في مايو/ أيار الماضي، تداول الكينيون وسم #FindPresidentUhuru، مع ملصق بحث عن رئيسهم أوهايو كينياتا المختفي عن الأنظار منذ عودته من الصين قبل 10 أيام. المتحدثة باسمه ردت بأن كينياتا “يحتاج وقتًا للتأمل بينما يتخذ قرارات مهمة”، وأنه لم يغادر مكتبه منذ رحلة بكين. ثم تكشفت الحقائق
* الرئيس الكيني عاد من بكين محبطًا بعد “استجواب يشبه اجتماعات البنك الدولي”
* قواعد القروض الصينية تتغير بعد سنوات من التمويل غير المشروط
* تنزانيا علقت العمل في مشروع ميناء باجامويو بعد طلب عقد إيجار 99 عامًا
* الفساد وسوء الإدارة ضاعفت تكلفة المشروعات الصينية في أفريقيا
* الإيكونوميست: بكين في الاتجاه الصحيح لتطبيق معايير الإقراض الغربي
كيف جعلت تجربة الصين في إفريقيا البلد الشيوعي السابق يعرف أن “الله حق” ويتخلى عن الدعاية لصالح السياسة الاقتصادية والإقراضية الرشيدة؟
في مايو/ أيار الماضي، تداول الكينيون وسم #FindPresidentUhuru، مع ملصق بحث عن رئيسهم أوهايو كينياتا المختفي عن الأنظار منذ عودته من الصين قبل 10 أيام.
المتحدثة باسمه ردت بأن كينياتا “يحتاج وقتًا للتأمل بينما يتخذ قرارات مهمة”، وأنه لم يغادر مكتبه منذ رحلة بكين.
الرحلة انتهت بصفقات متواضعة تشمل تصدير الأفوكادو وإنشاء مركز بيانات وطريق يربط ضواحي نيروبي بمطارها، لكنها فشلت في تحقيق الهدف الأهم برفض الصين إقراض كينيا لتمويل المرحلة قبل الأخيرة من خطوط سكك حديدية تبلغ تكلفتها الإجمالية 10 مليارات دولار.
مصدر إحباط كينياتا، بحسب الإيكونوميست، أن مشروعه للسكك الحديدية، الذي رهن عليه الكثير من رصيده السياسي، ليس فقط أشهر مشروعات الصين في أفريقيا، لكن بكين خصصت بالفعل 4.7 مليار دولار لتمويل جزئيه الأول والثاني – الذي اكتمل تقريبًا – ممتدًا لحوالي 500 كيلومتر بين ميناء مومباسا والعاصمة نيروبي.
وافترضت كينيا أن الصين ستدفع 3.5 مليار دولار لتمويل الجزء قبل الأخير من المشروع لمده إلى كيزيمو على بحيرة فيكتوريا اعتقادًا أن رؤية بكين الأشمل تركز على توفير شبكة سكك حديدية تربط الدول الداخلية الغنية بالموارد بموانئ المحيط الهندي.
بهذه الرؤية، كان غريبًا على كينياتا أن تتوقف الصين عن تمويل المشروع في منتصف الطريق.
في السنوات الماضية، بدا أن سخاء الصين نحو أفريقيا لا يعرف حدودًا.
وفي سبتمبر/ أيلول، وعدت بكين بتقديم 60 مليار دولار جديدة في صورة مساعدات وقروض إلى القارة، مصحوبة بوعود من الرئيس شي جين بينغ بأن الأموال ستصل “دون قيود سياسية”.
الرئيس التنزاني جون ماغوفولي أبدى سعادته بوعود الصين باعتبار أن “الغرب يربط التمويل بشروط غريبة مثل الإصرار على عدم ملاحقة المثليين في تنزانيا”، بينما “الصين صديق حقيقي. تساعد بلا قيود”.
علاقات ماغوفولي الودودة مع الصين حصدت لتنزانيا قروضًا تجاوزت ملياري دولار منذ 2010، بحسب مبادرة البحوث الصينية الأفريقية في جامعة جونز هوبكنز بواشنطن.
وفي 2013، وافقت الصين على تمويل وبناء ميناء بقيمة 10 مليارات دولار في باجامويو، التي كانت قديمًا مستودعًا لتجارة الرقيق والعاج، قبل أن تتحول إلى بلدة صيد هامشية.
كينيا – التي انضمت مبكرًا لمبادرة الحزام والطريق – حصدت كذلك 9.8 مليار دولار على الأقل بين 2006 و2017، كثالث أكبر نصيب من القروض الصينية في أفريقيا.
لكن منذ تولي كينياتا السلطة في 2013، تضاعف الدين العام ثلاث مرات تقريبًا. ورفع صندوق النقد الدولي العام الماضي مستوى الخطر من منخفض إلى متوسط.
الإيكونومسيت نقلت عن أحد مساعدي كينياتا أن الرئيس الكيني قوبل بشكل قاسٍ خلال زيارته الأخيرة إلى بكين، وأن “استجوابًا” كان بانتظاره، ليس فقط حول مصير القروض الصينية وإنما الفساد، وإجراء تعداد عام للسكان، واستفتاء على تغيير الدستور، ثم نيته الترشح للرئاسة مرة أخرى (فترته الأخيرة تنتهي رسميًا في 2022).
“كان الأمر يشبه الحديث مع البنك الدولي”، يقول مساعد رئاسي آخر.
وفي 7 يونيو/ حزيران، قرر الرئيس التنزاني جون ماغوفولي تعليق العمل في مشروع ميناء باجامويو لأجل غير مسمى، بعدما طلب الشريك الصيني توقيع عقد إيجار مدته 99 عامًا وحظر تطوير الموانئ في أماكن أخرى من تنزانيا.
ماغوفولي اتهم الشركة الصينية بفرض “شروط قاسية لا يقبلها إلا المجانين”.
والعام الماضي، ألغت سيراليون مشروعًا بتمويل صيني لبناء مطار دولي جديد خشية أن ينطوي على الكثير من الديون.
القروض الصينية في أفريقيا تصاعدت حتى 2016 ثم بدأت التراجع
تضررت صورة القروض الصينية إلى أفريقيا مع ظهور تصور جديد حول مخطط لتحويل المحيط الهندي إلى بحيرة صينية.
النظرية تستند على استيلاء شركة صينية مملوكة للدولة على ميناء هامبانتوتا في سريلانكا بعد فشل المشروع تجاريًا.
ويمثل ميناء هامبانتوتا مكانًا مهمًا لرسو سفن البحرية الصينية التي تسعى للقيام بدوريات في المحيط الهندي.
يقول المؤمنون بالنظرية إن الصين تتعمد إقراض الدول أكثر مما تستطيع سداده سعيًا للاستيلاء على الأصول الاستراتيجية. ويعتقد السيناتور الكيني البارز والوزير السابق موتولا كيلونزو أن وضع ميناء هامبانتوتا قد لا يصبح استثناءً في المستقبل، محذرًا من تكرار السيناريو ذاته في أفريقيا باعتبار أن شروط العديد من القروض تقود إلى ما وصفه بـ “فخ الديون”.
وترد ديبورا براوتيجام، مديرة مبادرة البحوث الصينية الأفريقية في جامعة جونز هوبكنز، بأن نموذج ميناء هامبانتوتا مجرد استثناء؛ باعتبار أنه المثال الوحيد للاستيلاء على أصول الدولة لتغطية الديون من بين أكثر من 3 آلاف مشروع تمولها الصين في الخارج.
باتت بكين أكثر ترددًا حول استمرار معدلات ضخ القروض الصينية إلى أفريقيا بحسابات اقتصادية كما ترى الإيكونومسيت، بعدما رفع الفساد وسوء الإدارة تكاليف المشروعات السابقة، لتتراجع العوائد المرجوة منها.
وفي مشروع سكك حديد كينيا، تشير التقديرات إلى أن الفساد رفع تكلفة مد الكيلومتر الواحد إلى ضعف المتوسط الدولي، بخلاف إساءة تقدير قدرات الشحن عبر السكك الحديدية، والذي لم يتجاوز عمليًا 40% فقط مما كان متوقعًا.
التوقعات افترضت أن الشحن عبر السكك الحديدية سيكون أرخص من النقل البري، لكن العكس ثبت عمليًا.
وللتعامل مع النتائج الجديدة، أجبرت حكومة كينياتا جميع الحاويات الواصلة عبر ميناء مومباسا على الخروج من الميناء عبر السكك الحديدية. ما يعني أن التجار في مومباسا نفسها باتوا مجبرين على إرسال بضائعهم إلى نيروبي، ثم إعادتها إلى مومباسا مجددًا!
والعام الماضي، قدر كبير اقتصاديي مؤسسة التأمين الصينية المملوكة للدولة “Sinosure” خسائر الصين في خط سكك حديد يربط جيبوتي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا – استكمل في في 2017 – بمليار دولار.
تقول الإيكونوميست إن بكين أدركت حسابات الاقتصاد بشأن القروض الصينية في أفريقيا متأخرًا. قد لا تكون على وشك الدفاع عن حقوق الإنسان، لكنها تأخد خطوة في الاتجاه الصحيح إلى معايير الإقراض الغربي.