فيلم لص بغداد.. ما الذي ينقص السينما المصرية لصناعة فيلم أكشن جيد؟ | ريفيو | حاتم منصور

فيلم لص بغداد.. ما الذي ينقص السينما المصرية لصناعة فيلم أكشن جيد؟ | ريفيو | حاتم منصور

23 Jan 2020
حاتم منصور
سينما عربية
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

الأفلام الهروبية Escapism Movies تُعرف باعتبارها الأفلام التي تجذب تركيز المتفرج لمتابعة قصة لا تخلو من أحداث غير عادية، كهروب من واقع حياته وروتينه اليومي ومشكلاته. إلى حد كبير، يمكن القول إن أنجح الأفلام تجاريًا منذ فجر السينما تندرج تحت هذه الفئة.

سينما الأكشن والمغامرات صاحبة النصيب الأكبر في هذه اللعبة. وبفضلها – قبل أي نوع آخر – سيطرت هوليوود على شباك التذاكر العالمي ولا تزال. نظرة سريعة على أرقام شباك التذاكر العالمي أو العربي حاليًا، بالتزامن مع بدء عرض فيلمنا هنا، ستخبرك مثلًا أن أفلامًا مثل Bad Boys for Life – Jumanji The Next Level هي الأكثر نجاحًا.

أنجح 10 أفلام في تاريخ هوليوود | حاتم منصور

فيلم لص بغداد الذي أخرجه أحمد خالد موسى، يقتبس عنوانه من فيلم مغامرات بريطاني شهير بنفس الاسم من إنتاج 1940. والغريب هنا أنه أقل ارتباطًا بالثقافة والأجواء العربية من نظيره الأجنبي.

لكن على أي حال سنتجاوز ذلك، ونتوجه للسؤال الأهم: ما الذي تملكه أفلام الأكشن والمغامرات العالمية ولا يملكه فيلم لص بغداد المصري؟!

إعلان فيلم “لص بغداد” 

الإجابة التي اعتدنا سماعها منذ عقود، والتي أصبحت بمرور الوقت ضمن المسلمات غير قابلة للنقاش أو إعادة التفكير هي “الإمكانيات”. لكن تجارب أخر سنوات بالأخص تخبرنا بالعكس؛ عيوب أفلام الأكشن المصرية مؤخرًا أبعد ما تكون عن الإمكانيات المادية، وهي نقطة تتضح في أفلام عديدة العام الماضي، على رأسها الممر وكازابلانكا، وتتضح أكثر وأكثر هنا في فيلم لص بغداد.

لدينا هنا بذخ إنتاجي بمعايير السينما المصرية، يتضح في أماكن تصوير عديدة، ومشاهد أكشن تتضمن تشكيلة من كل مدرسة، من معارك الكاوبوي والمسدسات، مرورًا بمطاردات السيارات والدراجات النارية، واشتباكات الكونج فو والقتال اليدوي، وانتهاء بقفزات الباراشوت، والتصوير تحت الماء. وإذا كان كل هذا لا يكفي، فالنهاية تتضمن مشاهد خدع بصرية لا بأس بها.

كازابلانكا.. كيف ابتز بيتر ميمي جمهوره بـ “عركة” لا تبدأ ولا تنتهي؟! | أمجد جمال

لكن وسط كل هذا، وحتى مع تيمة بسيطة كالموجودة هنا عن لص يبحث عن كنوز مقبرة الإسكندر الأكبر، ويعترض طريقه منافسون آخرون يريدون الوصول للكنز أولًا، فكل شيء تقريبًا – باستثناء الأكشن كمستوى حرفي – يمكن اعتباره من أسوأ ما يمكن.

الحبكة تسير بطريقة: البطل في مكان ما.. البطل يجري اعتراض طريقه والقبض عليه.. البطل يهرب “بطريقة غير مقنعة” ليذهب إلى مكان ما.. حيث يُعاد اعتراض طريقه مجددًا والقبض عليه.. لكي يهرب بطريقة أقل اقناعًا من سابقتها.. وهكذا تتكرر الدائرة دون جديد، وبدرجة تدفع المتفرج إلى اللامبالاة.

الأصل في مشاهد الأكشن كي تصبح مثيرة، هو وجود مقابل نعرف أن البطل سيخسره إذا خسر معركته. هنا مع تكرار مسار الأحداث السابق وصفه، يفقد أي أكشن معناه وتأثيره، رغم مجهودات المخرج في تنفيذ كل مشهد من الناحية الحرفية بأكثر شكل استعراضي ممكن، وفي تكثيف زمن هذه المشاهد.

مشهد من فيلم لص بغداد.

الشخصيات كلها أحادية الجانب، ومستمرة بصياغة ثابتة طوال الأحداث. تعبيرات الشخصية الرئيسية مثلًا – التي يلعبها محمد إمام – تنحصر كلها تقريبًا في نوعين أو ثلاثة على الأكثر، منها الظهور كالشاب القوي “الباد آس بالوصف الأمريكي”، وهي مقاطع – رغم مللها وتكرارها عشرات المرات – تظل أرحم كثيرًا لو قارناها بسيل النكات والإيفيهات الفقيرة التي يلقيها طوال الوقت، والتي تتضمن عددًا لا بأس به من اتهام البطلة أنها مجنونة أو “هبلة” أو خلافه من المترادفات، على اعتبار أن هذه إيفيهات جبارة ستضحكنا أول مرة، وتصلح أيضًا من شدة فاعليتها للتكرار.

لتوضيح مستوى الكوميديا والدعابات هنا، فهذا فيلم من النوع الذي يختلق حوارًا كاملًا لا محل له من الإعراب وسط الأحداث، فقط ليطلب من جمهوره في النهاية الضحك على دعابة من نوعية استخدام مصطلح “التوحيد والروس”، بدلا من “التوحيد والنور”، أو جعل صديق البطل – الممثل محمد عبد الرحمن – يكرر بهستيريا جملة من نوعية “هنموت كلنا”. وهي الجملة التي يضحك عليها هو نفسه، ربما لأنه يعلم مقدمًا أن هذه المهمة ستكون صعبة جدًا على المتفرجين!

خيال مآتة.. لماذا يحاول أحمد حلمي إقناعنا أن “كده رضا”؟! | حاتم منصور

لكن ذروة الملل وثقل الظل، تتحقق بفضل شخصية سلمى التي تلعبها ياسمين رئيس. يمكن تخمين المسار الأصلي الذي أراده المؤلف تامر إبراهيم، وغالبًا كان تقديم شخصية شابة مزعجة لبقية الشخصيات وللبطل بالأخص، وكثيرة الكلام، بشكل يضحك الجمهور. لكن فقر الحوار على المستوى الكوميدي، وتصنع الانفعالات دون مبرر، واستخدام الصوت العالي طوال الوقت، والأداء الفقير إجمالًا الذي تقدمه ياسمين رئيس للشخصية، عناصر انتهت بشخصية مزعجة ومملة للجمهور نفسه.

ياسمين رئيس في مشهد من فيلم لص بغداد.

حتى الموهوب فتحي عبد الوهاب، القادر عادة على تحويل الفسيخ لشربات – كما نقول باللغة الدارجة – لم ينجح هنا في تحقيق نفس المهمة.

أمينة خليل قد تكون الأسعد حظًا وسط رفاقها؛ لا لأنها تنال شخصية متقنة أكثر من حيث الأبعاد والدوافع، أو لتقديمها أداء أفضل من الباقين، لكن لأن عدد مشاهدها أقل، وبالتالي هي الأقل مللًا. قد تجدر الإشارة إلى أنه حتى مع نهاية الفيلم، لا زلت عاجزًا عن تحديد ما أراده المؤلف والمخرج لهذه الشخصية. هل النية كانت رئيسة عصابات شريرة بلمسة كوميدية؟ أم نموذج الفاتنة الخطرة Femme fatale؟ أم كلاهما؟ ربما شيء ثالث؟!

الفلوس.. هل يصنع تامر حسني سينما أم موادًا ترويجية لنفسه؟ | أمجد جمال

مع النهاية التي حاول فيها صناع لص بغداد إغراءنا بخيط لجزء ثانٍ، اعتمادًا على تعلق منتظر منا بهذه الشخصيات، وهو التعلق الذي لم يتحقق لدى نهائيًا، لم أستطع مقاومة فيض المقارنة الإجبارية بين لص بغداد وأفلام الأكشن المصرية المعاصرة عامة التي تدعي التميز في حملاتها التسويقية، وبين محاولات أفضل عمرها 40 و30 سنة.

عقدا الثمانينيات والتسعينيات شهدا تراجعًا في حجم الإنتاج السينمائي المصري، وأزمات اقتصادية في الصناعة، لكن – رغم هذا – ترك كلاهما علامات في سينما الأكشن، بفضل أفلام مثل (المشبوه – سلام يا صاحبي – شمس الزناتي). تعمدت اختيار العناوين السابقة بالأخص لأنها في الحقيقة تمصير لأعمال أجنبية، وهي نقطة لا أعتبرها عيبًا على أي حال، لكنها مهمة هنا لأسباب سنستعرضها لاحقًا.

نقطة نجاح هذه الأفلام تجاريًا وقت عرضها، وخلودها لاحقًا لدرجة الانتشار في عصر الكومكس والميمز، لم تكن مستوى الاتقان في تنفيذ مشاهد الأكشن، لأنه كان متوسطًا في أفضل الحالات بالمقاييس العالمية. التميز الحقيقي كان سببه حدوتة قوية بشخصيات يهتم بها المتفرج، وتوفر حوارات لا تخلو من جمل أيقونية.

في هذه الأعمال، امتزجت سيناريوهات جيدة بشخصيات مصرية فعلًا لها مصداقيتها، مع ممثلين موهوبين- صف أول أو ثان – قادرين على صياغة الشخصية، وإنجاز المطلوب بفعالية، سواء على مستوى الدراما أو الكوميديا، تحت إدارة مخرجين لم يكن متاحًا لهم كاميرات الديجتال وتكنولوجيا الحاضر، لكن نجحوا رغم ذلك في تنفيذ مشاهد أكشن مقبولة.

مشهد من “شمس الزناتي”.

الأهم من كونها مشاهد أكشن مقبولة “ولو بمعايير زمنها فقط” أنها جزء حقيقي وضروري من عناصر الحدوتة والأحداث. كل معركة في هذه الأفلام تبدأ وتنتهي لتدفع الدراما في اتجاه ما، أو تضيف جديدًا للعلاقة بين الشخصيات.

الموجة السينمائية المصرية المعاصرة للأكشن تبدو النقيض التام. هذا جيل مشغول بتوظيف الدرونات، والاستعانة بخبراء الحركة، والتقطيع البطيء للمشهد، لنتأمل جيدًا البطل وهو معلق في الهواء خلال قفزة أو ضربة، لكنه غير مشغول للدرجة بتحضير حدوتة جيدة وشخصيات ثرية أولًا، أو اختيار ممثلين مناسبين فعلًا لطبيعة هذه الشخصيات ثانيًا، أو توجيه هؤلاء الممثلين لأداء مقنع أثناء التصوير ثالثًا.

بصياغة أخرى: نحن نعود للخلف على عكس ما يعتقد البعض.

سمير سيف.. 7 دروس في تصميم المشهد السينمائي | أمجد جمال

أما إذا تحدثنا عن الفارق بين النجوم من حيث الموهبة، فربما لا يوجد مثال أفضل من تأمل الفرق بين عادل إمام وابنه محمد إمام بطل لص بغداد. الأول امتلك الحضور السينمائي وخفة الظل منذ بداياته ككومبارس، وأضاف لهما لاحقًا الذكاء الفني الذي ضمن له النجومية حتى اليوم. والثاني لا يزال يحاول إقناع نفسه وإقناعنا أنه يملك شيئًا ما مما سبق.

ربما بمزيد من الوقت والتجارب، سيملك رصيدًا من الذكاء الفني يكفل له اختيارات أفضل مستقبلًا فعلًا، لكن خفة الظل ليست ضمن الصفات التي تمتلكها بالمران، والأفضل له ولنا ألا يراهن على عكس ذلك.

باختصار:

بذخ إنتاجي واضح واضح في فيلم لص بغداد ومشاهد أكشن متقنة إلى حد كبير بمعايير السينما المصرية تستحق الاشادة، يتخللهما شخصيات مملة وكوميديا وإيفيهات في مستوى طلبة ثالثة ابتدائي على أفضل تقدير، في مباراة متواصلة مدتها ساعتان إلا ربع في ثقل الظل، يصعب تحديد النجم الفائز بها.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك