في الخارج، سبب الخطاب “صدمة” في القاهرة، بعدما نُسب إليه من تهديد بحشد الملايين حال اندلاع حرب مع مصر.
الخارجية المصرية قالت إن تصريحات آبي أحمد – حال صحت – تحمل “إشارات سلبية وتلميحات غير مقبولة، باعتبار أنه لم يكن من الملائم الخوض في أطروحات تنطوي على تناول لخيارات عسكرية”.
أعاد آبي أحمد ضبط الأمور بعد اجتماع بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش قمة روسيا – أفريقيا في سوتشي، مؤكدًا أن تصريحاته اجتزئت من سياقها، متعهدًا بالتفاوض وصولًا لاتفاق نهائي حول تخزين المياه خلف سد النهضة.
داخليًا، حمل خطاب آبي أحمد تلميحات بـ “تدابير” ضد أحد أبرز معارضيه.
رئيس الوزراء قال إن “ملاك وسائل إعلام لا يحملون جواز سفر إثيوبيا يلعبون في كلا الاتجاهين. عندما يكون هناك سلام، يلعبون هنا، وعندما نكون في مشكلة، يغيبون.”
وأضاف: “حاولنا التحلي بالصبر. لكن إذا كان هذا سيقوض السلام ووجود إثيوبيا، سواء كنت تتحدث الأمهرية أو أوروميفا، فسنتخذ تدابير، لا يمكنك اللعب في كلا الاتجاهين”، فيما اعتبرها مراقبون إشارة مباشرة إلى معارضه الشاب جوهر محمد.
لماذا بدأ آبي أحمد هجومه على جوهر محمد في خطابه؟
جوهر محمد أدلى بتصريحات انتقد فيها الوضع في إثيوبيا، ورفض في فبراير الماضي حملة أطلقتها الدولة لإزالة المباني المخالفة في منطقة عرقية الأورومو.
مواقف جوهر دفعت أنصاره لمطالبته بمنافسة آبي أحمد في الانتخابات العامة المقررة في مايو/ أيار 2020، لكنه رفض.
الخلاف الرئيسي بين جوهر وآبي يتركز حول نظرتهما العامة للدولة، فالأخير يسعى إلى بناء دولة مركزية، بينما يتخوف جوهر من ذوبان المكونات الإثنية ضمن مركزية الدولة.
كلًا من جوهر وآبي ينتميان إلى قومية الأورومو التي تمثل أكبر عرقية في البلاد، وحظيا بتربية مشابهة، فكلاهما ولدا لأبوين مسلمين، وأمين مسيحيتين.
ما الجميل المتبادل بين أبي أحمد وجوهر محمد؟
يدين كل من أبي أحمد وجوهر محمد للأخر، فالأول منح الأخير عفوًا عندما كان في منفاه وأعاده للبلاد، ودعوة الثاني للتظاهر ساعدت آبي أحمد على الوصول إلى الحكم.
العفو الذي منحه آبي أحمد لعب دورًا في حصول رئيس الوزراء الإثيوبي على جائزة نوبل للسلام 2019.
جوهر محمد قاد حركة الحركة الوطنية للشباب من أجل الحرية والديمقراطية”Qeerroo” التي نظمت مظاهرات ضخمة عام 2016، ضمن حركة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء البلاد، مما أدى إلى فرض حالة الطوارئ، واتهام شبكة أوروميا الإعلامية، التي أسسها جوهر في العقد الأول من الألفية الجديدة، بأنها منظمة إرهابية، واتهام جوهر بارتكاب جرائم ضد الدستور.
انتقد بعض الإثيوبيين جوهر لاستخدامه لغة مشوبة بالعرقية، لكن الكثير من شباب الأورومو يعتبرونه بطلًا أحدث التغيير السياسي الذي أدى لتعيين ابن عرقيتهم آبي أحمد رئيسًا للوزراء العام الماضي.
فر جوهر إلى الولايات المتحدة خوفًا من الاعتقال بتهم الإرهاب، فوقع آلاف الإثيوبيين عرائض إلكترونية تطالب الرئيس ترامب بإعادته لحضه على العنف، لكن عودته لم تتم إلا بعد المصالحة الوطنية التي عقدها آبي أحمد مع الإثيوبيين في “الشتات”، وكان من ضمنها لقائه بجوهر في الولايات المتحدة ووعده بعدم الاعتقال، بعد إصدار عفو برلماني عنه في مايو 2018.
كيف أثرت سياسيا عودة جوهر محمد إلى بلاده بعد عامين في المنفى؟
وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية احتفلت بعودة جوهر في أغسطس 2018 وآخرين، حيث التقى برئيس البلاد السابق ملاتو تشومى، وتعهد وقتها الرئيس بتقديم الدعم اللازم لوسائل الإعلام وأصحابها من المثقفين ذوي الخبرات، وحيا جوهر “الشاب المناضل”، بحسب بيان رسمي لرئاسة إثيوبيا.
الجارديان وصفت استقبال جوهر محمد عند عودته إلى إثيوبيا بـ “معاملة الملوك”، وقامت سيارات جيب تقل حراس الأمن بدوريات حول فندقه في وسط أديس أبابا، لتنظيم تدافع أنصاره، الذي عقد ما بين 25 – 30 اجتماعًا يوميًا للقاء بهم، وإلقائه محاضرات في الجامعات.
وسمحت الدولة بفتح مكتب لشبكة أوروميا الإعلامية، التي استخدمها جوهر لتنسيق المظاهرات حتى إسقاط سلف آبي، في وسط العاصمة الإثيوبية.
كيف وصلت الأمور إلى الأزمة الحالية و إلى مقتل عشرات الإثيوبيين؟
لم يتأخر جوهر محمد في إعلان معارضته لرئيس الوزراء آبي أحمد الذي أعاده من المنفى. صرح لوسائل إعلام محلية بأن البلاد لديها حكومتان: الأولى يقودها آبي، والآخر تقودها حركة Qeerroo.
صحفي إثيوبي وصف مشاعره تجاه خطابات جوهر فور عودته بأنه مليئ بـ “الإحساس الترامبي”، خاصة عندما وضع نفسه أمام الحكومة بقوله: ” “أريد أن أساعدنا في العامين المقبلين على الانتقال إلى الديمقراطية، لذلك أريد أن أستخدم تأثيري على السكان حتى يتمكنوا من التهدئة واحتواء أنفسهم، وضمان السلام، بينما تضع القيادة السياسية ترتيبات للانتقال “.
وطالب بالسماح للمواطنين من جميع الأعراق بالمشاركة في العملية السياسية وللحصول على نصيب عادل من السلطة والثروة، وظهر كشخصية أكثر اعتدالاً وتصالحية، وتبرأ من تصريحاته السابق التي اتهم فيها بالتحريض على العنف العرقي والديني، وخاصة نشر مقطع فيديو له في عام 2013 ، قال فيه: “قريتي مسلمة بنسبة 99٪. إذا تحدث شخص ما ضدنا، فسنقطع حنجرته بمنجل”، وعاد ليقول إن التصريحات مفبركة، وأنه لن يقول شيئًا كهذا لأن والده مسلم وأمه مسيحية.
التصريحات تصاعدت بعد خطاب آبي أحمد البرلماني الأخير، إذ صرح جوهر محمد لوكالة الأنباء الفرنسية، بأن رئيس الوزراء أظهر علامات مبكرة للديكتاتورية ومحاولة تخويف الناس حتى حلفائه المقربين الذين ساعدوه في الوصول إلى السلطة، والذين يختلفون مع بعض السياسات والمواقف والأيديولوجيات التي يدعو إليها”.
وأعلن جوهر ، يوم 23 أكتوبر، أن الشرطة أخبرته بسحب القوات الأمنية المكلفة بحمايته، واتهم الشرطة بأنها تخطط مع “غوغاء” لاقتحام منزله، ودعا أنصاره عبر فيسبوك لحمايته.
اندلعت احتجاجات في منطقة أوروميا، التي تضم جزءًا من العاصمة أديس أبابا، بعد نداء جوهر ورفض نفي الشرطة لروايته، وفي خلال ثلاثة أيام فقط قتل 67 شخصاً في المنطقة: 19 شخصًا قُتل في اشتباكات مباشرة مع قوات الأمن، بينما قُتل الآخرون في اشتباكات بين مؤيدي رئيس الوزراء آبي أحمد وأنصار جوهر محمد، بحسب سي إن إن.
بدأت الاحتجاجات بهتافات ضد رئيس الحكومة آبي أحمد وحرق صوره، وحرق إطارات سيّارات وإقامة حواجز وسدّ طرق في مدن عدّة، ووصلت إلى إعلان وزارة الدّفاع من جهتها نشر جنود في سبع مناطق ما زال الوضع فيها متوتّرًا، وتحولت الاحتجاجات إلى اشتباكات عرقية، بحسب ما ذكرت الشرطة.