باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
يتهم بعض المعاصرين من منكري السنة والمستشرقين، أبا هريرة، بوضع أحاديث نجاسة الكلب لأنه كان يفضل القطط ويكره الكلاب، حيث اشتهر بحمله قطة صغيرة، وهذا سبب تسميته بأبي هريرة.
الحديث الأساسي في أحاديث نجاسة الكلب الذي اتهم أبو هريرة بوضعه هو ما رواه عنه البخاري: “إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا”. وفي رواية مسلم: “طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب”.
لكن دليل براءة أبو هريرة من وضع الحديث ربما يظهر في وروده كذلك عن الصحابي عبد الله بن مغفل، وهو صحابي سابق على أبي هريرة في الإسلام، إذ أسلم في حدود سنة 5 هجرية مع قبيلته مزينة، وله قصة في بيعة الشجرة. وفي زمن عمر بن الخطاب، هاجر للبصرة، وعاش بها إلى أن مات في حدود 60 هجرية
والغريب أن أحاديث عبد الله بن مغفل عن الرسول قليلة، جمعها الإمام أحمد في مسنده بنحو 25 حديثًا، منها 5 أحاديث في نجاسة الكلب.
الأول: “وإذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرار والثامنة عفروه بالتراب”
الثاني: “لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها الأسود البهيم”
الثالث: “يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار”
الرابع: “أيما قوم اتخذوا كلبًا ليس بكلب حرث أو صيد أو ماشية نقصوا من أجورهم كل يوم قيراطًا”.
الخامس: “أمر رسول الله بقتل الكلاب، ثم قال: ما لكم وللكلاب، ثم رخص في كلب الصيد، والغنم”.
وهذه الاحاديث مروية أيضًا عن أبي هريرة.. باستثناء حديث “أمة من الأمم”
وهذا ما يجعله أولى بالاتهام بمعاداة الكلاب من أبي هريرة.
ما يدعم أن أبا هريرة نقلها عن عبد الله بن مغفل وأسندها منه للرسول مباشرة، أن الرواية الكاملة لحديث ولوغ الكلب عن أبي هريرة وردت في خطبته لأهل العراق ونصها: “يا أهل العراق: تزعمون أني أكذب على رسول الله.. أشهد أني سمعت رسول الله يقول: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا”.
مما يشي بأنه سمع الحديث في العراق، حيث كان رائجًا من رواية عبد الله بن مغفل، فأقسم أنه سمعه من الرسول نفسه.
وما يشهد أيضًا برواج أحاديث نجاسة الكلب في العراق ابتداء أن السيدة عائشة استغربت لما سمعت من أحد العراقيين حديث يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار، فقالت: “قرنتموني يا أهل العراق بالكلب والحمار، إنه لا يقطع الصلاة شيء، ولكن ادرؤا ما استطعتم”
والحديث الذي ردت عليه السيدة عائشة وتشككت فيه مروى كذلك من طريق عبد الله بن مغفل.
أحاديث آخر الزمان | متى ظهرت أحاديث قتال الترك؟ ولم اختفت؟| هاني عمارة
شيوع أحاديث ذم الكلاب في العراق من رواية عبد الله بن مغفل ربما كانت السبب في التباين الشديد في مسألة نجاسة الكلاب بين أهل الحجاز وأهل العراق الذين يقولون بنجاسة الكلب شعره وريقه، وهو مذهب أبو حنيفة والشافعي وأحمد.
أما أهل الحجاز فيقولون بطهارة الكلب، وهو مذهب مالك.
وقد ذكر سحنون في مدونته عن مالك بهذا الخصوص أنه سئل مالك عن حديث ولوغ الكلب، فقال مالك: “قد جاء هذا الحديث ولا أدري ما حقيقته”
وهو بمثابة تشكيك من مالك في صحته.
روى ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس أن النبي رأى كأن كلبًا أبقع ولغ في دمه، فأوله بأن رجلًا يقتل الحسين ابن ابنته فاطمة. فكان الشمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين، وكان أبرص، فتأخرت الرؤيا خمسين سنة.
ومفارقة الحديث هنا في رمزيته كحلم، فجعل قتل الحسين كولوغ الكلب.
غير أن هناك مفارقة اخرى لم اجد من ينتبه لها قد تكون مفتاحًا لحل لغز أحاديث نجاسة الكلب ورمزيتها، وهو كون شمر قاتل الحسين من قبيلة بني كلاب.
فهل لهذه الأحاديث علاقة بالصراع بين الأمويين والهاشميين، خصوصًا أنها تأتي من طريق العراقيين، وخصوصًا أهل الكوفة معقل الثورات؟
بينها السرطان.. 5 أمراض يكتشف كلبك إصابتك بها من رائحة جواربك وأنفاسك | قوائم في دقائق
بنو كلب هم قبيلة عربية كبيرة، مسيحية، يمانية الأصل، هاجرت إلى الشمال، وكانت تربطهم علاقة نسب بالأمويين لجمال نسائها، فتزوج منهم عثمان بن عفان السيدة نائلة، وتزوج معاوية بن أبي سفيان السيدة ميسون، أم الخليفة يزيد، وتزوج العديد من الأمراء الأمويين منهم،
فكانوا الظهير العسكري لبني أمية، ويدهم الباطشة طول فترة حكمهم، وكان لهم نفوذ واسع في أرجاء الدولة لكثرة عددهم وانتشارهم وسيطرتهم على كل طرق الشمال.
وفي أواخر الحكم الأموي، وبسبب كراهية الناس للأمويين، زادت كراهيتهم لقبيلة كلب، خصوصًا في مناطق التذمر والنفوذ الهاشمي في العراق وفارس.
وإذا أعدنا قراءة حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب قراءة رمزية، سيكون معناه التطهر من الولاء للأمويين ويدهم الباطشة، وغسله بالتراب سيكون ربما بمعنى التطهر بالولاء بالعلويين وآل البيت. وقد كانت كنية علي بن أبي طالب: أبو تراب.
ألغاز تراثية (6) – كلب أصحاب الكهف.. هل كان أنوبيس عند المصريين القدماء؟ | هاني عمارة
الصلاة: الدين
الحمار: الخليفة الأموي مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية
الكلب: بنو كلب
المرأة: علاقة النسب من الأم بين بني أمية وبني كلب.
ومعنى الحديث أن بني أمية وأرحامهم من بني كلب عقبة في وجه الدين.
ولقبيلة كلب كذلك حضور لافت في أحاديث الملاحم ونهاية الزمان، حيث سيكونون نصراء السفياني وأخواله، حيث ينتصر المهدي الهاشمي على السفياني ويقتل كلبًا، ويدخل دمشق، ويغنم أموال كلب ويسبي نساءه.
وهذه النبوء كانت إغراءً وتحفيزًا للجيش الهاشمي لجمال نساء بني كلب وكثرة أموالهم، حيث جاء الحديث بالنص: “والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب”.
أما مروان الحمار فرمزوا له بحمار الدجال، وبحمار الجزيرة، وبالسفياني.