمن مصاب”!

ألم يتوقف التدخل الإلهي المباشر؟

آخرون ابتعدوا عن خلاف الغضب أو الابتلاء، ورأوا أن العقاب العام مناقض للعدل الإلهي الذي لا يعاقب الأبرياء علي جرم لم يفعلوه، طبقًا لحديث: “إني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة”. كما يتنافي مع توقف التدخل المباشر بنزول التوراة، وفق حديث الحاكم في المستدرك: “مَا أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمًا، وَلَا قَرْنًا، وَلَا أُمَّةً، وَلَا أَهْلَ قَرْيَةٍ مُنْذُ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِعَذَابٍ مِنَ السَّمَاءِ”.

كان منهم الشعراوي، الذي قال في تفسيره: “ورد أن رسول الله قال: ما عذَّب الله قومًا ولا قرنًا، ولا أمة، ولا أهلَ قرية منذ أنزل الله التوراة على موسى. كأن عذاب الاستئصال انتهى بنزول التوراة”.

وهو ما ذكره ابن تيمية في “الجواب الصحيح”: “بعد نزول التوراة لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار”.

حتى أن المعتزلة رفضوا فكرة إقحام الله في كل صغيرة وكبيرة؛ لأنها تجعل من الله ظالمًا شريرًا، ولذلك قالوا بأن العالم تحكمه قوانين طبيعية بدون تدخل إلهي، طبقًا للقاضي عبد الجبار الذي قال: “أحداث الطبيعة تحدث عن أسباب وليست عن فعل إلهي مبتدأ”.

بينما قال آخرون إن التدخل الإلهي انتهى برسالة النبي محمد طبقًا لآية: “وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ”.

كورونا.. صناعة إلهية؟!

ذهب الشيخ خالد الجندي إلي أن كورونا جند من جنود الله، طبقًا لآية: “وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ”.

بينما اعتبره غيره من صناعة الجن، بحديث أحمد: “الطَّاعُون وَخْزٌ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ”.

بينما كيّف آخرون آية “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ” للقول بأن كورونا صناعة بشرية، ما رفضه آخرون احتجاجًا بأن الإنسان لا يمكن أن يخلق شيء بمعزل عن الله، بآية: “إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ”.

بينما يرى المعتزلة أن العالم يحكمه قانون الطبيعة، وأن الله غير مسؤول عما يحدث من الإنسان أو الطبيعة. ذكر الشهرستاني أن الجاحظ “كان يقول بإثبات الطبائع للأجسام كما قال الطبيعيون من الفلاسفة وأثبت لها أفعالا مخصصة بها”.

ازدواجية الإعجاز العلمي في العدوى

حتى انتقال العدوى كانت محل خلاف. ابن حجر العسقلاني ينفيها طبقًا لحديث مسلم “لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ”.

ويقول الأشاعرة إن القول بالعدوى يخل بأصل التوحيد كونه يثبت فاعلًا غير الله. من هنا اعتبر كثير من الفقهاء سابقًا أن الحجر الصحي محرم واعتبروه “من أعمال الفرنج”.

لكن البعض خالفهم بحديث يثبت مسألة العدوى: “لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ”. وحديث آخر استخدمه أصحاب دعاوى الإعجاز العلمي حين انتشر الحديث عن أهمية الحجر الصحي: “إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا”. قبل أن يتراجع بعضهم عن استخدامه لحل إشكال آخر في حديث البخاري: “عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ”. وهو ما يناقض الواقع والتاريخ الذي يثبت أن كورونا والأوبئة قبله لم تستثن مكة والمدينة، ليقول البعض إن الحديث خاص بالطاعون لا كورونا بعدما استخدموا أحاديث الطاعون نفسها للترويج للإعجاز في إجراءات العزل الصحي.

التوظيف السياسي للحكمة الإلهية

الجماعات الدينية تستغل الأمر نفسه لتوظيف الأحداث لخدمة أهدافها، فإذا كانوا على خلاف مع الصين، زعموا أن سبب الغضب الإلهي قمع الإيغور، وإذا كان الخلاف مع السعودية، فالسبب أنشطة هيئة الترفية، وإن كانوا من دعاة النقاب اعتبروا أن الكمامات رسالة إلهية لمن يحارب النقاب!

الأمر أثار سخرية بعد إغلاق المساجد عالميًا. فهل يحمل كورونا رسالة الطبيعية اعتراضًا علي اضطهاد الملحدين؟!


ملف فيروس كورونا في دقائق





رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك