Sorry To Bother You.. الفيلم السياسي كما يجب أن يكون

Sorry To Bother You.. الفيلم السياسي كما يجب أن يكون

3 Nov 2018

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

نجاح فيلم Get Out العام الماضي شجع السينمائيين من أصحاب البشرة السوداء على خوض تجارب مشابهة، يكون فيها إحساس الاضطهاد على أساس اللون نقطة دفع رئيسية للأحداث. ليس بالاعتماد على البكائيات والميلودراما، بل في إطار ترفيهي، وأحيانًا وفق جونرات عادية، كالرعب والأكشن والكوميديا، وحتى سلاسل الأبطال الخارقين.

الصدام مع Blackkklansman

منتجو Get Out أنفسهم صنعوا Blackkklansman للمخرج “سبايك لي” هذا العام، وهو فيلم كوميدي عن قصة حقيقية بطلها مُحقق شرطة أسود يبتكر خطة لاختراق جماعة يمينية متطرفة معادية للسود Klu Klux Klan. فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم الكبرى من مهرجان كان، ونال قسطًا من الثناء النقدي، لكنه أحدث انقسامًا في الوسط السينمائي الأسود.

اتهم البعض مخرج الفيلم بتزييف القصة الحقيقية لتجميل الشرطة وإظهارها كمنقذ للسود، عكس الحقيقة في نظرهم، بينما تعلو أصوات حملة “حياة السود مهمة Black Lives Matter”، المضادة للشرطة بالأساس.

أحد المهاجمين لفيلم لي كان فنان الراب والناشط السياسي الأسود “بوتس رايلي”، الذي يقدم أول أعماله السينمائية كمخرج ومؤلف لفيلم Sorry To Bother You.

رايلي خرج عن آداب المنافسة بنشر تغريدة تحتوي على مقال طويل يهاجم فيه أكثر الأفلام المنافسة لفيلمه هذا العام، ملأه بمزايدات واتهامات لنظيره سبايك لي، قال ضمنها إن الأخير تقاضى أموالًا بهدف صنع ما سمّاه “البروباجاندا الشرطية” في Blackkklansman.

FIRST MAN.. إنجاز شكلي وتعثر درامي

كسر التوقعات

ومن لهجته العنيفة، قد نتوقع أن رايلي في Sorry To Bother You سيكون أكثر حدة وتطرفًا في تناول اضطهاد السود، لكن على العكس، فالفيلم استخدم الصراع اللوني بجرع قليلة وخطاب مهادن، بل وكساه بطبقة فكرية أخرى تحيل الظلم العرقي إلى مجرد عَرَض لمرض آخر، وهو الرأسمالية في نظره؛ فالظلم في فيلمه يقع على جميع الأعراق، والمتهم من يملكون الثروة والشركات الكبرى، ويُخضِعون الطبقة العاملة لسيطرتهم.

الفيلم يقدم من الفنيات ما سيستهوي حتى المختلفين معه أيديولوجيًا، بتوليفة مميزة من السريالية والغموض والكوميديا والخيال العلمي، جعلته واحدًا من الأفلام واجبة المشاهدة هذا العام.

أحداث الفيلم

تدور أحداث Sorry To Bother You في عالم بتفاصيل أكثر حداثة قليلًا عن عالمنا المعاصر. والبطل هو “كاشس جرين”، شاب أمريكي من أصول أفريقية يعيش مع حبيبته “ديترويت”، الرسامة والناشطة، داخل جراج صغير. لا يستطيع تسديد إيجاره الشهري، فحتى وظيفة التسويق عبر الهاتف، التي حظى بها بعد عناء، لا يخرج العاملون منها إلا بالفتات.

كاشس بحاجة لدخل شهري أكبر يضمن له حدًا أدنى من الأمن الاقتصادي والاجتماعي، فالخوف من أن تتركه حبيبته لفقره يسيطر على كيانه.

ولادة نجمة A STAR IS BORN .. هوليوود تفتش في دفاتر عصرها الذهبي

روعة البداية

المستوى المتميز لـ Sorry To Bother You يظهر من مشهده الأول.. مقابلة توظيف في شركة للتسويق عبر الهاتف يحلم البطل بنيل وظيفة بها.

