عام سينمائي آخر انتهى، وترك حصة لا بأس بها من الأفلام الممتازة، لكن على سبيل التغيير هذه المرة سنتوقف بالتفصيل أمام مشاهد محددة صنعت أمجاده، وحفرت لنفسها مكانًا في ذاكرتي السينمائية، وذاكرة ملايين آخرين غالبًا.
تجدر الاشارة الى أن القائمة إجمالًا تتضمن أيضًا أفلامًا أراها واجبة المشاهدة من سينما 2018.
إخراج: كريستوفر ماكويري.
المشهد: شجار يدوي في حمام عام.
الحملة التسويقية للجزء السادس من المهمة: مستحيلة ركزت أكثر على مشهد الهبوط من الطائرة، بالإضافة إلى مشهد القفزة الشهيرة التي تسببت في كسر قدم توم كروز وتوقف التصوير لمدة. لكن بمجرد ظهور أول إعلانات الفيلم، اكتسب مشهد الشجار في الحمام شهرة لا بأس بها على الإنترنت، وتحول إلى ميم بفضل الثانية التي يظهر فيها هنري كافيل وهو يستعد لالتحام يدوي مع خصمه.
الشهرة ازدادت لاحقًا بعد عرض الفيلم. في عمل متقن عامر بكل ما لذ وطاب في مجال الأكشن، ابتداءً بمطاردات السيارات والموتوسيكلات، مرورًا بمطاردات الطائرات وسط الممرات الجبلية، والأكروبات الخطرة، صمد مشهد شجار الحمام؛ بفضل طريقة تنفيذه الأقرب لمدارس الأكشن الآسيوية، ودرجة المرح التي يتضمنها رغم أجوائه العنيفة.
عظمة المشهد تأتي من كونه يخبرنا بالكثير عن الشخصيات وطباعها. ماكويري كتب وأخرج أيضًا الجزء الخامس عام 2015، لكن فيلمه السابق أقرب لعمل هواة بالمقارنة. الجزء السادس لا أعتبره فقط أفضل فيلم أكشن في 2018، لكنه واحد من علامات العقد ككل في هذا النوع.
إخراج: جون كراسينسكي.
المشهد: سقوط أول ضحية.
في فيلم ومشهد يوظف شريط الصوت بشكل فعال وفريد جدًا، يضعنا جون كراسينسكي مخرج وبطل الفيلم، في قلب الأحداث والعقدة مبكرًا. القاعدة هنا بسيطة، وسنتعلمها بطريقة موجعة. أي صوت يعني نهاية حياتك، والضحية التي تسقط أمامنا في المشهد الافتتاحي هي الأضعف، والأكثر استحقاقًا للتعاطف وسط كل الشخصيات، وبالتالي هلاكها أصعب تأثيرًا على المتفرج.
المفترس يلتهم نفسه في The Predator
الشىء الجيد أن الفيلم لا يفقد حدته تقريبًا على مدار باقي الأحداث. بداية قوية لفيلم لا يقل قوة، وعامر بمشاهد جيدة عديدة أخرى.
إخراج: دميان شازيل.
المشهد: أول هبوط على سطح القمر.
الفيلم ككل أقل من العملين السابقين لمخرجه (LaLa Land – Whiplash) لكنه لا يخلو من مشاهد عديدة متميزة.
خلال مرحلة السفر للقمر، نعايش رحلة نيل أرمسترونج ورفيقه باز ألدرين الكابوسية، من زوايا ضيقة داخل كابينة المكوك، برفقة الموسيقى التصويرية لـ جاستين هرويتز، التي ستُرشح غالبا للأوسكار هذا العام، وأراها الأجدر بالفوز.
اختار شازيل بعد فتح باب المكوك تنحية الصوت تمامًا، ومنحنا كمتفرجين لحظات مهيبة من الصمت والسكون التام على سطح القمر، الذي يظهر بكادرات واسعة جدًا ومختلفة مقارنة بما سبق. هذا الصمت لن يكسره لاحقًا سوى أنفاس أرمسترونج وهو يستعد لـ (أول خطوة صغيرة لإنسان على سطح القمر، وأكبر قفزة حققها العلم البشري في أواخر الستينيات).
لجيل يتابع حاليًا بروتينية أخبار الاستعدادات لبناء مستعمرات على سطح المريخ، منحنا شازيل أخيرًا بفضل مهاراته البصرية والصوتية، لمحة قوية ما، عن عظمة وهيبة إنجاز الوصول للقمر، الذي لم نعايشه.
إخراج: آري آستر.
المشهد: شجار عائلي على العشاء.
يعشق البعض أفلام الرعب الخاصة بالأشباح والوحوش وخلافه، مهما أفلست وتكررت بحذافيرها. في السنوات الأخيرة وصلت الأمور لمراحل مزعجة من الرخص والابتذال والتكرار في هذه النوعية. أخص بالذكر فيلم مثل The Nun كنموذج للفيلم الرديء، الذي يحقق ملايين في شباك التذاكر عالميًا رغم افلاسه، ويقبل عليه المراهقون بالأخص.
البعض الآخر – وأنا منهم – يفضل ذلك النوع الذي يمنحك تجربة مقبضة ومخيفة ما، تتسلل إلى كيانك، ومرتبطة بالبشر وسلوكياتهم وعالمنا، أكثر ما هي مرتبطة بأجواء الغرائبيات، وهو ما قدمه هنا السيناريست والمخرج آري آستر ببراعة يحسد عليها.
في فيلمه الروائي الأول وراثي Hereditary، نتابع مأساة عائلية، تتسبب في حالة رعب وبارانويا وسط أفراد الأسرة ناحية بعضهم، وفي هذا المشهد يبدأ شجار لفظي بين الأم وابنها، لتتوتر الأمور بينهما أكثر وأكثر. المشهد منفصلًا – إذا تجاوزنا أداء المبدعة توني كوليت – لا ينتمي لعالم الرعب، لكنه يدشن مع ما قبله، جوًا عامًا مقبضًا وموترًا جدًا للفيلم، ويمهد لأهوال مرعبة سنتابعها لاحقًا في باقي الأحداث.
في عالم مثالي، ستترشح كوليت للأوسكار كأفضل ممثلة عن دورها هنا، لكننا للأسف لا نحيا في هذا العالم، وأفلام الرعب لا تنال تقديرًا أو اهتمامًا عادة في دوائر الجوائز الكبرى.
إخراج: ديفيد ليتش.
المشهد: هبوط فريق إكس فورس بالمظلات.
الحملة التسويقية للفيلم تمهدنا لانضمام فريق إكس فورس لديدبول، والأحداث تتوقف بالتفصيل نسبيًا أمام قصة انضمام كل فرد فيهم، وقدراته القتالية المميزة.
المنطقي والمتوقع إذًا بعد كل هذا، أن الفريق سيكون ذا شأن في مسار الأحداث، لكن ديدبول والمنطق لا يجتمعان! المفاجآت تتوالى في أولى مهام الفريق العملية، في مشهد يمزج الكوميديا بالأكشن بالعبث. الأكثر إثارة أن نجمًا من كبار نجوم هوليوود، يظهر كضيف شرف لمدة ثانية واحدة تقريبًا في هذا المشهد!
عندما يجتمع طاقم سيناريو موهوب في كتابة الكوميديا، مع مخرج يعرف أدواته جيدًا، تصبح النتيجة شيئا كهذا، دقيقتين أو ثلاثا من الضحك الهستيري الديدبولي المتواصل.
إخراج: براين سينجر.
المشهد: فريق كوين يغني في حفل Live Aid عام 1985.
ختام هذا الفيلم المتعلق بمسيرة فريق كوين، ونجمه الراحل فريدي ميركوري، قد يكون أقوى ما فيه، بفضل مقطع طويل يستعرض أحد أهم أمجاد بطله، عندما قدم ما يصنفه البعض حتى الآن، كأفضل أداء لمطرب روك على المسرح في حفل Live Aid الموسيقي الخيري عام 1985.
الطريقة المؤثرة التي يردد بها رامي مالك كلمات أغنية Bohemian Rhapsody بالأخص، وربطها في المشهد بمأساة البطل، والملامسة البصرية الدقيقة للأعداد الغفيرة التي حضرت الحفل، منحت هذا المشهد أصالة فريدة تفوق في عظمتها الفيلم ككل. ستمنح قريبًا أيضًا رامي مالك أول ترشيحاته للأوسكار.
إخراج: برادلي كوبر.
المشهد: أغنية Shallow.
اختارت شركة وارنر توظيف الأغنية في حملتها التسويقية للفيلم، وسمعها وشاهدها ملايين قبل مشاهدته. نظريًا من المتوقع إذًا أن تصبح أغنية محترقة نسبيًا وسط الأحداث، لكنها تحتفظ بقوتها وتأثيرها خلال الفيلم؛ لأنها تظهر في مشهد مرتبط جدًا بما سبقه.
هنا نصل أخيرًا للمحطة التي تتوقف فيها البطلة عن ترددها وخجلها وقلقها، وتقرر احتضان المايك بيديها الاثنين بكل قوة، لتشارك البطل الغناء. قرار المشاركة هو نقطة تحول في علاقتهما، وبداية رحلة شراكة وحب حقيقية. المسألة ليست مجرد أغنية مشتركة. كلاهما يمنح الآخر جزءًا من روحه في هذا المشهد.
مولد نجمة سيربح غالبًا أوسكار أفضل أغنية ضمن أوسكارات أخرى، وستصمد هذه الأغنية في الذاكرة؛ بسبب طريقة توظيفها وتقديمها في الفيلم، قبل أية مزايا أخرى تخصها ككلمات وألحان وخلافه.
إخراج: برادلي كوبر
المشهد: اعتراف بين شقيقين.
الأفلام الاستثنائية من حيث الجودة تستحق معاملة استثنائية، لذا وعلى عكس المعتاد في أغلب القوائم التي أكتبها، سأختار هنا من جديد مشهدًا من نفس الفيلم.
العظماء السبعة: نجوم لا يجوز استبدالهم في هوليوود
في هذا المشهد يعترف بطل الفيلم والأخ الأصغر (برادلي كوبر) لأخيه الأكبر (سام إليوت) بتأثيره وفضله عليه، رغم عدم توافقهما. عظمة هذا المشهد السريع والاختزالي جدًا سببها الأداء التمثيلي من الطرفين. الأول ينطق بتردد وحيرة جملة واحدة، والثاني يسمعه فقط ويغادر المكان سريعًا دون رد، لكننا نعرف تأثير الجملة المهول عليه من عينه أثناء المغادرة.
ثوانٍ قليلة جدًا يستغرقها هذا المشهد، لكنها كافية وحدها من وجهة نظري لترشيح الاثنين لأوسكار أفضل ممثل – ممثل مساعد.
إخراج: ستيفن سبيلبرج.
المشهد: الأبطال في مهمة داخل فيلم The Shining.
في فيلم مقتبس عن رواية تدور أحداثها عن نوستالجيا سينما وفيديوجيم الثمانينيات بالأخص، يمكن للمتفرج أن يتوقع لمسات عن كلاسيكيات تجارية ناجحة عديدة من هذا العقد، لكن يصعب أن يتوقع لمسة تحية لفيلم ستانلي كوبريك المرعب The Shining.
في هذا المشهد – غير الموجود في الرواية بالمناسبة – يعيدنا سبيلبرج بدقة لفندق وأجواء فيلم The Shining بكل تفاصيله المهمة. الطفلتان المرعبتان في الممرات، والآلة الكاتبة، وشلالات الدماء التي تنهمر في البهو، والغرفة 237 بكل أسرارها، والمتاهة المحيطة بالفندق، وغيرها من التفاصيل.
درجة التطابق البصري مع الأصل مذهلة، خصوصًا لمن شاهدوا الفيلم على شاشات الأيماكس العملاقة، ومعدل التسارع الجنوني الذي ينتقل به المشهد من جزئية لجزئية، يرفع نسبة الإبهار أكثر وأكثر. المشهد ككل رسالة حب وتقدير من عبقري سينما حقيقي، لعبقري آخر رحل عن عالمنا، بعدما حفر في ذاكرتنا السينمائية الكثير والكثير من العلامات.
بدأ عرض فيلم Ready Player One في مارس، وخرجت منه وأنا أتساءل عما إذا كنت سأشاهد في بقية العام مشهدًا آخر يلدغ في ذاكرتي بنفس الدرجة. الإجابة النهائية (لا). هذا هو مشهد 2018 الذي حسم السباق، واحتجز لنفسه مساحة من الذاكرة يستحيل محوها.
أهم أفلام 2019.. 20 فيلمًا ينتظرها الجمهور بحماس
وصلنا الآن للنهاية، وغالبًا لاحظ البعض أن القائمة تضمنت 9 مشاهد فقط بدلًا من 10. هؤلاء أهنئهم مبدئيًا على دقة الملاحظة! دوركم الآن كقراء هو استكمال هذه القائمة في التعليقات، بمشهد عاشر من أفلام 2018 أعجبكم جدًا، وغير مذكور هنا.
في النهاية السينما مشاركة!
موضوعات متعلقة
نسخة للطباعة
