مظاهرات، هي الأكبر منذ 30 عامًا، تندلع في الجزائر احتجاجًا على العهد الخامسة المحتملة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة – 82 عامًا، والتي تعهد في خطاب الترشح ألا يستكملها.
هناك موجة سابقة من المظاهرات الجزائرية رافقت “الربيع العربي”، كانت مظاهرات شبه منتظمة، واقتدت باحتجاجات مصر وتونس، لكن جبهة التحرير الوطني ظلت محصنة، وانتهت المظاهرات إلى لا شيء.
تبرر بلومبرج صمود النظام في الجزائر بدعم حلفاء بوتفليقة التقليديين في الجيش وأجهزة المخابرات، وتقديم الدعم السخي للمواطنين لإبطاء المعاناة الاقتصادية، والرعب الوطني من التغيير الثوري؛ كون ذكريات الحرب الأهلية في التسعينيات لا تزال حية.
لكن هل يظل التأثير التأثير أم يتراجع مع سعي الرئيس لولاية جديدة تمثل العهدة الخامسة؟
السن ليس الأزمة الوحيدة لأطول رؤساء الجزائر حكمًا؛ إذ أكمل بوتفليقة، الذي يحكم الجزائر منذ 20 عامًا، ولايته الرابعة على كرسي متحرك.
رئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة
هناك أسباب أبعد دفعت النخبة الحاكمة في الجزائر بالرئيس بوتفليقة مجددًا رغم عجزه الظاهر. في دقائق نحاول جمع أجزاء الصورة.
في خطاب الترشح، كشف بوتفليقة نيته “تغيير النظام“؛ عبر انتخابات مبكرة خلال أقل من عام، وفق تعديلات للدستور يقرها مؤتمر وطني جامع، وقانون انتخابي جديد، متعهدًا بعدم الترشح مجددًا حال إعادة انتخابه في أبريل/نيسان، بما يضمن خلافته “في ظروف هادئة“.
الترشح هذه المرة يأتي بعد تقارير متتالية عن صراع بين قصر الرئاسة وجنرالات الجيش القدامى، ظهر جزئيًا للعلن في 2015، بالإطاحة باللواء محمد مدين، مدير جهاز الاستخبارات الذي قضى ربع قرن في منصبه، واستمر في أواخر 2018، بإحداث تغييرات في الصف الأول بالجيش، شملت إنهاء مهام قادة القوات الجوية والبرية والدفاع الجوي، وتعيين أمين عام جديد لوزارة الدفاع، ومنع سفر جنرالات مقالين، بينهم قائدا الناحيتين العسكريتين الأولى والثانية.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة سطيف عبد الكريم عيادي يشير إلى صراع بين نائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح وشقيق الرئيس ومستشاره الخاص سعيد بوتفليقة.
عيادي استشهد، في سبتمبر/ أيلول الماضي، بتقارير عن نزاع يربطه البعض برغبة شقيق الرئيس في خلافته، ورغبة بوتفليقة في تنحية قائد الجيش.
بالتزامن، نقلت سكاي نيوز عن المحلل السياسي عبد العالي رزاقي قوله إن الرجلين يتقاسمان قرارات الدولة في الجزائر، ليضيف المحلل السياسي محمد سي بشير أن الإقالات العسكرية ارتبطت بشكل مباشر بـ “ضبط إيقاع الانتخابات الرئاسية”.
ويسمح ترشح بوتفليقة بفرصة جديدة للاستقرار على شخصية بديلة توافقية داخل النظام.
الصراع المزعوم لا يقتصر على الجنرالات وسعيد بوتفليقة ، بل يمتد إلى مكونات التحالف الرئاسي؛ حزب جبهة التحرير الوطني، وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، وحزب تجمع أمل الجزائر، والحركة الشعبية الجزائرية.
قيادات من التحالف، الذي دعم ترشح بوتفليقة لانتخابات الرئاسة، سارعت للتواصل مع حركة مجتمع السلم؛ الجناح الجزائري لتنظيم الإخوان، في ديسمبر/كانون الأول.
القيادي في مجتمع السلم نصر الدين حمدوداش قال إن “أطرافًا فاعلة” في السلطة عقدت اجتماعات غير معلنة مع قيادة الحركة.
لم يكشف حمدوداش عن “الأطراف الفاعلة”، لكنه قال إن رئيس الوزراء أحمد أويحيى، الأمين العام للتجمع الوطني، الذي وصفه بـ “المتشدد والاستئصالي” يطمح لخلافة بوتفليقة.
لاحقًا، أكد رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري أنه اجتمع بالشقيق الأصغر للرئيس سعيد بوتفليقة.
بانسحاب رئيس الوزراء السابق علي بن فليس، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، وتراجع الرئيس السابق للمجلس الشعبي الوطني الجزائري السعيد بوحجة عن الترشح، بات الطريق الانتخابي مفتوحًا أمام بوتفليقة.
وقدمت حملة بوتفليقة 5.86 مليون توقيع من الناخبين المسجلين إلى المجلس الدستوري، من بين نحو 24 مليون ناخب يحق لهم التصويت.
وينافس بوتفليقة 19 مرشحًا في الانتخابات المقبلة، أبرزهم:
عبد العزيز بلعيد – 55 عامًا: استقال من الحزب الحاكم في 2011 ليؤسس جبهة المستقبل. ونال 3% من الأصوات في انتخابات 2014 (يدرس الانسحاب).
علي غديري – 55 عامًا: مستقل، وهو الأمين العام السابق لوزارة الدفاع. أحيل للتقاعد في 27 سبتمبر/ أيلول 2015، وكتب سلسلة مقالات لصحف لمحلية أثارت حفيظة قائد الجيش.
عبد القادر بن قرينة – 57 عامًا: وزير سابق للسياحة، وقيادي في حملة ترشح بوتفليقة في 2004. يرأس رئيس حركة البناء الوطني الإسلامية التي خرجت من رحم الإخوان، ويكتب مقالات لمواقع شبكة الجزيرة القطرية، كان آخرها عن مقتل جمال خاشقجي.
علي زغدود – 81 عامًا: يرأس حزب التجمع الجزائري. وقدم أوراق ترشحه سابقًا، لكنه لم يستوف شروط الترشح.
الترشيحات ليست نهائية؛ إذ يفصل المجلس الدستورى فى صحة ملفات الترشح خلال 10 أيام، ويحق له استبعاد مرشحين لا تنطبق عليهم شروط الترشح.
وتشمل الشروط:
الإسلام.
أصلية وتفرد الجنسية للمرشح ووالديه وزوجته.
اقتصار الإقامة على الجزائر لـ 10 سنوات على الأقل.
عدم تورط الأبوين في أعمال ضد ثورة نوفمبر/ تشرين الثاني 1954.
عدم استغلال المكونات الأساسية للهوية الوطنية في أبعادها الثلاثة الإسلامية والعربية والأمازيغية.
ويبقى بوتفليقة متمتعًا بشعبية لدى العديد من الجزائريين الذين يحفظون له إنهاء حرب أهلية طويلة عبر العفو عن المقاتلين الإسلاميين السابقين. ومن شأن إعادة انتخابه توفير استقرار نسبي على المدى القصير لجبهة التحرير الوطني والجيش وأقطاب الأعمال، وأن يؤجل خلافة صعبة محتملة، بحسب فرانس 24.
تظاهر عشرات الآلاف من الجزائريين في العاصمة الجزائر وعدة ولايات رئيسية، وفرنسا وبريطانيا على مدار الأيام الماضية للاحتجاج على اعتزام الرئيس بوتفليقة تمديد حكمه إلى العهدة الخامسة في انتخابات أبريل/ نيسان.
ويركز منافسو بوتفليقة على مغازلة المحتجين الساعين لمنع الرئيس من الوصول إلى العهدة الخامسة، كما خاطبهم بوتفليقة نفسه في خطاب الترشح، قائلًا إن “آهات المتظاهرين” وصلته، لا سيما تلك النابعة عن آلاف الشباب “الذين عبروا عن قلقهم المشروع والمفهوم تجاه الريبة والشكوك التي حركتهم”.
وتقول وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية إن 183 شخصًا أصيبوا وتوفي شخص إثر إصابته بأزمة قلبية.
حالة الوفاة المسجلة هو حسان بن خدة، 56 عامًا، نجل رئيس الحكومة المؤقتة الأولى أثناء ثورة تحرير الجزائر (1958 – 1962) بن يوسف بن خدة.
وتحاول قوى المعارضة التي أعلنت مقاطعة الانتخابات بناء مواقفها السياسية على خلفية التظاهرات الشعبية، لكن لا يبدو لأحدها دور واضح حتى الآن في قيادتها.
ولم تمنع المظاهرات بوتفليقة من الترشح، لكنها تثير مخاوف في دوائر السلطة وفق ما بدا في التسجيل الصوتي الذي أطاح بمدير حملة بوتفليقة عبد الملك سلال، الذي أدار حملات الرئيس الانتخابية في الدورات الثلاث الماضية.
التسجيل الصوتي تضمن تهديد سلال باستخدام الكلاشينكوف لقمع من يحاول منع مؤيدي بوتفليقة من مواصلة الدعاية الانتخابية، وهجومه على الوزراء الذين آثروا عدم التوجه لمكاتبهم مع اندلاع الاحتجاجات.
المظاهرات نفسها أدت لتراجع السعيد بوحجة عن الترشح بينما كان في طريق تقديم ملفه، بعد استكمال كل الإجراءات المطلوبة. مصدر مقرب من بوحجة قال إنه “غير موقفه حينما كان في طريقه إلى المجلس الدستوري وشاهد مسيرات تجوب شوارع العاصمة مطالبة بالتغيير”.
لاحقًا، قال بوحجة نفسه إنه جمع آلاف التوقيعات لحساب بوتفليقة، داعيًا الشباب لإرساء الاستقرار.
تغير الوزن “الظاهر” للجنرالات بعد الإطاحة بالفريق محمد الأمين مدين “سي توفيق” وعشرات من قادة المخابرات أولًا في 2015، ثم “حملة على الفساد” أدت للإطاحة بعدد كبير من قادة الجيش في 2018.
حجم التغيير واتجاهه ليس محل اتفاق؛ فبينما نقلت رويترز عن محللين ودبلوماسيين تأكيدهم أن بوتفليقة أطاح بالجنرالات لتشديد قبضة دائرته المدنية القريبة على السلطة قبل الانتخابات، قالت مصادر “فويس أوف أمريكا” أن التغييرات عززت قبضة قائد الجيش أحمد قايد صالح.
موقف المؤسسة العسكرية من الأزمة الحالية يبقى مثيرًا للجدل، فبينما أبدى أحمد قايد صالح دعمه الضمني لاستمرار بوتفليقة، واصفًا المظاهرات بـ “النداءات المشبوهة التي تستهدف جرّ المغرر بهم إلى مسالك غير آمنة”، مهددًا باستعمال القوة ضد المتظاهرين، طلبت وزارة الدفاع لاحقًا من كل المواقع والصحف الإلكترونية، بما فيها موقع الإذاعة والتلفزيون الحكوميين، سحب التهديد.
بالتزامن، نقلت يورونيوز عن مصدر أمني تأكيده أن مدير الاستخبارات الداخلية فقد منصبه، بعد تسريب التسجيل الصوتي المشار إليه سابقه من داخل حملة بوتفليقة، والذي أدى للإطاحة بمدير الحملة عبد الملك سلال.
الشبكة نفسها نقلت عن المحلل السياسي ناصر جابي قوله إن “جماعة غير راضية من الجيش والمخابرات” حاولت تعطيل ترشح بوتفليقة، وإعلان خارطة طريق للمرحلة المقبلة، باعتبار أن الرئيس عاجز عن ممارسة مهام منصبه، لكنه استبعد تدخل الجيش بشكل مباشر.
ودعا اجتماع لقوى المعارضة، السبت، الجيش لحماية مصالح الشعب. وضم الاجتماع علي بن فليس، وممثل عن حركة مجتمع السلم، والفجر الجديد بقيادة الطاهر بن بعيبش، واتحاد القوى الديمقراطية الاجتماعية لنور الدين بحبوح، وممثلون عن حزب النهض وقوى أخرى.
بيان آخر حمل توقيع الوزيرين السابقين أحمد طالب الإبراهيمي وعلي يحيى عبد النور، وقائد القوات البحرية المتقاعد رشيد بن يلس، دعا الجيش للمساعدة في التغيير السلمي أو التزام الحياد.
يراقب القادة الأوروبيون – وخاصة في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا – الوضع في الجزائر بقلق، لكنهم لا يتمتعون سوى بقدر ضئيل من التأثير على الطبقة السياسية، بحسب واشنطن بوست.
الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري للجزائر، ويعتبرها مصدرًا ثابتًا للهيدروكربونات، وحصن ضد التحدي المزدوج للإرهاب والهجرة غير الشرعية.
أوليفييه جيتا، رئيس غلوبالسترات الاستشارية المتخصصة في مجال الأمن والمخاطر الجيوسياسية يقول إن شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة – 61 عامًا – يحظى بتقدير من الولايات المتحدة وفرنسا، الحليف الأجنبي الرئيسي للجزائر، لكن أزمته في لقبه؛ باعتبار أن الجزائريين لا يريدون تسليم السلطة داخل عائلة الرئيس.
يضيف جيتا أن قائد أحمد قايد صالح يتمتع بنفس المكانة، لكن عمره – 79 عامًا – لن يقنع الأجيال الجديدة.
جوناثان هيل، أستاذ العلاقات الدولية ومدير معهد دراسات الشرق الأوسط في كينجز كوليدج بلندن، يقول إن فرنسا ستقود جهود الاتحاد الأوروبي، عبر دعم النظام لإدارة عملية نقل السلطة، لكن متحدثًا باسم الحكومة الفرنسية اكتفى بالقول إن بلاده “نريد إجراء هذه الانتخابات في أفضل الظروف الممكنة وبشفافية كاملة”، فيما اعتبره هيل اعترافًا بمحدودية نفوذ فرنسا.
سفير الجزائر في فرنسا عبد القادر مسدوة قال إن “الرئيس بتوتفليقة هو من يقرر، ولا أحد يفرض عليه أي شيء”.