فيلق القدس (جناح التوسع الإقليمي للحرس الثوري الشيعي في إيران)، وجماعة الإخوان (التنظيم السني الملتزم بإعادة حكم العثمانيين)، رأسا الحربة في مشروع الإسلام السياسي الساعي للسيطرة على المنطقة، بشقيه السني والشيعي.
إدارة ترامب صنفت الحرس الثوري منظمة إرهابية أجنبية في أبريل، وسط تقارير عن ضغط البيت الأبيض لإضافة الإخوان إلى القائمة.
وسط هذا الصراع، كان الطرفان يخططان لصفقة من نوع ما لإعادة ترتيب أوراق المنطقة.. صفقة رصدت ملامح لحظاتها الأولى وثائق سرية مسربة من أروقة المخابرات الإيرانية نشرتها The Intercept.. نلخصها ونعيد ترتيب خيوطها عبر:
س/ج في دقائق
كيف بدأت الاتصالات؟ ولماذا أعيد إحياؤها في 2014؟
جمعت اتصالات رسمية مسؤولين مصريين وإيرانيين عندما كان الإخواني محمد مرسي رئيسًا لمصر لعام واحد ما بين شهري يوليو 2012 و2013، لكن الإخوان طردوا من السلطة، فهرب من استطاع من قادتهم خارج البلاد، وعاد البقية إلى السجون.
ما تكشف عنه الوثائق السرية المسربة من تقارير المخابرات الإيرانية أن الإخوان والحرس الثوري عقدوا اجتماعًا سريًا بعد تلك الأحداث، تحديدًا في تركيا، في أبريل، 2014، بينما كانت الحروب الطائفية على أشدها في عدة دول في منطقة الشرق الأوسط، برعاية الطرفين!
الوثائق تكشف أن الاجتماع استهداف الحفاظ على خط اتصال بين الطرفين، وتحديد ما إذا كان لا يزال بإمكانهم العمل معًا بعد الإطاحة بمرسي.
لماذا اجتمع “الأعداء” في تركيا؟
على السطح، يبدو فيلق القدس وجماعة الإخوان أعداءً يقف كل منهما على طرف النقيض. مع ذلك، انعقاد القمة في توقيت حرج (أبريل 2014) لطرفيها قد يحمل تفسيرًا لانعقاد الاجتماع.
حينها، كان داعش يمزق المناطق السنية في شمال العراق، كما يهدد استقرار الحكومة التي يهمين عليها الشيعة في بغداد، بعدما تلاشى الجيش في مواجهة التكتيكات الوحشية للتنظيم. وكان الإخوان قد أزيحوا عن حكم مصر. فالتقى الغرضان.
فيلق القدس استغل قوته السرية لمساعدة إيران على توسيع نفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ودعم الميليشيات الشيعية التي ارتكبت فظائع ضد السنة في العراق، وتثبيت نظام بشار الأسد في السلطة في خضم الحرب الأهلية السورية.
على النقيض، الإخوان لاعب رئيسي في الجانب السني المناقض لعقود من الزمن، حيث جلبت مقاربة إسلامية أصولية لمعركة طويلة ضد الحكومات في مصر ودول أخرى، ومنها انشقت جماعات إرهابية أخرى بطول الطريق.
دفاعًا عن حكومة “الدمية الإيرانية” نوري المالكي، اندفع فيلق القدس لترتيب صفوف الميليشيات الشيعية لخوض معركة ضد داعش.
في الوقت نفسه، كان حلم الربيع العربي يتحول إلى كابوس للإخوان. الحرب مستعرة في سوريا، وحكومة مرسي لم تبق في السلطة لأكثر من عام، ليصل الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي ويشن حملة ضد الجماعة.
خسائر الإخوان في مصر وضعتها في نقطة ضعف نظرت معها إلى إمكانية التحالف مع إيران كفرصة لاستعادة بعض مكانتها الإقليمية.
لماذا تركيا؟ وكيف تسرب الاجتماع السري إلى طرف ثالث؟
اختيار تركيا لعقد القمة لم يكن عشوائيًا؛ هي مكان آمن. واحدة من الدول القليلة جدًا التي تربطها علاقات طيبة مع إيران وتتبنى جماعة الإخوان.
وزارة الاستخبارات الإيرانية لم تكن مرتاحة لتزايد أنشطة الحرس الثوري وتوسع نفوذه داخل جهاز الأمن القومي الإيراني، وتصاعد دوره الإقليمي. لهذا السبب، وبسبب التنافس داخل السلطة، زرعت جواسيس داخل الحرس الثوري لتتبع أنشطته حول العالم.
