The Irishman.. كيف صنع سكورسيزي حفل تأبين “الرفاق الطيبون”؟ | ريفيو | حاتم منصور

The Irishman.. كيف صنع سكورسيزي حفل تأبين “الرفاق الطيبون”؟ | ريفيو | حاتم منصور

1 Dec 2019
حاتم منصور
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

رغم التاريخ المتنوع للمخرج مارتن سكورسيزي، تظل أفلامه عن عالم العصابات والمافيا أشهر أيقوناته جماهيريًا، والطريف أنه قدم بانتظام علامة من هذه النوعية على مدار 4 عقود سابقة. في أحدث أعماله الأيرلندي The Irishman يلحق سكورسيزي بقطار العقد الحالي، ويضيف الأيقونة رقم (5) بفيلم لا يمثل فقط امتدادًا لهذا المشوار، بل يُعتبر – بقدر ما – حفل تأبين لهذا العالم وشخصياته، ومحطة جديدة للفكرة التي مثلت دومًا محور اهتمام سكورسيزي في أفلام أخرى كمسيحي مخلص (التطهر والخلاص).

أشهر أفلام عالم العصابات لسكورسيزي

أحداثنا عن فرانك شيران (روبرت دي نيرو)، الأمريكي البسيط ذو الأصول الأيرلندية العائد من الحرب العالمية الثانية، الذي يعمل كسائق شاحنات، ثم يترقى تدريجيًا في عالم العصابات والجريمة المنظمة، حتى يصبح الحارس الخاص لجيمي هوفا (آل باتشينو)، رجل نقابات سائقي الشاحنات الذي عاش حياته كنجم في المجتمع الأمريكي، واشتهر بفضل علاقاته المريبة بعالم العصابات، وانتهى بشكل حافظ على هذه الشهرة أكثر وأكثر.

Once Upon a Time in Hollywood.. مرافعة تارنتينو للدفاع عن نفسه وعن هوليوود وعن العنف السينمائي | حاتم منصور

السيناريو الذي كتبه ستيف زيليان اقتباسًا من كتاب سمعت أنك تدهن المنازل I Heard You Paint Houses عن ذكريات فرانك شيران، لا يقصر الرحلة هنا على هذه الشخصيات، لكنه يبلور أحداثه لتقدم توثيقًا عن الكثير والكثير في أمريكا اجتماعيًا وسياسيًا، منذ الخمسينيات ولنصف قرن بعدها. تمامًا مثلما كان التعاون الأول لزيليان وسكورسيزي في عصابات نيويورك Gangs of New York مرتبطًا بزمن أسبق.

إعلان The Irishman

مهارات وخبرات سكورسيزي الإخراجية تظهر في كل لقطة هنا تقريبًا، وهي النقطة التي تجعل هذا الفيلم الطويل جدًا – تمتد أحداثه لمدة 3 ساعات ونصف – يمر سريعًا جدًا ودون ملل. لكن من منظور سردي بحت، يصعب إنكار بطء الأحداث خصوصًا في الساعة الأولى.

حدث ذات مرة في عقل التارنتينو.. لكن لم يحدث على الشاشات | حاتم منصور

البطولة لروبرت دي نيرو، لكن بقدر ما، يسرق آل باتشينو وجو بيتشي الأضواء منه. باتشينو لا يماثل شكلًا هوفا للدرجة، ويبتعد عن منطقة التقمص ليقدم أداءً انطباعيًا، لكن حضوره السينمائي، والجمل الحوارية القوية التي صاغها السيناريست على لسان الشخصية، منحا لباتشينو الملعب الذي يجيد اللعب فيه دومًا، سواء في المشاهد التي ينفعل فيها هوفا لأقصى درجة (وهي كثيرة هنا)، أو المشاهد التي يجاهد فيها للسيطرة على أعصابه.

الدور هو أفضل أداء له منذ فيلم Insomnia عام 2002، ويسهل تفهم ضرورة اختيار نجم فيه، إذا وضعنا في الاعتبار وزن هوفا من حيث الشهرة. قد تجدر الإشارة إلى أن هوليوود استعانت سابقًا عام 1992 في فيلم Hoffa بـ جاك نيكلسون للدور، وهو من هو في عالم النجومية.

هل تريد معرفة شكل الشخصيات الحقيقية؟

الممثلين – الشخصيات الحقيقية

بينما يعود باتشينو لملعبه المفضل، يفاجئنا جو بيتشي باللعب في مركز مختلف، وبدور يخالف كل ما اعتدناه منه. لا وجود هنا للشخصية العصبية سليطة اللسان التي اشتهر بتقديمها في أغلب أدواره، ونال عنها الأوسكار في الرفاق الطيبون Goodfellas. الدور هو النقيض 180 درجة، لكنه يبدع فيه ويثبت أنه فاتنا الكثير والكثير من مساحات تميزه، وأن سكورسيزي وحده هو القادر على إعادة اكتشافه بانتظام.

رغم مجهودات باتشينو وبيتشي التي قد تنتهي بترشيح أوسكار لكليهما، يستعيد دي نيرو الفيلم لنفسه في الثلث الأخير ويلحق بهما، ليقدم ما يمكن تصنيفه كأفضل أداء له منذ 20 سنة.

هذه نقطة تدفعنا للتساؤل: هل السبب أنه في هذا الثلث فقط يقدم الشخصية في نطاق قريب لعمره الحقيقي الحالي (76 سنة)؟ أم ببساطة وجود فرص تمثيلية أقوى ومساحة تعبير أوسع للشخصية؟

يصعب حسم الإجابة وقد تكون (أ – ب) معًا، لكن يمكن القول أن تقنية الديجيتال للتلاعب بعمر وأشكال الممثلين أو الـ De-aging لم تكن عائقًا أو مصدر تشتيت هنا، رغم بعض الثغرات والهفوات البصرية التي يمكن اصطيادها. وأن المتفرج يمكنه سريعًا أن يتجاوزها ويندمج في الفيلم والأحداث، وهو شيء لم يحدث مثلًا في فيلم Gemini Man الذي حاول تقديم ويل سميث في سن أصغر بتقنيات مقاربة.

رهانات سكورسيزي ودي نيرو القادمةالصورة هنا تجمع 4 لقطات مختلفة للنجم روبرت دي نيرو (76 سنة) من فيلم المخرج مارتن…

Posted by ‎دقائق‎ on Tuesday, October 1, 2019

بصياغة أخرى، رهانات سكورسيزي نجحت، وفتحت الباب لمحاولات أخرى، وأمام هذه التقنية مستقبل واعد غالبًا، عندما تتراكم الخبرات وتحل هوليوود كل ثغراتها واشكالياتها الحالية.

Gemini Man.. اثنان ويل سميث بسعر واحد في صفقة خاسرة | حاتم منصور

على ذكر الزمن وعمر نجوم الفيلم، يمنحنا الأيرلندي – The Irishman أخيرًا ما طال انتظاره (مشاهد مشتركة تعكس كيمياء بين باتشينو ودي نيرو). استمتعنا سابقًا بذلك بشكل خاطف في تحفة المخرج مايكل مان Heat لكننا هنا نفوز أخيرًا بالوجبة الدسمة التي طال انتظارها، وهو شيء لم يحدث في مأساة جمعت النجمين سابقًا بعنوان Righteous Kill عام 2008 وأميل شخصيا لنسيانها.

الأيرلندي – The Irishman سيصبح بالتأكيد ضمن كبار هذا العام من حيث عدد ترشيحات الأوسكار، وسينضم غالبًا لسكورسيزي ونجوم الفيلم، أسماء أخرى، على رأسها مدير التصوير وطاقم الديكورات وإدارة الانتاج الذي أعاد بناء تفاصيل تتناسب مع زمن الأحداث.

10 أفلام مُنتظرة العام القادم في سباق أوسكار 2020| حاتم منصور

رغم هذا لا يرقى الأيرلندي – The Irishman إجمالًا لانتزاع مكانة الرفاق الطيبون Goodfellas كفيلم العصابات الأفضل في مسيرة سكورسيزي، وينقصه بالتأكيد عنصر المرح والعبث الذي جعل الرفاق الطيبون عملًا يعشق ملايين تكرار مشاهدته، ومنهم كاتب هذه السطور.

ينقص الأيرلندي The Irishman أيضًا الطابع الحاد والسريع وغير المتوقع، الذي تميزت به أحداث The Departed.

مساحة تميز الفيلم الحقيقية عن قائمة سكورسيزي السابقة، هي بالتأكيد ثلثه الأخير، عندما يصل بطله إلى خريف عمره، ويبدأ التساؤلات والحسابات عما فعله، ونبدأ معه في أسئلة مماثلة ستلاحقنا غالبًا إذا وصلنا إلى هذا السن.

بصياغة أخرى، هذا أكثر أفلام سكورسيزي جدية وصرامة عن عالم العصابات ورجالها، وحفل التأبين المرعب الذي نتوقف فيه عن الضحك مع الرفاق الطيبون، لنتساءل معهم عما تبقى لنا، وعن حصاد الرحلة.

Ford v Ferrari.. كريستان بيل ومات ديمون يتسابقان إلى الأوسكار | ريفيو | حاتم منصور

مع تتر النهاية وبعيدًا عن الأفكار الشخصية، شيء واحد فقط يخص السينما راودني وأتمنى أن يتبقى لنا، وهو أن نشاهد سكورسيزي البالغ من العمر حاليًا 77 سنة، وهو يعود لزيارة هذا العالم في العقد القادم بفيلم آخر وعلامة أخرى!

في النهاية، لا يزال هناك بالتأكيد قصص عصابات تستحق أن يحكيها، ولا يزال هو أفضل من يحكيها.

باختصار:

رغم بعض العيوب وعلى رأسها بطء الأحداث خصوصًا في أول ساعة، يملك The Irishman – الأيرلندي ما يشفع له، بفضل ثلاثي تمثيلي في أرقى تجلياته، ومهارات مخرج ضمن الأبرع في جيله، وساعة أخيرة مؤثرة تضمن للفيلم مساحة اختلاف عن باقي رفاقه الطيبين في تاريخ سكورسيزي. هذه تركيبة تجعله ضمن أهم أفلام العام، وربما ستكفي لتتويجه بأوسكار أفضل فيلم أيضًا، وبكتابة تاريخ جديد لـ “نتفليكس” التي أنتجته.


مرشح لـ 10 جوائز أوسكار 2020 (فيلم – اخراج – ممثل مساعد/جو بيتشي – ممثل مساعد/آل باتشينو – مونتاج – ملابس – تصوير – مؤثرات بصرية – سيناريو مقتبس – تصميم انتاج).


ريفيوهات أهم الأفلام المُنافسة الأخرى على أوسكار أفضل فيلم 2020:

لماذا أصبح 1917 التجربة السينمائية الأهم في موسم أوسكار 2020؟ | ريفيو | حاتم منصور

Marriage Story.. لماذا نحتاج قصص حب عن الطلاق؟! | ريفيو | حاتم منصور

Ford v Ferrari.. كريستان بيل ومات ديمون يتسابقان إلى الأوسكار | ريفيو | حاتم منصور

الجوكر.. كيف دافع الشيطان عن نفسه؟ | أمجد جمال

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك