الشرايين التي يتدفق عبرها نفط السعودية – أكبر مصدر في العالم – إلى المستهلكين في جميع أنحاء العالم كانت دائماً أكثر الأهداف إغراءً؛ باعتبار أن وقف ضخ خطوط الأنابيب ومحطات الضخ وصهاريج التخزين والمصافي الكبرى في البلاد لا يضر السعودية بحسب، بل الاقتصاد العالمي كله.

حاول آخرون سابقًا، لكنهم فشلوا. في 2006، حاول تنظيم القاعدة شن هجوم انتحاري على أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم في بقيق شرق السعودية، لكن السلطات أحبطته. الآن، يبدو أن إيران أو أحد وكلائها نجحوا فيما فشل فيه تنظيم القاعدة.

حرب الدرونز.. مواجهة إسرائيل وإيران الممتدة عبر الدول | س/ج في دقائق

في 14 سبتمبر/ أيلول، ضربت طائرات دون طيار وصواريخ منشأة بقيق وحقل خريص النفطي، لتندلع حرائق ضخمة قالت أرامكو السعودية إنها علقت إنتاج 5.7 مليون برميل من النفط الخام، بما يعادل نحو 60% من إنتاج المملكة و6% من إنتاج النفط في العالم.

بالنتيجة، ارتفع سعر خام برنت بأكثر من 10% في الساعات الأولى من التداول يوم 16 سبتمبر. ويتوقع بعض المحللين ارتفاع أسعار النفط بشكل أكبر إذا لم تستعيد السعودية معدلات الإنتاج قريبًا.

ونقلت رويترز عن مصدر في أرامكو إن الإصلاحات ستستغرق “أسابيع وليس أيام”.

ترامب يغير قواعد لعبة إيران لـ “صادرات صفر”.. ويعول على السعودية والإمارات | س/ج في دقائق

ليس من الواضح حتى الآن من الذي شن هجوم أرامكو تحديدًا.. لكن دائرة الاتهام تشمل:

الحوثيون

إعلان المسؤولية الأول خرج من المتمردين الحوثيين في اليمن. تقول الإيكونوميست إن التنظيم يملك الدوافع بالنظر للقتال الدائر مع التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والوسائل بامتلاكهم الدرونز والصواريخ الباليستية التي استخدموها مرارًا لضرب المطارات والقواعد العسكرية وغيرها من الأهداف السعودية.

وبحسب محققي الأمم المتحدة، سير متمردو الحوثيين طائرات بدون طيار يصل مداها إلى 1,500 كيلومتر منذ العام الماضي، وهو ما يكفي للوصول إلى بقيق وخريص.

وتشبه قطعة من الحطام الناجم عن الهجوم الأخير جسم صاروخ قدس-1 الذي كشف عنه الحوثيون في يوليو/ تموز.

س/ج في دقائق: ماذا لو حسم الحوثيون الصراع في اليمن؟

ميليشيات العراق

يشير المسؤولون الأمريكيون – وبينهم وزير الخارجية مايك بومبيو – إنه “لا دليل” على تورط الحوثيين في اليمن في هجوم أرامكو.

وفي هجمات سابقة طالت قطاع النفط في الخليج، اتهمت واشنطن ميليشيات شيعية في العراق.

وقالت وول ستريت جورنال إن مسؤولين أمريكيين يحققون في احتمالية انطلاق هجوم أرامكو من جنوب العراق.

وتقول الإيكونوميست إن ثبوت شن الهجوم من العراق سيمثل جبهة جديدة في الصراع بين إيران وجيرانها. وتضيف أن هناك صلات مباشرة بين الحوثيين والميليشيات العراقية .

وأنشأت إيران قواعد للميليشيات الشيعية التابعة لها في جميع أنحاء العراق. وشوهد قاسم سليماني، الرئيس القوي للذراع الدولي للحرس الثوري في جلسات تخطيط مع قادتها.

واتصل بومبيو برئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي بعد هجوم أرامكو.

ونفت السلطات العراقية انطلاق هجوم أرامكو من حدودها.

دمج الميليشيات الشيعية.. هل تمول بغداد الحرس الثوري العراقي الموالي لإيران؟ | س/ج في دقائق

إيران

لم تتهم الولايات المتحدة إيران رسميًا بتدبير هجوم أرامكو حتى الآن، لكن إيه بي سي نيوز نقلت عن “مسؤول أمريكي كبير” – لم تكشف هويته – قوله إن الرئيس ترامب “يدرك وبصورة كاملة أن إيران وراء الهجوم”. الرئيس ترامب نفسه طرح الاحتمال وأنه في انتظار النتائج الأكيدة.

ونقلت واشنطن بوست عن مسؤول مطلع على المناقشات الحالية أن إدارة ترامب ترجح ألا تكون تلك الهجمات انطلقت من اليمن، أو أن الحوثيين “لم ينفذوها من تلقاء أنفسهم”، مستشهدًا بطبعية هجوم أرامكو المتقدمة.

الخارجية الإيرانية نفت الاتهامات، واعتبرتها “أكاذيب قصوى تعبر عن الفشل”.

مصدر الهجوم لا يهم السعودية للدرجة؛ كون المتهم الرئيسي بتزويد الحوثيين والميليشيات الإقليمية الأخرى بالمال والسلاح تبقى إيران في النهاية.

واستخدمت صواريخ مبنية على أساس نماذج تنتجها إيران لضرب منشآت أرامكو بشكل شبه مؤكد، بحسب الإيكونوميست.

لكن تحديد الفاعل المباشر يكتسب أهميته من تأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على جاهزية القوات الأمريكية للرد على هجوم أرامكو.

ترامب أكد كذلك على أن الكرة في ملعب السعودية في تحديد الجاني وتحديد طبيعة وشروط الرد.

وعلى مدى أشهر، حذر مسؤولو الخليج من أن المملكة ستضطر في النهاية إلى الرد على هجمات إيران ووكلائها. وتحذر الإيكونوميست من شعور السعودية بحاجتها للتصرف بشكل منفرد إذ وصلت لقناعة بأنه لا يمكن الاعتماد على ترامب لضمان أمنها.

هل تملك واشنطن دليلًا على تنامي تهديدات إيران؟ ما أسباب التصعيد العسكري وأهدافه؟ | س/ج في دقائق

السعودية مؤيد متحمس لرفع مستوى الضغوط على إيران إلى حده الأقصى؛ كونه سيقلص الدعم الذي تقدمه لوكلائها الإقليميين، وإنتاج النفط السعودي أحد أهم الأسلحة التي يستخدمها ترامب لتطبيق عقوبات إيران بأقل خسائر ممكنة للاقتصاد العالمي.

مؤخرًا، هدأت نبرة ترامب، وعرض مقابلة الرئيس الإيراني حسن روحاني، مع احتمالات بعقد اجتماع على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر. كما أقال – أو قبل استقالة – مستشاره للأمن القومي جون بولتون، الأكثر تشددا نحو إيران.

وتراجع ترامب في اللحظة الأخيرة عن شن غارات جوية على إيران في يونيو/ حزيران، بعد إسقاط طائرة أمريكية دون طيار.

الأكثر إرباكًا أن ترامب – بحسب الإيكونوميست – أبدى استعداده لدعم لاقتراح فرنسي يقضي بتزويد إيران بحد ائتمان قيمته 15 مليار دولار من شأنه أن يساعدها في التعامل مع عقوباته النفطية.

لكن هجوم أرامكو قد يعيد ترامب إلى موقفه المتشدد – الذي بدا تراجعه عنه ممكنًا مع عزل مستشار الأمن القومي جون بولتون – خاصة إذا تسبب في رفع أسعار النفط.

الأزمة – بحسب الإيكونوميست – أن خيارات ترامب الذي طالما أحجم عن توريط الولايات المتحدة في صراع عسكري في الشرق الأوسط  تبقى محدودة؛ بعدما تقلصت الأهداف التي لم تضربها العقوبات الأمريكية على إيران، ما يعني أنه قد يصل إلى نقطة لا يملك فيها إلا شن ضربة عسكرية أو لا شيء.

وإذا مال للخيار الأخير، فسيعمق شعور السعودية بالقلق المتزايد.

ويدفع بعض الصقور في واشنطن، مثل السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، باتجاه القيام برد فعل عسكري.

وقال جراهام إن إيران لن تتوقف عن سوء سلوكها حتى تصبح العواقب أكثر واقعية، مثل مهاجمة مصافي التكرير، والتي ستكسر ظهر النظام.

ورد قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده بأن إيران مستعدة “لشن حرب كاملة”، مهددًا بأن كل القواعد وشركات الطيران الأمريكية الواقعة في مدى ألفي كيلومتر حول إيران تقع في نطاق صواريخ قواته.

لماذا من مصلحة إيران أن يقع البلاء فورًا. الآن. اليوم قبل غد؟ | خالد البري

الهجمات أتت في وقت حساس لأرامكو ولأسواق النفط عمومًا:

أرامكو

 أرامكو كانت تستعد لإدراج جزء من أسهمها فيما يتوقع أن يكون أكبر طرح عام أولي على الإطلاق.

واستعدادًا لإدراجها في السوق، حرصت السعودية على إظهار قدرتها على دعم سعر النفط، وإنتاج النفط بشكل موثوق رغم التهديدات الأمنية المتزايدة، لكن هجوم أرامكو اراد أن يقوض حدود قدرتها على القيام بأي منهما، بحسب الإيكونوميست.

أرامكو الأعلى ربحية عالميًا.. المعنى الاقتصادي والتحديات | س/ج في دقائق

أسواق النفط

كان سعر النفط متقلبًا العام الماضي؛ يرتفع مع المخاوف بعدم قدرة المعروض على الوفاء بالطلب تأثرًا بالعقوبات الأمريكية على إيران وفنزويلا، ويتراجع مع مخاوف من تراجع الطلب إثر تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.

لكن السعودية قادت الجهود الرامية إلى استقرار الأسعار.

وفي ديسمبر/ كانون الأول، أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاء آخرون، بما في ذلك روسيا، أنها ستخفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميًا.

وقلصت السعودية الإنتاج بانتظام بأكثر مما وعدت به؛ في محاولة لدعم سعر النفط بعدما رفض أعضاء آخرون في أوبك – مثل العراق ونيجيريا – خفض الإنتاج. هذه الجهود منعت أسعار النفط من الانهيار.

مع ذلك، وصل سعر خام برنت في 13 سبتمبر/ أيلول – قبل هجمات نهاية الأسبوع – إلى 60 دولارًا، أي ما يقرب من 20% أقل من مستويات أواخر أبريل/ نيسان.

الأسئلة الحاسمة لأسواق النفط تتعلق بمدى السرعة التي يمكن أن تستأنف بها السعودية الإنتاج، وما إذا كانت الهجمات ستحفز مواجهة عسكرية أوسع.

وأمر ترامب بالسحب من مخزون النفط الاستراتيجي الأمريكي إذا لزم الأمر للحفاظ على إمدادات السوق.

خريطة بريجنت.. كيف تقتلع الولايات المتحدة أنياب إيران دون صدام مباشر؟ | إنفوجرافيك في دقائق