ما تكشفه الوثائق المسربة أن أحد جواسيس وزارة الاستخبارات السريين داخل الحرس الثوري كان حاضرًا للاجتماع مع الإخوان، ثم نقل تفاصيل ما جرى إلى قيادته في الاستخبارات. الوثيقة التي حملت تلك التفاصيل هي نفسها التي وصلت إلى The Intercept
لكن حضور قاسم سليماني للاجتماع لم يكن ممكنًا. هو وجه معروف، وظهوره في تركيا سيفتح باب الأسئلة وقد يرفع السرية عن القمة. تركيا رفضت منحه تأشيرة دخول، فناب عنه وفد من كبار مسؤولي فيلق القدس بقيادة أحد نوابه، الذي عرفته البرقية باسم “أبو حسين”.
بالمقابل، مثل الإخوان ثلاثة من أبرز قادتها المصريين في المنفى: إبراهيم منير، محمود الإبياري، ويوسف ندا.
ندا نفى حضوره للاجتماع، لكن محمود الإبياري أكد لاحقًا. قال إن الاجتماع عُقد بطلب إيران، وشارك به دبلوماسيون من وزارة الخارجية لا الحرس الثوري أو فيلق القدس.
أين التقت مصالح الإخوان والحرس الثوري؟
وفد الإخوان تفاخر بفروع التنظيم في 85 دولة. قال إن “الخلافات بين إيران كرمز وممثل للعالم الشيعي والإخوان كممثل للعالم السني لا جدال فيها”، لكن “التركيز يجب أن ينصب على أسس مشتركة للتعاون”.
والسعودية عدو مشترك يمكن أن يتعاون الطرفان ضده في أكثر من بؤرة.
إحدى الأسس المشتركة التي اقترحها وفد الإخوان كان “كراهية السعودية.. العدو المشترك للإخوان وإيران”.
وفد الإخوان اقترح توحيد الصفوف ضد السعودية. ورأي أن أفضل بقعة لتطبيق ذلك عمليًا كانت اليمن. هناك يوشك تمرد الحوثيين المدعومين على التحول إلى حرب واسعة النطاق، بينما يملك الإخوان نفوذًا على الفصائل السنية القبلية المسلحة، يمكن معه بذل جهد مشترك لتقليل الصراع بين الحوثيين والقبائل السنية لتكون قادرة على استخدام قوتها ضد السعودية.
الوفد اقترح كذلك التعاون بين الإخوان وإيران لوقف الحرب وسد الفجوة السنية الشيعية في العراق، باعتبارها المكان الأكثر ملائمة في ذلك التوقيت
اقترح الوفد تخفيف التوتر بين الشيعة والسنة، وإعطاء السنة فرصة للمشاركة في الحكومة العراقية.
لماذا انهار احتمال التحالف مبكرًا؟
في مصر، قال وفد الإخوان إن الجماعة لا تريد دعم إيران. أضاف أنهم غير مستعدين لقبول أي مساعدة إيرانية للعمل ضد الحكومة المصرية. الموقع يرى أن قادة الإخوان ربما أدركوا ثمن السمعة الباهظ الذي سيتوجب عليهم دفعه إن طلبوا مساعدة طهران لاستعادة السلطة في القاهرة.
في سوريا كان الوضع مختلفًا. رأي الإخوان أن الفوضى المعقدة خارج أيدي الطرفين، وبالتالي لا يملكان شيئًا خاصًا يمكن فعله هناك.
لا تحمل البرقيات المسربة الكثير عن ردود قادة فيلق القدس على مقترحات الإخوان خلال الاجتماع، لكنه يرصد عددًا من “لحظات الإهانة والخلاف”.
يقول الموقع إن وفد الإخوان ربما يكون قد أدرك خلال الاجتماع أن فيلق القدس لم يكن مهتمًا بالانخراط في تحالف مع الجماعة، فردوا بـ “انتقادات من تحت الطاولة”، تحدثوا من خلالها عن التزام الجماعة بـ “النهج السلمي الإصلاحي” للتغيير في الشرق الأوسط، وأنها دربت أتباعها على “التحلي بالصبر أكثر من الإيرانيين”، لتبدأ الصراحة المتبادلة..
بحسب الوثيقة، لم يوافق ممثلو فيلق القدس على جدوى التحالف الشيعي السني الذي اقترحه الإخوان. لكنهم قالوا إن إيران لم تكن أبدًا في خلاف مع الجماعة، وهو ما أثار غضب ممثلي الإخوان.
رغم فشل المحادثات، لمح جاسوس وزارة الاستخبارات في برقيته إلى إمكانية عقد اجتماعات متابعة في تركيا أو لبنان، لكن الوثائق المسربة لا تكشف إن كانت اجتماعات أخرى من هذا النوع قد حدثت بالفعل.