في العصور القديمة، اعتبر أرسطو أن ثعبان البحر يتكاثر بالتوالد الذاتى من الطين ومواد الأرض.. اعتقاده ظل التفسر السائد لقرون.
لكن الاعتقاد لم يعد مقبولًا مع بداية القرن التاسع عشر.. العلماء باتوا مؤمنين أن الحي لا يخرج إلا من الحي.
عالم الأحياء الألماني ماكس شولتز قال حينها إن سؤال: كيف يُخلق ثعبان البحر بات علامة الاستفهام الوحيدة وسط الأسئلة المهمة التي تواجه علم البيولوجي.
في عام 1876، بعد وقت قصير من وفاة شولتز، أجرى باحث ناشئ عملية تشريح لحوالي 400 من ثعابين البحر بحثًا عن خصيتين.. لكنه لم يجد!
بعد قرن ونصف من التجربة السابقة، أحرز العلم تقدمًا محاولا إدراك أين وكيف تتكاثر الثعابين البحرية.
الفرضية قامت على عكس طريقة تكاثر أسماك السلمون الذي يخرج من البحر للمياه العذبة لوضع بيضه.. هنا افترض الباحثون إن ثعابين البحر تعكس الاتجاه، لكنهم لم يرصدوا ما يؤكد صحة الافتراض، ولم يختبروه معمليًا.
وجد العلماء أن الثعابين في أوروبا تقبع في خليج بسكاي، ومن هناك تجد طريقها إلى الأنهار والبرك في أي مكان من بحر البلطيق إلى البحر الأبيض المتوسط.
هذا التحرك لا يحدث كثيرًا، فثعابين البحر تظل مستقرة في مكانها لمدة تصل لـ20 عامًا، ثم تندفع إلى البحر.
في عام 1923، صمم الباحث الدنماركي يوهانس شميدت بحثًا لمحاولة اكتشاف ما حدث بين وقت اختفاء الثعابين الناضجة ووصول الثعابين الصغيرة إلى نفس المكان.
وجد شميدت إن مطاردة الثعابين الناضجة أثناء اندفاعها غربًا ليس عمليًا، فاختار تتبع اليرقات التي تفقس الثعابين الزجاجية، والتي يمكن العثور عليها وهي تنجرف شرقًا في المحيط الأطلسي كل ربيع.
نجحت تجربة شميدت جزئيًا، فلم يعثر على طريقة تزاوج الثعابين، لكنه استطاع أن يثبت أن اليرقات الصغيرة لجميع الثعابين الأوروبية لا يمكن العثور عليها في أي مكان بالقرب من بييئتها، لكن يمكن تتبعها إلى بحر سارجاسو في المحيط الأطلسي، على بعد 6000 كيلومتر من الساحل الغربي لأوروبا.
الإجابة عن أسلوب تنقل الثعابين البحرية لم تتضح بعد، لكن بعض العلماء يشتبهون في أن المغناطيسية الأرضية ترشد هجرتهم، والتي قد تستغرق أكثر من عام.
في الأشهر الأخيرة لانتشار الثعابين في الأنهار والبرك في أوروبا تحدث لها عدة تغيرات، تختزن أمعائها دهونًا لتخزين الطاقة للرحلة، وتتوسع أعينهم للتكيف مع كآبة قاع المحيط، لأن اللون يتغير من الأصفر إلى الظلام الفضي.