كثير من الكُتاب ومعلمي كتابة السيناريو ينصحون تلاميذهم باختيار أكثر السياقات تعريفًا بالبطل لتكون المشهد الافتتاحي، ومشاهد الانترفيو واحدة من أشهر تلك السياقات؛ فهي تسريب سهل للمعلومات، لكنها مع الوقت تحولت لكليشيه.

رايلي يحاول استخدام نفس الأداة مع تجنب الكليشيه؛ فيكتب مشهدًا لإنترفيو يزيّف حقيقة البطل، ويقدم تاريخًا مهنيًا يدّعي فيه إدارته لأحد المتاجر، وعمله كموظف في بنك مرموق، وتتويجه موظفًا مثاليًا في أحد الأعوام. بطريقة ما ينفضح أمره أمام المحاور، لكنه يحظى بالوظيفة! يقولها المحاور “لا نريد هنا مكتشف للجينوم، يكفي أنك تستطيع القراءة، هذه مجرد شركة للتسويق عبر الهواتف، كل ما عليك هو الالتزام بالنصوص المكتوبة أثناء إدارة المكالمات”.

عدة أسباب تجعل هذا المشهد من أبرع المشاهد الافتتاحية بأفلام هذا العام، فهو يستخدم أداة حكي لتسريب معلومات عن شخصياته، لكنه يكسر الكليشيه بتسريب المعلومات في صورتها المناقضة للحقيقة، فنعلم أن البطل مجرد صعلوك بشكل ضمني دون أن يظهر ذلك مباشرة. كما أنه ليس من الشائع رؤية أشخاص يتقدمون للوظائف بسيرة مهنية مزيفة بهذا الشكل الفج، وهي مفارقة مبتكرة. وبرغم علم المحاور بكذب البطل، إلا أنه يمنحه الوظيفة! وهي مفارقة ثانية تزيد الإثارة. بالإضافة لكونه تمهيدًا مثاليًا للعالم الذي تدور فيه الأحداث.

الصوت الأبيض.. نقطة التحول

في طابق أعلى من الشركة، هناك مكان للموظفين العباقرة، لهم مصعدهم الخاص، ويتقاضون أجورًا كبيرة، ولكي يصبح كاشس أحدهم، عليه تحقيق إنجاز كبير بعمله الأساسي: إقناع المستهلكين بشراء سلع لا يحتاجونها. والسؤال: إذا كانت النصوص التي يقرأ منها الموظفون واحدة، والفروقات الفردية طفيفة، فأين سيكمن عامل التفوق؟ هنا ينصحه رفيقه بالتخلي عن صوت الزنوج واستخدام “الصوت الأبيض”. لم يفهم كاشس ما هو الصوت الأبيض، فأخذ يقلد أصواتًا مُتصَوَرة ذهنيًا عن البيض، لكن صديقه يسترسل في الشرح: “الصوت الأبيض يعني أن تبدو غير عابه، وكأنك سددت كل فواتيرك، متفائل بمستقبلك، مستعد للقفز في سيارتك الفيراري، تتنفس بارتياحية كما لو أنك لا تحتاج المال”.

الأبيض هنا حالة اقتصادية وليس لونًا أو عرقًا. وبالفعل، ينفذ كاشس نصيحة الرفيق، فيصبح صوته مقنعًا للعملاء، ويعقد مزيدًا من الصفقات، ويتفوق على زملاءه، ويترقى وظيفيًا، فيذهب لطابق العباقرة، ويزيد راتبه زيادة جنونية، وينتقل مع حبيبته من الجراج القذر لشقة فارهة بحي راقٍ.

ألاعيب الدراما

يكسب كاشس كل شيء ويخسر نفسه، الذي مثله الفيلم بالصوت. وفي بعض المشاهد، يصبح البطل عاجزًا عن العودة لصوته الأساسي والتخلي عن النبرة البيضاء المصطنعة.

ما سبق جزء من البناء الدرامي، لكن الأمور تستمر في التطور وصدم المتفرج بالمزيد من الألاعيب الدرامية والمفاجآت والتحولات، وطرح الأسئلة الأخلاقية والفلسفية، حتى تكتمل تفاصيل اللوحة التي رسمها رايلي، وكان أجمل ما بها التوازن الرائع بين المباشرة والاستعارة، والبدء بمشكلة خاصة من نقطة محدودة، ثم البراعة في توسيع دائرة المعنيين لأقصى قدر ممكن، دون التخلي لحظة عن أدوات السينما الخالصة أو ذكاء الحكي.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك