المعالم الخمسة | كيف صاغ محمد عمارة قواعد معركة الجدل عند الإسلام السياسي؟ | هاني عمارة

المعالم الخمسة | كيف صاغ محمد عمارة قواعد معركة الجدل عند الإسلام السياسي؟ | هاني عمارة

2 Mar 2020
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

المفكر والكاتب الإسلامي الراحل محمد عمارة هو ثاني أكثر الشخصيات تأثيرًا في خطاب الإسلام السياسي في تأسيسه الثاني بعد يوسف القرضاوي. القرضاوي صاغ الخطاب الإسلامي الداخلي، بينما تولى محمد عمارة صياغة الخطاب الجدلي مع خصوم الإسلاميين.

ظهر محمد عمارة بينما الإسلام السياسي يعاني من بعض العزلة، ويجد أزمة في التواصل والحوار مع التيارات النخبوية بلغة مختلفة غير اللغة الشرعية الأصولية. فأدى دورًا يشبه ما فعله أبو الحسن الأشعري قديمًا مع المعتزلة حين انشق عليهم فأعاد صياغة خطابًا كلاميًا سنيًا بلغة اعتزالية؛ أي حاربهم بنفس سلاحهم.

محمد عمارة كان مثقفا يساريًا شيوعيًا. تحول إلى الإسلام السياسي فاستخدم مهاراته ولغته الكلامية المكتسبة من خلفيته الشيوعية في نصرة خطاب الإسلام السياسي. ليتميز خطابه الجدلي بخمسة معالم رئيسية:

1 – الهجوم الاستباقي “رمتني بدائها وانسلت”

كان الإسلام السياسي في خانة الدفاع أمام اتهامات التشدد والتطرف والرجعية والإرهاب والإقصاء التي حاصرته بعد موجة أحداث العنف في السبعينيات والثمانينيات. حتى جاء محمد عمارة في مناظراته في أوائل التسعينات فغير الاستراتيجية من الدفاع إلى الهجوم، مستخدمًا نفس آليات ومصطلحات النقد الهجومي التقليدي الموجه للإسلاميين في رمي خصومه العلمانيين.

فالعلماني عنده: متطرف مغالٍ، إرهابي ديكتاتوري، لا يؤمن بالرأي الآخر، جامد منغلق مثل السلفيين، تكفيري غير وطني.

هذ الطريقة أكسبت محمد عمارة شهرة عن سائر أقرانه الإسلاميين في المناظرات مع العلمانيين.

يمكن ملاحظة ذلك من خلال المناظرة الشهيرة مع فرج فودة حين ظهر عمارة بجانب محمد الغزالي ومأمون الهضيبي. وكان هو الأبرز، وهجومه الأشد والأكثر إثارة لتفاعل وهتافات جماهير الإسلاميين.

محمد الغزالي.. إمام الوسطية المزيف خاض معارك تكفير طالت حتى مرشد الإخوان | عبد السميع جميل

2 – لعبة المصطلحات

تأثير محمد عمارة بارز في صياغة لغة وقاموس الإسلام السياسي. اهتم بمسألة المصطلحات والمفاهيم وإعادة تعريفها بما يخدم فكر الإسلام السياسي. واعتبرها “حربًا” كما وصفها بنفسه في عنوان إحدى كتبه “حرب المصطلحات بين الغرب والإسلام”.

هذا التأصيل تجلى في جانبين:

أولًا: إعادة تعريف كثير من المفاهيم المتداولة بما يخدم فكر الإسلام السياسي.

فالعلمانية مثلًا عنده مرادف للتغريب، وهي أحد وسائل الغزو الفكري والثقافي الاستعماري الغربي. والعلمانيون بالتبعية عملاء للغرب.

ثانيًا: نحت مصطلحات جديدة لتضاف لقاموس الإسلام السياسي. مثل: القومية الإسلامية – التنوير الإسلامي – الخصوصية الحضارية، بما يعطي وجهًا حداثيًا وثقافيًا زائفًا لمشروع الإسلام السياسي.

الوسطية الإخوانية .. ذئب ليلى

3 – تقليل الخصوم وسد الجبهات

منذ بداية نشأته، عُرف الإسلام السياسي بكثرة خصوماته وعدائه لكل ما هو غير إسلامي من اتجاهات وأفكار وأيديولوجيات، علمانية ووطنية وقومية ويسارية وحداثية.

ومن يطالع خطاب الإسلام السياسي في تأسيسه الثاني في سبعينيات القرن العشرين يجد ذلك واضحًا في خطبه ومجلاته وكتبه، ما زاد من عزلته بسبب كثرة أعدائه.

أما محمد عمارة فاعتمد استراتيجية مختلفة تتمثل في سد الكثير من تلك الجبهات. فتقبل ولم يعاد العروبة والوطنية والتنوير والحداثة، واعتبرها تابعة لمشروعه الإسلامي.

هذا شمل حتى التيارات الإسلامية التاريخية الملفوظة من الإسلاميين كالصوفية والعرفانية والاعتزال والفلاسفة كابن سينا وابن رشد.

في ظل هذا “التسامح”، تمحورت معركة محمد عمارة وخصومته مع ثلاثة أطراف، كانت لغته ضدهم أشد وأكثر عدوانية:

العلمانيون العرب: أمثال فرج فودة وفؤاد زكريا وعبد الرحمن العشماوي وغيرهم.

الغرب الاستعماري الصليبي: حيث يتهم خصومه العلمانيين من جهة والمسيحيين من جهة اخرى بأنهم جنوده في معركة القيم والهوية.

الصهيونية العالمية: من خلال الترويج لمركزية قضية القدس واعتبارها قضية دينية وحربًا مقدسة؛ كاتهام ضمني للنخب والأنظمة بالعمالة والخيانة.

جرائم السلطة الاجتماعية في حارتنا .. الحلقة الغائبة بين الحكم والقانون

4- اختطاف نجوم المنافسين

أدبيات الإسلام السياسي اتسمت بتاريخ موازٍ يتهم الكثير من رموز الفكر والثقافة والوطنية المصرية بالعمالة والخيانة.

أما محمد عمارة – وعلى طريقة صراع أندية الكرة على اللاعبين – حرص بدلًا من معاداتهم على ضمهم لصفه، فاتبع تكتيكًا مختلفًا كسر عزلة الإسلاميين وقلل حساسية التيارات الأخرى تجاههم، حيث دافع عن تلك الشخصيات، وحاول إثبات أنها شخصيات عظيمة لا تعادي الإسلام بل خدمته، من خلال منهجيتين:

الأولى: البحث في الجانب الديني في تلك الشخصيات، مثل سعد زغلول وسلامة موسى وقاسم أمين. واعتبار هذا الجانب دليلًا على انتمائهم لمشروع الإسلام السياسي.

الثانية: ترويج رواية التوبة والتراجع كما فعل مع طه حسين وعلي عبد الرازق مؤلف كتاب الإسلام وأصول الحكم.

هذه كانت أخطر نقطة في فكر محمد عمارة من وجهة نظري؛ حيث كانت معاداة وتشويه رموز الوطنية المصرية تخلق حاجزًا أمام الإسلام السياسي مع الدولة والإعلام، أما ما فعله عمارة فقد مكنه وجماعته من اختراق الوسط العام، وجعلته وجهًا مقبولًا في الإعلام الرسمي، فكان ضيفًا دائمًا على القنوات والإذاعات الحكومية، ومكنه لاحقًا من الالتحاق بالأزهر كمؤسسة حكومية.

الإسلام وأصول الحكم.. قصة كتاب كشف ملامح مصر بعد ثورة 1919

5 – الإنكار والتهوين

وعلى عكس العديد من الإسلاميين كالغزالي والقرضاوي ذوي النزعة النقدية الداخلية، يتسم فكر محمد عمارة بنوع من المكابرة والإنكار، وغياب نزعة النقد الذاتي الداخلي.

دافع الإنكار هنا كان طبيعة المعركة الجدلية مع الخصوم، حيث يكون الاعتراف فيها نقطة ضعف تحسب عليه.

ففي التشدد والتكفير: يهون محمد عمارة كثيرًا من شأن التطرف والتشدد الغالب على الإسلاميين، ويرى أن الغالب على الإسلاميين الوسطية والتسامح، وأن التطرف محدود في قلة هي السلفية الوهابية، وأن العلمانيين أشد تطرفًا وتكفيرًا، كما صرح في مناظرته مع فؤاد زكريا.

ويرى أن العنف والإرهاب ليست مشكلة عضوية في منظومة الفكر الإسلامي، بل ناتج عن عنف الدولة، وأن الإرهاب العلماني الصليبي أشد منه بمراحل.

وفي مسألة الأقليات، ينكر حدوث فتنة أو عنصرية أو تمييز طائفي ضد المسيحيين، ويدعي أنهم يسيطرون على اقتصاد الدولة، متهمًا الأقليات بتقمص دور المظلومية والانجرار لمخطط الصليبية العالمية ضد الأمة.

وأما قضايا المرأة، فهو بعكس الغزالي مثلًا لا يتحدث كثيرًا عن الظلم الاجتماعي والتشدد الواقع عليها كنتيجة للعادات الموروثة ونظرة الإسلاميين الدونية لها، ويتركز كلامه في تبييض صفحة الإسلاميين في مسألة المرأة، واتهام العلمانيين باستغلال قضيتها لنشر الإباحية.

التحرش وﺍﻟﺼﺤﻮﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ.. “ﻋﺸﺎﻥ ﺗﺒﻘﻲ ﺗﻘﻮﻟﻲ ﻷ”| عمرو عبدالرزاق

ملف أفخاخ الإسلاميين في دقائق

توفي محمد عمارة آمنا مطمئنا .. لا مقتولا كفرج فودة ولا مطاردا كنصر حامد أبو زيد | بروفايل في دقائق


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك