10 أفكار في خلاط النهاية.. لماذا فشل أول مسلسل خيال علمي مصري؟| أمجد جمال

10 أفكار في خلاط النهاية.. لماذا فشل أول مسلسل خيال علمي مصري؟| أمجد جمال

3 May 2020

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بقدر تفاؤل الكثيرين قبل بدء الموسم الرمضاني بمسلسل النهاية باعتباره أول مسلسل خيال علمي مصري، واعتبارها خطوة للأمام في تقدم الصناعة الفنية، بقدر شكوكي الزائدة عن نتيجة خطوة كتلك، وشعوري بالشفقة تجاه من يستسهلون الأمر باعتبار أن الخيال العلمي تحدٍ يقتصر على التقنيات والميزانيات. 

الحقيقة أن الخيار العلمي تحدٍ ثقافي وحضاري في المقام الأول. هو نوعية ابنة بيئتها، جاءت كرد فعل على أسئلة ومشكلات تخص المجتمع الذي سبقنا نحو العلم، فاستفاد من الإيجابيات، وتأثر بالسلبيات على المستوى الروحي والإنساني بالدرجة الكافية التي دفعته لتحويل هذا التأثر في شكل “فن”، وبالجدية الكافية التي تستخدم الخيال كمجاز في فهم الواقع.

أرضية النهاية

النهاية يدور في زمن يلحقنا بمئة عام، بعد حرب عالمية كبرى سميت بحرب تحرير القدس (كما يقول المنتصرون في مسلسل النهاية بالطبع)، حيث نجح العرب في طرد الإسرائيليين وتهجيرهم لبلادهم الأصلية في أوروبا، بينما سقطت أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية كقوى عظمى في ظروف غامضة – ولا نعرف مصير بقية الأمم، وأصبح العرب – المسلمون أسياد العالم بمسماهم الجديد: “التكتّل”، عاصمتهم القدس، يتحدثون اللهجة المصرية، (كان ممكنًا اعتبار تلك التفصيلة مجرد خيار فني لعدم تشتيت السرد باللهجات لولا أننا نعرف أن البطل ومن حوله عاشوا طفولتهم وشبابهم في مدينة “العريش” قبل استقرارهم في القدس).

ورغم التقدم الكبير لهذا “التكتل” في العلم والقوة، إلا أن حكامه نظام مستبد يمنع التعليم ويحتكر القوة، ويقمع محاولات المهندس زين (بطل العمل) للتوصل لاختراع يحل أزمة الطاقة. هذا النظام لم يكن نظامًا حكوميًا بالمعنى المعروف، فعلى لسان أحد الشخصيات انتهت الحكومات وحكم العالم الشركات وأذرعها الأمنية التي تفتعل ندرة الموارد لتستغل الشعوب. 

كذلك، وليس لهذا النظام مقابل في الأنظمة الاقتصادية المعروفة، فهو يمزج السيء في الرأسمالية والسيء في الشيوعية، لكن صناع العمل حسبوه افتراضيًا كتطور حتمي للرأسمالية بكلمة “الاستهلاك” التي رددها البطل في أحد مونولجاته التوعوية وهو يدرس للتلاميذ بشكل سري لأن التعليم أصبح انتقائيًا، في مشهد نال انتقادات كثيرة على منصات السوشال ميديا لسذاجة المونولج وتبسيطه المخل لأمور كالتراكم التقني والندرة.

كيد سياسي

تظهر أول سمات الاعتذارية في مسلسل النهاية من خلال التخريجة التي رمى بها المسلسل اليهود في البحر دون أن يقولها صراحة، وبذلك ضمن أن يكسب ود الشعبوية ولم يخسر بالدخول في معضلة أخلاقية عن فكرة كالإبادة الجماعية وبقية أحلام اليقظة الأممية التي يكنها جمهور المسلسل المستهدف ضد إسرائيل والغرب بشكل عام، فالأحداث التي تدور سنة 2120 تعني أن شعب إسرائيل الذي هُزم في الحرب ينتمي للجيل السابع أو الثامن على الأقرب، وليسوا “مهاجرين” أو “أبناء مهاجرين” من “دول أوروبية” يملكون خيار العودة لأوطان لا يعرفها حتى أجدادهم، وبالتالي افتراض أن النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي تم حله بتلك الطريقة الكسولة يؤكد أن التفصيلة كلها كيد سياسي. لا مشكلة في الكيد أو البروباجاندا، المشكلة في ميوعة المنطق.

بلا منطق

النهاية يفترض أن عالمه يدور في عصر الشركات الكبرى وما بعد الحكومات، أي عصر المصالح والاستغلال واستعباد الإنسان داخل عجلة الكيانات، وإن كانت الحالة كذلك، فلماذا لا تنشط تلك الشركات إلا في الأراضي العربية؟ ولماذا لا تشمل المصالح الولايات المتحدة وأوروبا واليهود الضعفاء حتى لو بمنطق “الفرانشايز” الذي هو سمة أساسية في عصر ما بعد الحكومات؟ 

وسواء كان إقصاء مسلسل النهاية لكل عناصر الأجنبية في العالم المستقبلي خيارا أيديولوجيا أو إنتاجيا راجعا للميزانية، فالملاحظ أن المسلسل يُفصل عالمه وفق قواعد غير محكومة بمنطق عام وصلب، فما يبدأ استبشارًا بنظرية علمية أو اقتصادية يتحطم سريعًا فوق الأهواء السياسية، أو كتبسيط إنتاجي، أو أحيانًا كالتزام بالتقاليد الثقافية للمجتمع الشرقي. النقطة الأخيرة تظهر بوضوح في البُعد الاجتماعي للعمل، وشكل العلاقات بين شخصياته، والتي لم تتأثر في تركيبتها بكل التطورات المحيطة بهذا المجتمع.

خلل درامي

كان يمكن التغاضي عن تلك التفاصيل الفرعية لولا أن هذه التناقضات تنعكس على بناء عالم القصة كله، وتتركنا بلا إجابات على أسئلة جوهرية: إذا كان التقدم العلمي وصل لذروته بالفعل، فما جدوى مظاهر التقشف التي تحيط بكل شئ لدرجة وصلت أن بائع معدات الروبوت يغلق متجره بقفل عتيق ينتمي للعصور الوسطى؟ لماذا اختار المسلسل عنصر “الطاقة” تحديدًا ليبني صراعًا حوله دون توضيح ما الذي تمثله الطاقة رمزيًا في عالم هذه القصة؟ لماذا ليس الطعام أو الوقت أو الذكاء؟ كيف لأمة هزمت أقوى شعوب العالم أن تجرم العلم والتعليم إن لم يكن العلم أساسًا وسيلتها في التفوق على الآخرين؟ وما الآلية التي يعمل بها نظام التعليم الانتقائي؟ وإن كان الاحتياج وسيلة السلطة للسيطرة على الشعب.. أليس الاحتياج للتعليم نفسه وسيلة أخرى للسيطرة يمكن استغلالها بدلًا من تجريمها؟

المشكلة تبدأ بشبهة أيديولوجية، ثم تمتد لخلل درامي فتنال من الصنعة الفنية. 

يستمر سيل التناقضات، فالمسلسل المؤسس على أرض التحدي والإقصاء ضد المنظومة الغربية يستعير كل سمات الخيال البصرية والموضوعية في أحداثه من منتجات الثقافة الغربية، ليست أفلام الخيال العلمي وحسب، بل وكل تصوراتنا عن العالم الديستوبي والكابوسي. 

التأثر بما سبق حق مشروع لا تهمة في حال كان المستعير مؤمنا بأن الحضارة الإنسانية تراكمية وتكاملية، وأن الجميع يبدأ مما انتهى إليه من سبقوه، لا بعد أن أسس مسلسله وصمم عالمه بمنطق “يا احنا يا هما”.

10 أفكار في الخلاط

كل ما سبق لا يمثل المشكلة الأساسية في المسلسل، والتي كانت باختصار الحكي بطريقة “من كل بستان زهرة”، التتر يقول إن السيناريو كُتب استنادا على فكرة لبطل العمل يوسف الشريف، وإن كان الأسبوع الأول من المسلسل لم يترك لنا أثرًا لفكرة بعينها نتتبعها لنحدد مدى إسهام يوسف الشريف فيما كتبه السيناريست عمرو سمير عاطف.. أقصد ما هو السطر الذي وشوش يوسف به عمرو في أذنه؟

عالم ما بعد القيامة؟ ا

لتواصل عبر الهولوجرام؟ 

العربات الطائرة؟

الهواتف الضوئية؟ ديستوبيا السلطات الفاشية؟ الصراع على الموارد؟ العلاقات العاطفية مع الروبوتات؟ ثورة الروبوت على البشر؟ ثورة البشر على الاستبداد؟ إدارة العالم بواسطة الشركات؟

كل فكرة منهم تصلح لبناء عمل فني مستقل، أما ضربهم جميعًا في الخلاط يبدو انجذابًا مراهقًا لأية شذرات فكرية براقة وغريبة عنا والسلام، حتى إن لم تدخل طور النضج.

ذلك عيب جوهري حتى لو كان الرد بأن الأمور ستتضح أكثر مع نهاية المسلسل، وهذا عذر أقبح من ذنب؛ لأنه تعامل مع الفكرة والتيمة باعتبارهما جزءا من التويست وليستا أساسًا يُبنى عليه. 

ومع تواصل حلقات النهاية لا أرى “فكرة” بل “عالمًا” مليئًا بالسمات الخيالية التي تساهل في تمريرها المؤلف دون خيط حاكم، فقط باقة كثيفة وغير منسجمة من خواطره ومعلوماته العامة عن أفلام الخيال العلمي.

في العادة، أعمال الديستوبيا والخيال العلمي تستخدم الخيال للتعليق على فكرة من الواقع بعد تضخيم أثرها وتفاصيلها، لكن ما يظهر أن كاتب المسلسل يفعلها بالعكس: يستخدم التعليق ليزخرف به الخيال، فتكون النتيجة في البداية مثيرة جدًا للفضول، لكنها تخفت بالتدريج كلما شعرنا أن الكاتب يدور حول نفسه، في حين انشغل مخرج العمل بالتحدي التقني وعناصر الصورة التي جاءت جيدة بالفعل، لكن دون جوهر مقنع.

النهاية سيفقد متابعيه بالتدريج في الأيام المتبقية من الموسم؛ لأن وعوده زادت عن المنتظر، هو ليس أكثر من استبشار مستقبل مرتبك بخيال مستنسخ وطموح مبالغ فيه أدى لقول كل شئ دون قول أي شئ في النهاية.


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك