كيف تحول باباوات الكنيسة الرومانية إلى حكام فعليين

كيف تحول باباوات الكنيسة الرومانية إلى حكام فعليين

26 Sep 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

لقرون عدة، أحكمت الكنيسة الرومانية الكاثوليكية قبضتها على غرب أوروبا، وكانت قبضتها شديدة الوطأة على عقول الأوروبيين من القرن التاسع الميلادي وحتى نهاية العصور الوسطى.

لكن كيف حدث هذا في دين يقول صراحة “أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله”. هذا المقال يتناول السياق التاريخي والسياسي الذي أدى إلى تعاظم نفوذ البابا ليتحول من زعيم روحي إلى أكبر زعيم سياسي روحي في العالم المسيحي الأوروبي.

البابوية من قسطنطين الأول حتى سقوط الدولة الرومانية الغربية

في عهد الإمبراطور قسطنطين، لم تعد روما عاصمة للإمبراطورية الرومانية، حيث نقل عاصمة الدولة إلى حاضرة جديدة شيدها علي بحر البوسفور، في موقع حاضرة بيزنظة القديمة، أسماها القسطنطينية، بادئًا بذلك عهد الدولة البيزنطية.

وفي عهده اصطبغت المفاهيم السياسية الوثنية بالطابع المسيحي؛ ففي عصر روما الوثنية، كان الإمبراطور هو الكاهن الأكبر للمعبودات الرومانية، وكان عليه تقديم الأضاحي وإرضاء الآلهة، ليتحول في بيزنطة المسيحية إلى خليفة المسيح.

وقد انحدرت روما أكثر في عهد خلفاء قسطنطين، وفقدت أهميتها السياسية، بعدما انتقل البلاط الإمبراطوري إلى القسطنطينية، واكتفت روما بأهميتها الدينية كونها مقر الكنيسة الرومانية، إحدى الكنائس الكبرى في العالم المسيحي.

في سنة 395م، توفي الإمبراطور ثيوديسيوس الأول، بعدما حكم إمبراطورية شاسعة الأطراف، قسمها قبيل وفاته إلى دولتين؛ دولة رومانية غربية، عاصمتها ميلانو، يقودها هونوريوس، وشرقية، عاصمتها القسطنطينية، على رأسها آركاديوس.

وكانت أربع من الكنائس الكبرى في العالم المسيحي، وهي الإسكندرية، وأورشليم، وأنطاكية، والقسطنطينية تخضع لسلطة إمبراطور الشرق، بينما كانت الكنيسة الخامسة، أي كنيسة روما، تخضع لسطان إمبراطور الغرب.

وتعرض القسم الغربي لأخطار جمة، تمثلت في هجمات القبائل الجرمانية من القوط الشرقيين والوندال والقوط الغربيين وقبائل الفرنج وغيرهم من القبائل البربرية، حتى حل عام 476م، لتسقط الدولة الرومانية الغربية، ويستولي البرابرة الجرمان على فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، مؤسسين ممالكهم على أنقاض الدولة الرومانية الغربية.

البابا تحت سلطة إمبراطور بيزنطة

وفي سنة 535م، استعادت الدولة الرومانية الشرقية (بيزنطة) سيطرتها على إيطاليا من قبضة القوط الشرقيين، وأصبح بابا روما يخضع لسلطان جستنيان، إمبراطور القسطنطينية.

وعمل جستنيان وخلفاؤه من أباطرة بيزنطة على تقليم أظافر باباوات روما، فكان الإمبراطور يعين الباباوات من خارج إيطاليا؛ للحيلولة دون قيام كيان إيطالي مستقل يتزعمه بابا من أهل البلاد الأصليين.

ولجأ أباطرة بيزنطة لعزل البابا حال تعارض رأيه الديني مع الاتجاه الرسمي للدولة. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك عزل الإمبراطور كوسنتنز الأول للبابا مارتن الأول.

وكانت لكنيسة روما، المهيمن عليها من قبل بيزنطة، اليد العليا في الأمور الدينية في غرب أوروبا، حيث نجح باباوات روما في تنصير كلوفيس، ملك الفرنجة، ومعه تنصرت كل قبائل الفرنجة.

وبنهاية القرن السابع الميلادي تحول كل ملوك الممالك الجرمانية في غرب أوروبا إلى المسيحية.

في سنة 635م، أطلق العرب غزواتهم الكبرى صوب الدولة البيزنطية، ولم يعد في يد البيزنطيين إلا الأناضول وإيطاليا والبلقان واليونان. بمعنى آخر، فقد الإمبراطور البيزنطي سلطته على كنائس المشرق كلها للأبد، ولم يعد في يديه إلا كنيستي القسطنطينية وروما.

الأيقونات.. نقطة التحول

القرار الأهم في تحول العلاقة بين كنيسة روما والبلاط الإمبراطوري في القسطنطينية من التبعية إلي العداء هو قرار الإمبراطور البيزنطي ليون الثالث بتحريم تقديس الأيقونات، فقد اعتبر الإمبراطور ليون أن تقديس المسيحيين للأيقونات المسيحية والتعبد لها ضربًا من الوثنية، فأصدر أوامره بنزع وتحطيم كل أيقونات الكنائس والأديرة، وعمم أوامره على كل ولايات الدولة البيزنطية.

في روما، قوبل قرار الإمبراطور بالرفض التام، وفشل الإمبراطور في كبح تمرد البابا جريجوري الثاني، الذي لعن كل من يحطم الأيقونات دون الإشارة إلى اسم الإمبراطور، الذي استشاط غضبًا، لكنه عجز عن الإطاحة بالبابا؛ بسبب عدم قدرة الدولة البيزنطية على إرسال جيوش عسكرية كبيرة إلى روما، فاكتفى بنقل تبعية كنائس ولاية دلماشيا وجنوب إيطاليا إلى سلطة كنيسة القسطنطينية.

من هنا، ظهرت بدايات انسلاخ كنيسة روما عن الدولة البيزنطية، الذي يؤَرخ بعصر الإمبراطور ليون الثالث. وبدأ باباوات روما في البحث عن حليف جديد، بديلًا عن سيادة الإمبراطور البيزنطي المهرطق.

ووجد البابا استيفان ضالته في الملك بيبين الأول، ملك الفرنجة، الذي استنجد به البابا للدفاع عن روما ضد غزوات اللومبارد، فغزا شمال إيطاليا، وهزم اللومبارد شر هزيمة، وسلم كل المدن التي استردها من اللومبارد إلى البابا سنة 756م، فيما يعرف باسم منحة بيبين.

بذلك تشكلت نواة الدولة الباباوية في إيطاليا، ولم يعد البابا مجرد زعيم روحي لكنيسة روما، بل جمع بين السلطتين (الروحية-الدينية) و(الزمنية).

معادلة جديدة.. البابا خليفة المسيح

وترتب على امتلاك البابا للسلطة الزمنية والدينية معًا، تشكيل معادلة سياسية جديدة في أوروبا في القرنين الثامن والتاسع الميلادي، فأصبح البابا هو خليفة المسيح، بل وزعم الباباوات كذبًا، اعتمادًا على وثيقة مزيفة منسوبة إلى الإمبراطور قسطنطين الكبير، تفيد بأنه منح البابا حكم روما والإمبراطورية الرومانية الغربية، ما خلق هالة أخرى من التقديس حول العرش الباباوي، وأعطى له السيادة الزمنية، ليس فقط على الدولة الباباوية في إيطاليا، بل امتد إلى كافة أقطار غرب أوروبا.

في سنة 800م، توج البابا ليون الثالث (818-795م) الملك شارلمان إمبراطًورًا على الغرب، معلنًا قيام الدولة الرومانية الغربية مرة أخرى في ثوبها الجرماني، ليضمن سلطته المطلقة على الدولة الناشئة، فالبابا وحده من يعطي صك الشرعية لكل إمبراطور جديد، كما عين كبار أساقفة المدن الغربية الكبرى كممثلين لسلطة البابا في تلك المدن.

تابعونا عبر تويتر:

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك