واجه البشر الشر منذ القدم، إما عبر الكوارث الطبيعية، من زلازل وفيضانات أو أوبئة وغيرها، أو كوارث من صنع الإنسان، مثل الحروب والقتل والسرقة والنهب والاغتصاب، وبالطبع الموت.
وعندما بنى القدماء أنظمتهم الدينية، كان لا بد من تفسير وجود الشر وتبريره.
غالبًا ما حددت أساطير الخلق في الديانات التعددية إلهًا أعلى أو ملكًا للآلهة. كان يتحكم في كل شيء بما في ذلك الآلهة الأخرى بالإضافة إلى الطبيعة، وبهذه الصفة، كان مسؤولًا عن الخير والشر.
حضارات بلاد ما بين النهرين كانت ترى أن الآلهة نفسها مسؤولة عن الشر، فهم متقلبون وفوضويون وخلقوا البشر ببساطة كعبيد لتقديم التضحيات لهم.
لكن الرواية اليهودية جاءت مغايرة؛ حيث يظهر إله إسرائيل معاكسًا لكل ذلك، ثابت المزاج غير متقلب، يدير الكون بخطة إلهية، ولم يخلق إلا حسنًا.
من هنا كانت الوظيفة السردية لقصة سقوط آدم وحواء لتوضيح أن الشر جاء من خطأ البشر وليس من خطأ الله، حيث جلبت خطيئتهما الشر لذريتهما؛ فعصيان أمر الإله دفع البشر إلى الكفاح من أجل القوت اليومي، وإلى معاناة المرأة آلام الولادة، وإلى العقوبة الأشد: فقدان الخلود،
وبصفتنا كبشر أحفاد آدم وحواء، فقد حُكم علينا جميعًا بنفس المصير.
وكما أي ملك، لديه بلاط ونبلاء ومستشارون ومسؤولون أدنى في الرتبة، تصور الأقدمون أن الإله تراتبية في درجات مسؤولية: مسؤولون أعلى في السماء هم الملائكة، ومسؤولون أقل، كانوا محايدين في التصورات البدائية القديمة، ثم نسب الشر إليهم مع مرور الوقت، فباتوا "الشياطين".
يعتبر سفر أيوب (600 قبل الميلاد) هو أقدم نص لمعالجة مشكلة الثيوديسيا أو نظرية العدالة الإلهية، التي نعرفها اليوم عبر سؤال: "إن كان الله عادلًا، فلماذا يسمح بوجود الشر؟"
يبدأ السفر مع الملائكة - من بينهم الملاك ساتان، وكيل الله المكلف بوضع عقبات أمام البشر ليصبح عليهم الاختيار بين الخير والشر - الذي يخبر الإله أن خادمه أيوب في أفضل حال فقط لأن الإله منحه الكثير من النعم. وهنا يأتي دور الاختبار.
يطلق الإله يد ساتان في تدمير كل خير ينعم به أيوب، على أن يبقيه حيًا. الدمار يشمل قتل أبناء أيوب وإتلاف محصوله وقطعانه، وإصابته بأمراض مروعة.
أصحاب أيوب يأتون لتعزيته، ويحاولون إقناعه أن الإله عادل، بما يعني أن كل تلك الشرور سببها ذنب أصابه أيوب. لكن أيوب يصر طول الوقت أنه لم يقترف أي خطأ، وأن الإله عاقبه ظلمًا.
يصاب أيوب بالإحباط، ويسأل الإله أن يفسر له سبب ما أصابه. فيسمع صوت الإله: "أين كنت حين أسست الأرض؟" أو بعبارة أخرى: "كيف تجرؤ على أن تسألني؟".
فيتواضع أيوب ويقر بقوة الله المطلقة.
بخلاف سفر أيوب، نادرًا ما يظهر ساتان في كتب اليهود المقدسة. وفي الإشارات القليلة إليه، فهو يعارض البشر لا الإله، حتى في قصة الخروج من جنة عدن، فإن الحية التي تمثل ساتان لم تكن إلا خيار الله لاختبار آدم وحواء.
