لو كنت مسؤولًا في مؤسسة، وكتب أحد موظفيك تدونية عبر فيسبوك ليعبر عن رأيه في قضية ما. تصادف أن التدوينة حققت زخمًا.. انتشرت بشكل فيروسي على السوشال ميديا. أثارت سخط البعض، أو ربما كثيرين.. انطلقت ضده حملة إلكترونية. معروف أنه ينتمي للمؤسسة التي تديرها. كيف تتصرف معه؟ ماذا لو كانت مؤسستك معروفة؟ وكان هذا الموظف شخصية عامة؟ ماذا لو كان كاتبًا، فنانًا، مذيعًا، أو سياسيًا؟ هذا مدخل لمفهوم “ثقافة الإلغاء”.. أو “Cancel Culture”.
ظهر مصطلح ثقافة الإلغاء خلال النصف الثاني من العقد الماضي، لكنه حصل على دفعات متتالية ليصبح أكثر استخدامًا بالتدريج. يتلخص معناه في شن حملة سلبية عامة ضد شخص ما على خلفية إدلائه برأي أو قيامه بفعل لا يتناسب مع الرأي السائد. السوشال ميديا تلعب دورًا في تغذية الحملة، تتبعها دعوات لـ “إلغاء الشخص” أي القضاء على مستقبله المهني أو تعريضه لخطر حقيقي، إما بالضغط طلبًا لفصله من عمله أو اتخاذ إجرءات تأديبية قوية بحقه.
لكن موقع ڤوكس يعود بالمصلح لكاتب السيناريو الأمريكي توماس لي رايت، الذي أطلقه لأول مرة في فيلم New Jack City في 1991، الذي لعب فيه ويسلي سنايبس دور رجل عصابات يدعى نينو براون. في أحد المشاهد، بعد أن انهارت صديقته بسبب العنف الذي تسبب به، ألقى بها وقال: “ألغِ تلك العاهرة. سأشتري واحدة أخرى”.
وفي 2010، أشار مغني الراب ليل وِين، إلى الفيلم في سطر من أغنيته “أنا أعزب”، فقال: “كان علي إلغاء تلك الكلبة مثل نينو”.
يبدو أن المصلح حصل على أول دفعة كبرى في حلقة من برنامج Love and Hip-Hop: New York على قناة VH1 في ديسمبر 2014، حيث قال عضو فريق التمثيل سيسكو روسادو لدايموند ستروبري: “أنت أُلغيت”.
بدأ الاقتباس في الظهور على منصات السوشال ميديا بعد وقت قصير من بث الحلقة.
ومن هناك، بدأ المصطلح ينتشر على تويتر طوال عام 2015، واستخدم كرد فعل على شخص يفعل شيئًا يرفضه غيره، ويقال في حالة المزاح أو الجد.
مع ذلك، بدأ المصطلح يتطور من طريقة للرد على الأصدقاء أو المعارف، للرد على المشاهير أو الكيانات الذين لم يعجبك سلوكهم.
تقول ناشونال ريفيو إن ظهور منصات السوشال ميديا وثقافة الألفية المبنية على التدوين أديا إلى دفع تلك الثقافة الرديئة.
في الفترة السابقة، كان “الإلغاء” يركز بشكل أساسي على المشاهير أو الشخصيات العامة البارزة، وكانت معايير الإلغاء تتعلق في الغالب بالتعصب الحقيقي أو المتصور أو بسبب أعمال الإيذاء، لكن الوضع تغير الآن حيث بدأ استهداف الناس العاديين في كثير من الأحيان، واستهداف كل من لديه وجهة نظر غير متوافقة مع الرأي السائد.
المجلة تضرب أمثلة على ذلك، أن العديد من الكتاب فقدوا وظائفهم بعدما كتبوا مقالات لم توافق الرأي العام.
الدوافع النفسية وراء هذه الثقافية هي الرغبة في معاقبة أي شخص، حتى ولو شخص غامض وغير مؤثر. الصحيفة تتهم الاشتراكيين بأنهم يستغلون هذه الثقافة لتدمير حياة أي شخص بدءًا من مديري مطاعم الوجبات السريعة، بالتشهير، حتى الانخراط في العنف السياسي المنظم.
بعض المؤسسات ووسائل الإعلام ترفض الدفاع عن موظفيها إذا حدث هجوم منظم عليهم، وبالتالي يقومون بفصل الشخص لتهدئة الجماهير.
صحيفة وول ستريت جورنال اعتبرت أن تطهير كبار المحررين في الصحف التقدمية في شهر يونيو – ربما تشير إلى إقصاء محرر مقالات نيويورك تايمز – أحد نتائج هذه الثقافة، حيث اعتبر أن بعض الأفكار مقدسة وأن من يعارضها لا يستحق الاستمرار في منصبه.