بعد 6 سنوات، كشف الرئيس الصيني شي جين بينغ المبادرة في خطبتين في 2013. الأولى – في أستانا عاصمة كازاخستان، حيث أعلن عن حزام “طريق الحرير” الاقتصادي، الرابط بين الصين ووسط وجنوب شرق وجنوب آسيا، وأوروبا، من خلال بنى تحتية مترابطة بالمناطق الصناعية والممرات الاقتصادية واللوجستيات والبناء وأكثر من ذلك، قبل أن يعلن العنصر البحري بعد فترة وجيزة في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، شاملًا شبكة من الموانئ في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، ستربط الصين عن طريق البحر بتلك المناطق.
شي جين بينغ كشف كذلك عن أبعاد أخرى للخطة، بـ “طريق الحرير القطبي” لتطوير طرق الشحن في القطب الشمالي، وكذلك طريق الحرير الرقمي، وحتى “ممر المعلومات الفضائية” لفتح قدرات إطلاق الأقمار الصناعية والفضاء.
كان اسم المبادرة “حزام واحد.. طريق واحد”، وهو عبارة مكونة من أربعة أحرف شائعة في اللغة الصينية، وتعني التوازن والكمال والوئام، في رسالة ذات طابع ملحمي موجهة للجمهور الصيني، لكن الحزب الشيوعي غير الاسم الإنجليزي إلى “مبادرة الحزام والطريق” 2015، ليحول الحلم التاريخي إلى “مبادرة”؛ لتسويقها أمام العالم بإحساس أخف بالعظمة التاريخية، يخفي طموحات التفوق العالمي، بحسب تحليل الإيكونوميست.
المصادر الرسمية الصينية لم تتفق على المسمى الجديد إعلاميًا، وتنوع بين الاسمين، في ما تقول الإيكونوميست إنه يطرح تساؤلات حول رغبة الدولة في توصيل تفسيرين مختلفين، أحدهما للجماهير المحلية والأخر للأجانب.
الصين بهذا المشروع تعيد تشكيل جغرافيا أكبر كتلة أرضية. تسميها بـ “مشروع القرن”، وهي يشبه خطة مارشال لكنها بطابع صيني. سيساهم في تصدير صورة الصين كقوة راقية وبديلة للغرب. وسيسلحها اقتصاديًا أمام أي عقوبات مستقبلية.
يبدأ طريق الحرير البحري من بحر الصين الجنوبي، وهو مقر التنافس الجيوسياسي المتزايد بسبب النزاعات بين الدول الساحلية حول المطالبات بالحقوق البحرية. الصين تحاول تسوية مسألة السيادة بإغراء الجيران بالموانئ والمشروعات الأخرى.
تتحرك الصين في مناطق المبادرة وفق مفهوم “ميناء الحديقة”؛ بناء ميناء جديد في منطقة نائية تسمح بتطبيق خطط التوسع الحضري والتجاري وإطلاق مناطق صناعية ومدنية متنامية. النموذج مطبق في كوانتان على الساحل الشرقي لماليزيا وجوادر في باكستان على بحر العرب. وحتى في ميناء حاويات كولومبو المزدحم في سريلانكا، الذي يسيطر عليه التجار الصينيين، يجري توسيع المنطقة التجارية وبناء شقق ساحرة.
خطة أخرى تشمل تطوير الموانئ الرئيسية كمراكز إقليمية يمكن أن ترسو فيها سفن الحاويات الكبيرة، ثم تفريغ بضائعها على سفن أصغر تخدم موانئ إقليمية أخرى. كولومبو نفسه مثلًا يقع على مفترق طرق الشحن الرئيسية في المحيط الهندي، ويعد واحدًا من أكثر موانئ الحاويات ازدحامًا في العالم وأكثرها ربحية.
بالإضافة، يستهدف “طريق الحرير الرقمي” تعجيل تشييد البنية التحتية الرقمية حول العالم كجزء من مبادرة الحزام والطريق. الطريق الرقمي يهدف لأن تكون الصين قوى عظمى إلكترونية، من خلال مد كابلات الألياف الضوئية.
الإنفاق الرقمي على طول الحزام والطريق لا يزال متخلفًا عن مشاريع الطاقة والبنية التحتية الصلبة الأخرى. ولكن، كما يشير معهد مركاتور لدراسات الصين في برلين، فإنه ينمو بسرعة. تتبع المعهد ما لا يقل عن 7 مليارات دولار ضختها الصين في القروض والاستثمار في شبكات الكابلات والاتصالات، وأكثر من 10 مليارات دولار على التجارة الإلكترونية، وأنظمة الدفع بواسطة الهاتف النقال وما شابه، وسع البعد الرقمي بشكل كبير من التركيز في البداية على الألياف والكابلات إلى الحوسبة السحابية والبيانات الكبيرة ومشاريع المدن الذكية.
تقول الإيكونوميست إن مشروعات الموانئ الصينية “غريبة أو متوقفة أو مشبوهة”، تدمج الأهداف التجارية بالعسكرية بشكل صارخ. حدث ذلك في جيبوتي، حيث افتتحت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في 2017، ظاهريًا لحفظ السلام في القرن الأفريقي وكذلك لمكافحة القرصنة.
لم تهتم جيبوتي لقواعد الاستضافة، طالما أنها تجني أموالًا منها. لكن بعد أشهر، أممت الميناء الرئيسي، لتمزق صفقة طويلة الأجل مع موانئ دبي العالمية، قبل تسليم حصة في الميناء إلى التجار الصينيين الذين تولوا تشغيله، لتؤمن مؤسسة صينية مملوكة للدولة الإمدادت الواردة تقريبًا. الآن باتت أكثر من نصف ديون جيبوتي لصالح الصين.
هامبانتوتا، ميناء الطرف الجنوبي لسريلانكا، أيضًا يشار إليه كمثال سيئ السمعة لدبلوماسية فخ الديون. افتتح عام 2010، وأجرته الصين عام 2017 بعقد إيجار مدته 99 عامًا بعد أن تعثرت في سداد ديونها.
لكن الصين لا تسير دومًا بهذه الطريقة، فوفقًا لورقة بحثية لمعهد لوي بسيدني، فإن أغلب القروض الصينية الرسمية في المحيط الهادي تقريبًا تأتي في شكل قروض ميسرة ذات معدلات فائدة منخفضة وفترات سماح طويلة، وهو ما يتناقض تمامًا مع الإقراض الصيني في أجزاء أخرى من العالم.
الرئيس شي جين بينغ أول زعيم صيني يزور ميانمار منذ 20 عامًا، لمتابعة الميناء الذي يبنى – ضمن المبادرة- في ولاية لربط الأجزاء غير الساحلية في جنوب غرب الصين بالمحيط الهندي. تقدم ميانمار للصين طريقًا حاسمًا للطاقة من كياوكبيو إلى كونمينغ، عاصمة يونان، المقاطعة الجنوبية الغربية.
يمتلك خط أنابيب واحد القدرة على ضخ 12 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا من الحقول في خليج البنغال. والثاني هو للنفط من الشرق الأوسط. من المقرر أن يمتد خط سكة حديد من كيوكبيو إلى كونمينغ عبر ماندالاي ، وهي مدينة في وسط ميانمار مع وجود صيني كبير.
خطوط الأنابيب لها قيمة خاصة بالنسبة للصين، لأن الصين تستورد 80% من الطاقة، وتخشى وقت الأزمات أو الحروب تضييق الخناق عليها.
لكن الممر يخترق أرضًا معقدة للغاية، تضم أكثر من عشرة من جيوش المتمردين في المناطق الحدودية، مما جعلها زادت النار اشتعالًا. خشيت السلطات خسارة الشراكة الصينية، فدخلت في مأزق مع الغرب بتهم التطهير العرقي لجيشها للروهينجا المسلمة.
في تايلاند، ضغطت الشركات الهندسية الصينية على المؤسسة العسكرية لحفر قناة يبلغ طولها 100 كيلومتر عبر كري برزخ في جنوب البلاد. يقول المؤيدون إن السفن المتجهة إلى شرق آسيا من بحر العرب ستنقص مسافة 1,200 كيلومتر من طريقها، وهو أيضًا ما يمكن البحرية الصينية من الوصول سريعًا إلى المحيط الهندي. كذلك ستضع القناة تايلاند في قلب اقتصاد التجارة الإلكترونية الإقليمي المبني على أوقات التسليم السريع.
لكن الجنرالات قلقون من تنامي الهيمنة الصينية، خاصة في ظل تعقد المنطقة بسبب التمرد الإسلامي في جنوب تايلاند، فالقناة ستفصل الجنوب المسلم مما سيكون له تبعات وخيمة على تايلاند.