مؤلف ممالك النار يكتب في دقائق: ٥ أساطير قتلها المسلسل | محمد سليمان عبد المالك

مؤلف ممالك النار يكتب في دقائق: ٥ أساطير قتلها المسلسل | محمد سليمان عبد المالك

24 Nov 2019
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

ليس مفترضًا أن يصاحب العمل الفني مذكرة تفسيرية تترجم معانيه وخوافيه. العمل الفني يتم استقباله حسب الرؤى الجمالية والثقافية والتشابكات المعقدة للجمهور المتلقي، وبقدر ما يثير من الجدل والنقاش، بقدر ما يترك أثرًا في النفس أولًا، وفي العقل الجمعي ثانيًا.

ممالك النار ربما يكون أول مسلسل عربي يُهاجَم بشراسة قبل عرضه. سمعنا من قبل عن مسلسلات أوقف عرضها بعد عدد محدود من الحلقات لأسباب سياسية أو فنية أو ثقافية. سمعنا عن مسلسلات نالت هجومًا واستهجانًا من فئات تحمل وجهات نظر تخالف المطروح، أو تعتبر الفن يتجرأ على مقدسات. سمعنا عن أعمال درامية وأدبية صودرت أو قُصقصت أجنحتها، أو “جُرجر” مبدعوها لساحات المحاكم، لكن.. كان هذا يبدأ “بعد”، وليس “قبل”. فماذا تغير؟!

ربما كان الإعلان الترويجي لـ ممالك النار موجعًا وكاشفًا، فالتاريخ معروف لكل دارس وباحث، وإن كان مجهولًا – أو مجهّلًا عن عمد – لأغلب العامة وغير المهتمين. فكرة أن يتجرأ العرب على التوحد حول مشروع فني ثقافي يحترم العقل، ويجتهد لتقديم تفاصيل تاريخية مسكوت عنها، في قالب سردي يطمح للوصول إلى المواصفات العالمية لصناعة الدراما.. من يمكن أن تزعجه هذه الفكرة إلا المستفيد من غيابها؟!

هذا ليس دفاعًا عن عمل فني لم يكتمل عرضه بعد، وليس مذكرة تفسيرية أو توضيحية لتفاصيله الدقيقة، وليس مناقشة أكاديمية تاريخية، فالأوْلى بها المؤرخون والباحثون. تحفل ساحات التواصل الاجتماعي اليوم بسجالات ومناظرات بين مع وضد، فهل يطمح عمل فني في أن يحقق أكثر من ذلك؟!

في الواقع، إن تحدثنا عن تأثير ممالك النار بعد أول أسبوع من عرضه، فلننظر إلى التفاف الجمهور العربي المتعطش من المحيط إلى الخليج لهذا النوع من الدراما، واحتضان الجمهور البسيط لها على المقاهي الشعبية، وفي البيوت، والجامعات، والمدارس، وأماكن العمل. هناك من يدافع عن المسلسل بأكثر مما يمكن أن يفعل صناعه، لكن هذا ليس كل شيء. لقد فضح المسلسل عددًا من الأساطير التي نتداولها كمسلّمات، وأخضعها لجهاز كشف الزيف، فحطم عددًا من التابوهات الراسخة.

1- الجمهور لا يُقبل على الدراما التاريخية

أكثر أسطورة متداولة في عالم الإنتاج الدرامي، ربما لتكاسل أو استسهال. الأعمال التاريخية ذات موضوع “ثقيل”، الملابس والاكسسوارات والديكورات فيها غير معاصرة، وحوارها فصيح ينتمي لعالم النخبة المثقفة، كل هذا لا يحبه الجمهور الذي يفضل أعمالًا سهلة وبسيطة وخفيفة.

ربما علينا الآن أن نعيد النظر، وأن نستعيد قاعدة فنية مهمة، احترم الجمهور يحترمك. لا يجب أن تخفض سقف أحلامك لتناسب ذوق العامة. ذوق العامة (المتغير بطبيعة الحال) سيرتفع إلى سقفك البعيد فقط إن أخلصت في تقديم منتَج طَموح.

