روسيا وانتخابات أمريكا: هل تواطأ ترامب؟ هذا هو السؤال القادم

روسيا وانتخابات أمريكا: هل تواطأ ترامب؟ هذا هو السؤال القادم

21 Jul 2018
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

ما هي احتمالية التلاعب بالانتخابات الأمريكية؟

إذا كنت تبحث عن انتخابات تزورها، فأفضل فرصك غالبًا لن تكون في الولايات المتحدة، لأنه من شبه المستحيل أن تتلاعب بالانتخابات الأمريكية بحيث تقرر مسبقــًا بشكل مباشر ناتجها النهائي، لماذا؟

لأن الانتخابات الأمريكية في الحقيقة ليست انتخابات واحدة وإنما 51 انتخابات منفصلة (انتخابات في كل ولاية وانتخابات في المقاطعة الفيدرالية والعاصمة واشنطن دي سي) والدستور يعطي لكل ولاية الحق والقوة لتقرير قواعد الانتخاب في كل منهم، وهذه الانتخابات بحد ذاتها هي في الحقيقة آلاف من الانتخابات المنفصلة التي تقام على مستوى المقاطعات والبلدات الصغيرة.

هذه اللامركزية تجعل تزوير الانتخابات الأمريكية وإمالة الكفة لصالح مرشح دون الآخر  شبه مستحيل.  لأنه، ببساطة، لا توجد جهة تملك الأدوات والتنسيق (السري) الكافي للقيام بمثل هذه العملية ولا حتى أي شيء قريب.

إمكانية التزوير قبل بدء الاقتراع

وبحسب الولاية التي يعيش فيها المواطن، فإنه يدلي بصوته عن طريق ورقة اقتراع يتم إدخالها في جهاز مسح ضوئي يقرأ ويضيف صوتك لعداد داخلي، أو عن طريق آلة إلكترونية تسمى (DRE) أو (Direct Recording Electronic Machine).

صحيح أن الآلات الإلكترونية أكثر عرضة للقرصنة من الورق، لكن كل آلة منها تخضع للاختبار قبل الانتخابات من قِبَل موظفين، يشرف عليهم ممثلون من الحزبين، ليجري إغلاقها وتخزينها حتى يوم الانتخاب. وتلك الآلات ليست متصلة بالإنترنت، ولذلك إذا أراد أحد التلاعب بها، لابد أن يفتحها بنفسه واحدة بواحدة!!

إمكانية التزوير خلال التصويت والفرز

في ليلة الانتخابات، تقوم أجهزة المسح الضوئي والـ (DREs) بطباعة أكثر من نسخة من إحصاءاتهم الداخلية، ثم يقوم موظفو الاقتراع (مرة أخرى تحت مراقبة ممثلين من الحزبين) بعدّ المجموع الكلي للأصوات من كل آلة، ثم إرسالها لإدارة الانتخابات في المدينة، والتي ترسلها لإدارة الانتخابات بالولاية، والتي ترسلها للإعلام.

وحتى إذا عبث أي شخص بالنتائج النهائية للأصوات سواء عن قصد أو بدون، فإن الأرقام المطبوعة من الآلات ستثبت خطأهم، والولايات تقوم بتدقيقات وفحوصات إضافية على عينات عشوائية من مقاطعاتهم للتأكد من أن كل شيء تم بالطريقة الملائمة، ولذلك، كما سبق الذكر، إذا أردت أن تزور الانتخابات الأمريكية فإنك تحتاج للتآمر مع آلاف الناس، من كلا الحزبين، مستعدين لمواجهة العواقب الوخيمة، ولديهم الموارد والإمكانات لاقتحام وتغيير آلاف من آلات التصويت بشكل مباشر، وهو طبعًا شيء خيالي.

كيف تخطت روسيا كل هذا التعقيد؟

بالتأكيد روسيا تعلم تمام العلم وتفهم تمام الفهم كل ما سبق، ولكن على الرغم من أنه من المستحيل أن توجه الانتخابات نفسها وتزورها بشكل مباشر، فإنه من الممكن أن تتلاعب بالانتخابات بشكل آخر، وهو أن تؤثر على المصوتين أنفسهم وتصوراتهم عن المرشحين وعن كل شيء يخص الانتخابات، وبالتالي تحول دفة أصواتهم للجهة التي تريدها (في هذه الحالة دونالد ترامب).

وهذا، كما تشير الشواهد، ما سعت روسيا إلى فعله عن طريق مبادرة عملاقة غير مسبوقة في عالم القرصنة تديرها أعلى الجهات في روسيا (تحت إشراف بوتين بنفسه)، وتلك الحملة كانت منقسمة إلى ثلاثة عناصر (الدعاية الإلكترونية، القرصنة الإلكترونية عن طريق اختراق وسرقة إيميلات و”فضح” منظمات سياسية وأفراد، واستهداف والبحث عن نقاط الضعف في انتخابات الولايات).

حملة التضليل الإلكترونية الروسية انتشرت كالنار في الهشيم عبر فيسبوك وتويتر وجوجل من خلال شبكة مستفيضة من حسابات التواصل الاجتماعي الزائفة الأوتوماتيكية (أو ما يسمى الـ bots أو اللجان الإلكترونية). وروج هؤلاء الجنود الروس منشورات مجانية ومدفوعة لملايين الأمريكيين، وعلقوا على الأخبار السياسية واخترعوا أنباءً زائفة، وصنعوا إعلانات ووسعوا مساحات انتشارها بشكل مهول عن طريق الشيرات الأوتوماتيكية والدفع.

ومع انتشار أعمال هذه الحملة الروسية، انتهى الحال بملايين الأمريكيين لنشر الأخبار الزائفة التي فرضتها عليهم بلا وعي منهم للتأثير على نظرتهم لكل شيء متعلق بالانتخابات، وهو أمر غير قانوني بموجب الدستور الأمريكي، الذي يمنع الجهات الأجنبية من إنفاق أموال للتأثير على الانتخابات الأمريكية.

قرصنة الانتخابات قبل أن تبدأ

بعد شهور من نوفمبر 2016، أعلنت إدارتا تويتر وفيسبوك العثور على حظيرة لجان إلكترونية في سان بطرسبرج تُدعى الـ (Internet Research Agency) التي صنعت وتدير جزءًا من تلك الحسابات الأوتوماتيكية الزائفة المساهمة في حملة التضليل، ولها تاريخ حافل من مبادرات الدعاية الموالية للنظام الروسي وشن حملات التواصل الاجتماعية داخل الولايات المتحدة، ولكنها لم تكن الجهة الوحيدة المنخرطة في مبادرة التضليل، مما يشير إلى جهودات إلكترونية موسعة للتأثير على وعي وتصورات الناخبين.

كذلك تم إثبات تورط جهتين إخباريتين في حملة الدعاية، وهم RT (أو روسيا اليوم) وSputnik، وعلى الأقل منصة تواصل اجتماعي واحدة (Twitter) تمنعهم تمامًا من الإعلان عليها.

القراصنة الروس استخدموا طريقة spear phishing (عبارة عن إرسال إيميلات ظاهريًا تبدو من راسل معروف أو ثقة لإقناع الضحية بإفشاء معلومات سرية وخاصة عن أنفسهم) لمهاجمة شبكة كمبيوتر اللجنة الوطنية الديموقراطية ونشل آلاف الإيميلات من أشخاص ذوي حيثية في الحملة الانتخابية، مثل مدير الحملة جون بوديستا، وبالطبع هيلاري كلينتون نفسها، ثم نشر الإيميلات للعامة بإستخدام WikiLeaks (باستخدام كيان إفتراضي يسمى Guccifer 2.0 وموقع DCLeaks.

الجهات المتورطة في القرصنة APT 28 وAPT 29 (أو Fancy Bear وCozyBear) تم إثبات صلتهم وحتى إدارتهم المباشرة بواسطة المخابرات العسكرية الروسية (الـ GRU) والـ CIA قررت أن عمليات القرصنة كانت جزء من جهود روسيا ليس فقط لإمالة كفة الإنتخابات بشكل فعال لصالح ترامب، ولكن كذلك لزعزعة أو إتلاف ثقة الشعب الأمريكي في النظام الديمقراطي بقدر الإمكان.

كذلك وزارة الأمن الداخلي للولايات المتحدة رصدت 21 ولاية استهدفتهم بشكل خاص جهود القراصنة خلال انتخابات 2016، وجميع خبراء التأمين الإلكتروني رأيهم أن تواجد وقوة ومتناول يد روسيا على الإنترنت غير مسبوق وغالبًا سيستمر في النمو.

تطورات التحقيق في التدخل الروسي

بعد نجاح ترامب في الانتخابات، تم تشكيل لجنة خاصة بقيادة روبرت مولر، (مدير مكتب الـ FBI الأسبق) للتحقيق في تهمة تواطؤ ترامب وأعوانه مع روسيا لإنجاحه في الانتخابات. نتيجة التحقيقات لم تعلن بعد، لكن هنا الترتيب الزمني لأهم الأحداث بشأن القضية:

حتى هذه اللحظة، لم يتم إثبات تواطؤ ترامب وأعوانه بشكل مباشر مع الحكومة الروسية للتأثير على الانتخابات ووعي الناخبين بشكل نهائي وحاسم، ولكن من الصعب جدًا النظر في الأدلة كاملة وتصديق أنه لم يكن هناك أي نوع أو درجة من التواطؤ، فإن كان الأمر هكذا (لا تواطؤ)، سيكون الموضوع مذهلًا بحق!

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك