لكي نبدأ حكاية الأمريكان مع الأكراد لابد أن نعود 50 سنة تسبق بداية التقارب الأمريكي – الكردي.
في عام 1920 وعدت معاهدة سيفر الأكراد بالحكم الذاتي، لكن فرنسا وبريطانيا تراجعتا عن ذلك عام 1923 وقسمت الأراضي الكردية بين تركيا وإيران والعراق وسوريا. فتمرد الأكراد وقتها فسحقتهم قوات البريطانيين والفرنسيين والإيرانيين والأتراك.
في عام 1961 اندلعت الحرب في كردستان العراق، وأعلنت الحكومة الأمريكية "سياسة عدم التدخل"، للحفاظ على علاقاتها مع الحكومة العراقية.
لكن حلفاء أمريكا في المنطقة إيران وإسرائيل، ساعدا في تمويل التمرد الكردي لمواجهة النظام الجديد في بغداد، وحاولتا إقناع البيت الأبيض للتراجع عن سياسة عدم التدخل، وكان الأكراد يلتقون ضباطا أمريكيين، وكان الرفض الحازم هو الرد عليهم دائمًا.
تغير الموقف الأمريكي في يوليو 1968، عندما استولى حزب البعث على السلطة، وفي مارس 1970، التقى صدام حسين مع الزعيم الكردي مصطفى البارزاني، ووافق على مطالبه بحكم ذاتي كردي داخل عراق موحد يبدأ من عام 1974.
حدث تقارب بين العراق والاتحاد السوفيتي، أعقبه زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون طهران عام 1972، فضغط شاه إيران على نيكسون لمساعدة الأكراد في زعزعة استقرار العراق.
في 30 يونيو 1972، قابل الزعيمان الكرديان إدريس البارزاني ومحمود عثمان، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ريتشارد هيلمز، الذي عبر عن التعاطف الأمريكي والاستعداد للمساعدة، بعد تكليف من هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي.
الإدارة الأمريكية أدركت أن التحالف السوفيتي العراقي يهدد مصالحها، فأعطت الضوء الأخضر لاستئناف القتال في الحرب العراقية الكردية، واتفقت إدارة نيكسون مع إيران وإسرائيل على تجهيز الأكراد لمواجهة مع بغداد وتدريبهم ومدهم بالأسلحة.
في أوائل 1974، انتهك صدام شروط اتفاق مارس وفرض من جانب واحد نسخة مخففة من الحكم الذاتي للأكراد، فطلب بارزاني من الأمريكان والإيرانيين تشكيل حكومة عربية كردية عراقية يتم الاعتراف بها دوليًا.
كيسنجر كتب في مذكراته " سنوات التجديد"، إن طلب بارزاني "أثار طوفانًا من الاتصالات" بين المسؤولين الأمريكيين، وحذرت وكالة المخابرات المركزية من زيادة المساعدات الأمريكية، ورفض كيسنجر ذلك، فقرر نيكسون زيادة المساعدات الأمريكية للأكراد ماليًا وعسكريًا.
في أبريل 1974، أرسل كيسنجر أوامر نيكسون للسفير الأمريكي في طهران، وتركزت على:
(أ) منح الأكراد القدرة على الحفاظ على قاعدة معقولة للتفاوض، مع الاعتراف بحقوق حكومة بغداد.
(ب) إبقاء الحكومة العراقية الحالية مقيدة.
(ج) عدم تقسيم العراق بشكل دائم؛ لأن إقامة منطقة كردية مستقلة لن تكون قابلة للحياة اقتصاديًا.
الولايات المتحدة رفضت إقامة دولة كردية، لأن كردستان لن تكون دولة ساحلية، وبالتالي لن تشارك في الاقتصاد الدولي، دون الاعتماد على قوى خارجية عدائية للأكراد مثل تركيا وإيران والعراق وسوريا.
فإذا أراد الأكراد تصدير النفط أو الغاز الطبيعي فسيتعين عليهم اجتياز الأراضي المجاورة، وإن لم يتم التوافق سينهار اقتصادهم، وكذلك الأمر بخصوص الرحلات الجوية إلى كردستان.
في أواخر عام 1974، شن الجيش العراقي هجومًا شاملاً ضد الأكراد، ولم تفلح الجهود الإيرانية والإسرائيلية الكبيرة لدعم الأكراد عسكريا، فوضع كيسنجر والإسرائيليون خطة لتزويد الأكراد بأسلحة بـ28 مليون دولار.
وفي 18 فبراير 1975 التقى الشاه مع كيسنجر في زيوريخ، فأبلغه أنه يفكر في الاجتماع مع صدام في مؤتمر أوبك لإجراء مقايضة لرفع دعمه للأكراد مقابل تنازلات حدودية، لكن كيسنجر حذره من زعزعة الاستقرار.
في 6 مارس، أعلن الشاه وصدام عن اتفاق الجزائر، الذي حل أزمة السيادة على شط العرب، مقابل عدم التدخل في شؤون كل منهما.
أمر الشاه بإغلاق الحدود الإيرانية مع العراق التي كانت تدخل منها المساعدات للأكراد، وفي اليوم التالي أطلق العراقيون قواتهم العسكرية ضد الأكراد.
ولم يكن بمقدر الأمريكان مساعدة الأكراد، فتخلوا عنهم مما سمح بحدوث مذبحة ضدهم، فدمرت 1400 قرية، واعتقل الآلاف.
هذه النهاية المأساوية للتدخل الأمريكي لدعم الأكراد شكلت بداية لعلاقة ذهاب وإياب بين الولايات المتحدة والأكراد.
الآلاف من الأكراد في العراق فقدوا حياتهم بعد أن ألغت الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل دعمهم في عام 1975.
في الثمانينيات، وجد الأكراد والولايات المتحدة أنفسهم على طرفي نقيض من الحرب العراقية الإيرانية، التي كان صدام يستخدم فيها الأسلحة الكيماوية ضد كل من إيران والأكراد وأدت إلى انتشار الإبادة الجماعية في كردستان العراق.
عادت العلاقة مرة أخرى في أوائل التسعينيات، بعد غزو العراق للكويت، فحثت الولايات المتحدة الأكراد على التمرد ضد حكومة صدام، ثم تخلت عنهم.
وفي أبريل 1991 ، أدرك البيت الأبيض خطأه ونفذ عملية "توفير الراحة"، لإنشاء منطقة حظر طيران فوق شمال العراق وسمحت للأكراد العراقيين بالعيش في سلام.
في عام 1992، أنشأ الأكراد العراقيون حكومة إقليم كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي أصبحت حليفة أمريكية لا غنى عنها خلال الغز الأمريكي للعراق عام 2003 والحرب ضد داعش.
بعد الانسحاب الأمريكي الأخير من سوريا، ذكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه يريد بالتأكيد حماية الأكراد، لكنه دعا الرئيس السوري بشار الأسد، وكل من يستطيع حمايتهم (روسيا والصين وحتى نابليون بونابرت) إلى التقدم لحمايتهم!!.
صفقة القرن في سوريا.. هل يحققها بوتين على أنقاض الانسحاب الأمريكي؟| س/ج في دقائق
عملية سوريا | هل استسلم ترامب؟ أم سلم أردوغان للأكراد؟ | س/ج في دقائق
حقائق الانسحاب الأمريكي من سوريا.. من المستفيد ومن المتضرر؟ | س/ج في دقائق
خسرنا جميعا في سوريا .. هيا نعوض بعض الخسائر على حساب الكرد | س/ج في دقائق