2- لا يجب إقحام الدراما في السياسة

الغريب أن مروّجي هذه الأسطورة هم من يقحمون الدين في السياسة.

السياسة متداخلة بشكل أو بآخر في كل نواحي الحياة، فكيف يمكن إبعادها عن الدراما حتى لو لم يقصد صناع العمل ذلك بشكل مباشر؟! من قال إن الدراما تطمح للحياد؟! من روّج أنها لا يجب أن تحمل وجهة نظر؟!

من ادّعى أنها مكايدة أو افتراء أو هجوم، سوى من تأذوا من وجود – مجرد وجود – عمل فني يطرح وجهة نظر مخالفة لما يرونه صحيحًا؟! من يستخدم التاريخ كأداة معاصرة لفرض وجهة نظر تمزج المقدّس الديني بالمتغير السياسي، سوى من يهاجمون بالفعل؟!

جانب من تغطية وكالة الأناضول لمسلسل ممالك النار

جانب من تغطية وكالة الأناضول لمسلسل ممالك النار

3- الدراما تزيّف التاريخ

إن كانت مهمة صانع الدراما كتابة التاريخ، فما الذي يفعله المؤرخون والمتخصصون إذن؟!

مهمة صانع الدراما قراءة التاريخ، وقراءة ما بين سطوره، فللتاريخ دائمًا وجوه كثيرة، وروايات متناقلة عبر مصادر متعددة.

لا يُعقل أن تصنع عملًا تاريخيًا دون الاستعانة بمَراجع موثوق منها، ومحقق تاريخي متخصص، لكي تخرج الدقة التاريخية في النهاية بنسبة تتجاوز الـ ١٠٠٪، ولكن.. التاريخ أكثر من مجرد حقائق جامدة “من انتصر على من؟! من قتل من؟! ومن اعتدى على من؟!”، التاريخ هو القصة الإنسانية الممتدة من فجر التاريخ والتي ما تزال سطورها تُكتب إلى اليوم، والمشكلة أنه دائمًا ما يكرر نفسه، بصورة أو بأخرى.

أبي سيكون السلطان وسيقتل أباك !؟#ممالك_النار‬⁩ 🔥‬‫📅 من الأحد إلى الأربعاء ‏‫🕛 KSA 23:00 | UAE 00:00‬‏‫📺 @mbc1 @mbciraqtv @mbcmasrtv @mbc_masr2 @mbcpersia @mbc5tv @moataz_heshaam_official

Posted by ‎Kingdoms Of Fire – ممالك النار‎ on Sunday, November 17, 2019

4- المماليك أيضًا أتراك

أترك هذه الأسطورة ليفندها الأستاذ الكبير أسامة أنور عكاشة في رائعته “أرابيسك” التي طرح فيها سؤال الهوية قبل ما يقرب من ٣٠ عامًا، في حوار بين حسن النعماني الصانع الماهر والأستاذ وفائي عاشق التاريخ، مبينا الفارق الحضاري بين العثمانيين والمماليك.

ما تكشفه هذه الأسطورة، هي النظرة الاستعلائية من عِرق يرى نفسه أرقى وأعلى، نحو عِرق آخر تضرب جذوره في أرض التاريخ والحضارة. وكأنهم يقولون، كانت حربًا نحن أبطالها فلماذا تقحمون أنفسكم فيها؟! هذه النظرة تقابلها نظرة أخرى دونية بين هواة الانسحاق، وهؤلاء ربما يؤلمهم كشف الحقيقة، أكثر ممن يقودونهم تحت وهم الأمة الواحدة وحلم الخلافة القادمة.

عن إبداع (أسامة أنور عكاشة) فى الحوار ده ، و كان يعتبر مؤرخ أكتر منه سيناريست ..حوار فى الحلقة 13 – مسلسل أرابيسك – إنتاج 1994 (من 22 سنة) عن السلطان (سليم الأول) إللى هزم السلطان (قنصوة الغورى) آخر سلاطين المماليك البرجية فى معركة (مرج دابق) بسوريا ، و بعدين شنق السلطان (طومان باى) آخر سلاطين المماليك الشراكسة على باب زويلة و ترك جثته معلقة على البوابة 3 أيام قبل دفنه فى قبة الغورى لأن (قنصوة) نفسه لم يعثر على جثته ..و دى كانت نهاية دولة المماليك و بداية الفتح العثمانى لمصر 1517 و إللى إستمر حتى 1867 (350 سنة) حتى بداية عصر الخديوات ، ثم نكسة الإحتلال البريطانى لمصر ..الحوار بيقول :حسن أرابيسك (صلاح السعدنى) : أبويا قالى إن السلطان (سليم الأول) لما دخل مصر ، لم أحسن العمال و الصنايعية فى كل طوائف المعمار ، و سفرهم على تركيا عشان يبنوا له جوامع و خانات و حمامات .. علشان يخلوا أسطنبول أحلى من مصر المحروسة أو على الأقل زيها ، و كان جدى (عبد الرحمن النعمانى) من الناس إللى راحوا هناك .. بس راح ما رجعش !الأستاذ وفائى (حسن حسنى) : و دى أكبر جريمة إرتكبها السلطان (سليم) و السلاطين إللى بعده .. جردوا مصر من كل فنانينها إللى عملوا التحف العظيمة فى عصر المماليك و شحنوهم على تركيا .. و ده الفرق بين المماليك و التراكوة .. المماليك إستقروا فى مصر .. إعتبروها بلدهم و إبتدوا يبنوا و يشجعوا الفنانين و الصنايعية .. كانوا بيسابقوا بعض و يباهوا بعض و كل واحد فيهم عاوز يعمل حاجة جميلة بإسمه .. عشان كده سابولنا كنز فى العمارة و فنون النقش و الزخرفة لغاية النهارده مالية مصر ..لكن التراكوة كانوا زى سرب الجراد إللى بيحط على أرض خضرا يمسحها ، ما يسبش فيها عود أخضر !طبعاً موقع (ويكى بيديا) الخرفانى بيجمل الفتح العثمانى لمصر و بيمهد للفتح التانى … الحمد لله إن (عكاشة) مات قبل ما يشوف مصريين بيعتبروا القواد (أردوغان) الخليفة المنتظر !

Posted by Zahra Youssry on Wednesday, August 31, 2016

5-أليس الفقراء أولى بهذه الأموال؟!

أكثر الأساطير إضحاكًا، لدرجة ربما لا تستحق الرد عليها. وكأن الوعي ترف، وكأن الفهم والبحث والدراسة أمور ثانوية، وكأنما الإنسان جاء الدنيا ليأكل ويشرب وينام كالبهائم، وعلينا أن نضعه في حظيرة ونمنع عنه مخاطر التفكير والتدبر.

وكأن الحلال أن نصنع ما يتوافق مع رؤيتنا لنغسل أدمغة الشعوب العربية بنماذج أبطال لم يكونوا، والحرام أن يفكروا بأنفسهم ولأنفسهم وأن يبحثوا عن الحقائق في كتب التاريخ، ليقدموها على الشاشة. وكأن صناعة الدراما لا تفتح بيوتًا، ولا تشغل آلاف العمال، ولا تنشر الأفكار وتخدم العقول.

من جديد، هذا ليس دفاعًا عن القيثارة، فالعزف عليها لا يزال مستمرًا، وإنما محاولة بسيطة لقراءة الواقع المحيط، الذي كشف عنه عرض الحلقات الأولى من “ممالك النار”، ليس إلا.


الحرب الدائرة على أرضنا ولا نراها | خالد البري | رواية صحفية في دقائق

قراءة الطالع في خطوتين – الإخوان العثمانيين والساموراي | خالد البري | رواية صحفية في دقائق



رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك