فتاة لم تتجاوز عمر الرابعة عشرة تسير متسارعة بخطوات في ملابسها السوداء لتبحث عن إنسان، إنسان يعرف معنى الإنسانية، ليس كمن تركتهم منذ قليل من معدومي الإنسانية، وما أن وجدت جنودًا من شرطة بلادها، حتى رفعت يديها وصرخت: "أنقذوني لا أريد أن أموت، لقد فخخوني من أجل تفجير انتحاري".
خبير المفرقعات النيجيري "راندي إيلجيسني " تقدم لنزع فتيل الحزام الناسف الذي ترتديه الفتاة، فأمسك بزوج من المقصات، ثم تلى صلاة قصيرة، وأخذ نفسًا هادئًا ثم توجه إلى الفتاة لنزع الفتيل، متذكرًا العديد من أصدقائه الذين قتلوا في مواقف مشابهة أثناء محاولتهم نزع الأحزمة الناسفة من الأطفال الذي يتعامل معهم تنظيم "بوكو حرام" باعتبارهم جيش المفخخين الخاص به في شمال نيجيريا.
" يجب أن نفعل ذلك بلطف، إذا انفجر هذا الشئ فسوف نختفي"، هكذا حاول الأخصائي إيلجيسني تهدئة الفتاة قبل أن يقطع بمقصيه الأسلاك الموصلة للحزام الناسف.
خبير المتفرقعات "راندي إيلجيسني "، الذي أبطل مفعول عشرات المتفجرات التي ربطتها بوكو حرام حول الأطفال يقارن عمله بعبور النهر، فإما أن تخرج حيًا أو تموت.
كان إيلجيسني يعمل شرطيًا ناجحًا في منتصف الألفينات، قبل أن ينضم لفريق التخلص من المتفجرات في نيجيريا، في هذه الفترة كانت البلاد في فترة من السلام النسبي، وتركزت وظيفته في مرافقة أطقم البناء التي كانت تقوم بعمليات تفجير لمد الطرق في الريف.
وفي 2010 ، بدأت بوكو حرام تضرب المباني الحكومية والكنائس والمساجد بقنابل الأسمدة الخام في سعيها لإقامة "دولة إسلامية"، وخلال 4 سنوات توسع تمرد بوكو حرام لثلاث دول مجاورة، أحرق أعضاؤها القرى، مما أدى إلى فرار مئات الآلاف.
تعتمد بوكو حرام على نظام ثنائي لتفجير الأحزمة الناسفة، فالعنصر الانتحاري بيده مفجر مربوط بالقنبلة، وهناك شخص آخر معه جهاز تشغيل عن بعد للقنبلة، لضمان تفجيرها في حال تراجع الانتحاري عن العملية.
في إحدى العمليات، ربط عناصر بوكو حرام سترة معبأة مع الكرات الناسفة ومربوطة مع أنبوب مطاطي لميمونة موسى، البالغة من العمر 16عامًا ، والتي كانت عناصر الجماعة اختطفتها في سن الخامسة عشرة وتم تزويجها قسرا من إرهابي، وتم اختيارها بعد مقتل زوجها للقيام بالعملية.
بعد أسبوع من المحاضرات اليومية من رجال الدين الذين قالوا إن مهمتها سوف ترضي الله ، جاءت لحظة عملية ميمونة، فتجمع حشد لمشاهدتها أثناء تركيب الحزام الناسف لها، فتذكرت ما شاهدته من أسابيع حيث مجموعة من الرجال يلفون القنابل بالأم والرضيع على ظهرها.
"أخبروني أنني سأذهب إلى الجنة ، لكنني اعتقدت أنني سأذهب إلى الجحيم "، هكذا قالت ميمونة وهي ترسم مخططًا يوضح طريقة تفجير القنبلة عبر وسطها.
عندما وصلت ميمونة إلى الهدف، كان من المفترض أن تمس الأسلاك معًا لتفجير القنبلة، لكنها وجدت رجالاً يرتدون الزي العسكري فاستسلمت، فدعوا فرقة القنابل.
في عملية أخرى، سارت بيتنا أوما، ذات الخمس عشرة عامًا، لمدة يومين لبلدة جوزا تحمل على صدرها سترة ناسفة للبحث عن أي شخص يزيل عنها الحزام الناسف، فأرهقها التعب فنامت تحت شجرة، وفي صباح اليوم التالي وجدها حارس أمن فوجه بندقيته باتجاهها، ثم دعا فرق تفكيك القنابل.
عند وصول خبراء المفرقعات صرخت بيتنا: "إنها قنبلة، من فضلك، أنقذ حياتي"، فطلب منها أحد الضباط إزالة حجابها ببطء، ثم قاموا بإزالة الحزام ومنحها الطعام والشراب.
بيتنا أوما قالت إن نسبة نجاتها كانت 50%، لكنها مرت بسلام من التجربة، وقامت بعد ذلك بتفقد المصلين في مسجد بلدتها للبحث عن أسلحة ومتفجرات.
بعد ذلك بدأ فريق إيلجيسني في مواجهة المزيد من النساء المفخخات أكثر من الرجال، فإبمكان الحجاب الطويل للمرأة إخفاء الأجهزة المتفجرة بسهولة، فالسيدات أقل وضوحا من الشباب في الأسواق والمساجد وتجمعات المدنيين.
وتعتبر وحدة إيلجيسني أن الأولاد المراهقين يشكلون خطراً أكبر من البنات المراهقات، فإنهم يظهرون عند نقاط التفتيش ويهرعون بالبكاء طلبا للمساعدة في إزالة القنابل المربوطة بهم، ثم يفجرون قنابلهم بمجرد اقتراب الضباط منهم.
في 2017، بدأت وحدة إيلجيسني باستخدام أداة تشويش الإشارة، بعد قيام بوكو حرام بإرسال أشخاص لمرافقة فتيات صغيرات لم يثقوا بهن لتفجير القنابل التي كن يرتدينها، فيستخدم هؤلاء المرافقون هاتفًا خلويًا، أو مفتاح سيارة في كثير من الأحيان، لتفجير القنبلة في الوقت المناسب، لكن جهاز التشويش يمنع الإشارة من تشغيل القنبلة.
المسؤولون النيجيريون يقدرون عدد الأطفال الذين تحتجزهم بوكو حرام بأكثر من 10 آلاف طفل، ومثلهم من الفتيات، بعضهم من طلاب المدارس الثانوية الذيم تم اختطافهم، وتؤكد الأمم المتحدة أن بوكو حرام جندت على الأقل 8 آلاف طفل.
أحد الأطفال يبلغ 15 عامًا، أسره الجيش النيجيري، ادعى أنه قام بتركيب 500 قنبلة، وأن التنظيم شجعه على الابتكار لجعل القنابل أكثر صعوبة في تفكيكها.
يقول الضابط إيلجيسني إن القنابل التي يحملها الأطفال في نيجيريا أصبحت أكبر وأكثر قوة وأكثر صعوبة في اكتشافها، فيقوم صانعو القنابل ببوكو حرام بابتكار أجهزة جديدة مدمجة في حقائب يدوية مخصصة، وأصبحوا يخفون أجهزة التفجير داخل الكتب، مما يجعل المفجرين يشبهون أطفال المدارس.
"أنا لا أنام، فصور رفاقي الذين استشهدوا في التفجيرات لا تفارق هاتفي المحمول"، الضابط راندي إيلجيسني.