بعدما احتلت الإمبراطورية البابلية الجديدة (587 قبل الميلاد) القدس ودمرتها ، أسرت بعض اليهود ونقلتهم إلى بابل.
ثم غزا كورش الكبير البابليين عام 550 قبل الميلاد، وأسس الإمبراطورية الفارسية.
كانت الديانة الرسمية في بلاد فارس هي الزرادشتية ، التي أسسها زرادشت "النبي في بعض الروايات. كانت الحياة "بما فيها من بشر وسماء وأرض" محصورين بين قطبين على النقيض من بعضهما: الخير، ويمثله أهورا مازدا (اللورد الحكيم)، الطاهر الطيب، مصدر كل شيء صالح، وأنجرا ماينيو (الخاطئ أو المخادع) المعروف أيضًا باسم أهريمان.
سمح كورش لليهود بالعودة إلى القدس (539 قبل الميلاد)، فأخذوا معهم العديد من عناصر الديانة الفارسية القديمة، ودمجوا التجسيد الجديد الذي تعلموه للفوضى مع التصور الأقدم لساتان، ليظهر الشيطان/ الذي عرف باليونانية ديابولوس، ثم إبليس، وبدأ اليهود يختصون الشيطان بكل شرور الدنيا بدلًا من الإله.
في كتابات طائفة الأسينيين اليهودية الذين استقروا في قمران (حوالي 150 قبل الميلاد) والتي عرفت باسم مخطوطات البحر الميت، لدينا أدلة على ابتكار تجسيد الشر.
الأدبيات اليهودية حينها وسعت مفهوم الشيطان، لم يعد فقط مختصًا بوصف الشر، بل أي شخص أو أي مجموعة لا تتفق مع آرائهم، بما في ذلك اليهود المخالفين.
حسب نصوصهم، خلق الله روحين في البشر: طريق النور وطريق الظلمة. وأرسل الشياطين ليمتلكوا الظلمة لارتكاب الشر. استخدم الإسينيون أسماء رمزية على الشيطان وأعوانه: مثل Belial (بالعبرية تعني "عديم القيمة") الذي سيقود "أبناء الظلام" ضد أبناء النور في المعركة النهائية.
في نص آخر، عرف الشيطان باسم Mastema (المكروه أو المنبوذ)، وتم توضيح أن ماستيما أراد أن يكون أعلى من الله ويتمرد، فتم إلقاؤه ورفاقه من الملائكة في الهاوية، فأصبح الشيطان الملاك الساقط.
أراد الله تدمير كل الشياطين بعد الطوفان، لكن ماستيما طلب من الله السماح لعشر منهم على مواصلة مسيرتهم لأن شر بني آدم عظيم، فبإذن الله، أصبح ماستيما يغوي البشر، وكان ماستيما هو من سُمح له باختبار إبراهيم بذبح ولده، بعبارة أخرى، تظل قدرة الله الكلية كما هي ولا يستطيع الشيطان أن يقوم بعمله بدون إذن الله.
في رسائل بولس والأناجيل، نرى أن الشيطان هو حاكم هذا العالم، حيث تم التعبير عن هذا في رسالة كتبها أحد تلاميذ بولس:
"الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. 12 فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ، عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ".
وكان بولس يرى أن المؤمنين يعيشون في حماية المسيح من تأثير شياطين الشيطان في الكون.
الشيطان نفسه ظهر للمسيح، وحاول تقديم ثلاثة إغراءات، لكنه رد عليه بإجابات الكتاب المقدس، وأبعده.
وصف مرقس والآخرون خصوم يسوع على أنهم تحت تأثير الشيطان. في أناجيل لوقا ويوحنا، "دخل الشيطان في يهوذا" ليخون يسوع، وبلغ اللوم عن صلب يسوع ذروته في إنجيل يوحنا، حيث قال أن اليهود لا يستطيعون أبدًا تحقيق الخلاص لأنهم أبناء "والدهم الحقيقي الشيطان".
في سفر الرؤيا، يقدم يوحنا رؤية نهاية العالم عندما يتدخل الله في الشؤون البشرية في الأيام الأخيرة ويعاقب روما على اضطهادها للمسيحيين، وقد تضمن السفر التوضيح بأن الشيطان كان مقيدًا بالسلاسل في حفر الجحيم لكنه اعتمد على أعوانه في عمله.
يُشار إلى الوكيل الرئيسي باسم "الوحش" و"المخادع"؛ مصطلح "ضد المسيح" ليس في سفر الرؤيا، ولكن في رسائل يوحنا الثلاث. سيظهر المخادع (الدجال) وسيعرف أتباعه بعلامة "666" التي يحملونها.
في معظم سفر الرؤيا، يظل الشيطان مقيدًا بالسلاسل في الحفرة، لكن في نهاية حكم المسيح على الأرض لمدة 1000 عام، يتم تحرير الشيطان للمعركة الأخيرة، وتكمن المفارقة في تجسيد صورة المسيح كحمل يهزم هذا الوحش، ويُلقي به في "بحيرة النار" (البحر الميت).
في إحدى رؤى يوحنا، أشار إلى إشعياء 14، وهو جدال ضد ملك بابل. لقد انتقد إشعياء الملك الذي أطلق على نفسه لقب "نجمة النهار" بسبب غطرسته في التفكير بأنه إله: "كيف سقطت من السماء، نجم الصباح، ابن الفجر!" عندما ترجم جيروم الكتب المقدسة العبرية إلى اللاتينية في القرن الرابع الميلادي، كان يعلم أن الرومان أطلقوا على نجمهم الصباحي - كوكب الزهرة - لوسيفر ، وترجموا المقطع على هذا النحو، فأصبح لوسيفر هو الاسم الأكثر شهرة في العصور الوسطى.
تبنى القادة المسيحيون في القرن الثاني الميلادي طريقة تجسيد الشر ضد اليهود والنساء والزنادقة وكل الأشياء الوثنية.
أول صور أيقونية للشيطان جاءت من إله الخصوبة اليوناني الروماني، بان، الذي كان نصف رجل ونصف ماعز، وهكذا حصل الشيطان على حوافره وقرونه، وتم تمثيل بان واشتهر بقضيب ضخم منتصب، فأصبح هذا الرسم شائعًا في وصف الشيطان.
وفي القرن الثاني الميلادي أيضًا، طبق كل من المسيحيين واليهود - الحاخامات الأوائل - مفاهيم جديدة لقصة السقوط. هذا عندما تم التعرف على اعتبار الحية أنها الشيطان المتخفي، واكتسبت حواء أهمية أكبر باعتبارها الخاطئ الأساسي في عدن، خصوصًا مع وجهات النظر الكارهة للنساء، فكان من المفهوم أن حواء قد أغوتها الحية بسبب ذلك القضيب الضخم، ثم أغوت آدم.
في الأطروحة الربانية في سفر التكوين، نتيجة لعار حواء الجنسي فرض الحجاب على المرأة، وأصبح الحيض عقابًا على سفك دم آدم. ادعى ترتليان، أب الكنيسة في القرن الثاني الميلادي، أنه بسبب حواء أصبحت جميع النساء "بوابة الشيطان" وبسبب حواء "حتى ابن الله كان يجب أن يموت".
بخصائص حيوانية، كان لدى لوسيفر وشياطينه القدرة على تغيير الشكل، ولذا كانت المراقبة المستمرة ضرورية، ولذلك علمت الكنيسة الناس كيف يمكن أن يخدعوا لوسيفر ويصدوه بعلامات الصليب، والمياه المقدسة، والمسبحة.
وبناءً على العلاقات الإقطاعية، نشأت العديد من الأساطير بناء على قصة فاوست الشهيرة، حيث نشأ مفهوم الاتفاق في بيع روحك إلى لوسيفر مقابل الرخاء، ولا يمكن لأي شخص أن يبطل هذا الاتفاق سوى تدخل مريم، والدة المسيح، ومن أجل ذلك تم تطوير طقوس طرد الأرواح الشريرة التي لا تزال تُدرس لبعض القساوسة الكاثوليك.