السودان شهد وصول عمر البشير المحسوب على الإسلاميين إلى السلطة، بخلطة جمعته بعراب الإسلام السياسي في السودان حسن الترابي. فماذا حدث؟
نعلم ما حدث وهو في السلطة، من جنوب السودان إلى دارفور، إلى الجنيه السوداني. لكن ربما نكتشف الآن أننا لم نعرف شيئا.
الأكاديميون الذين يتعرضون لقضية الإسلام السياسي في الحكم – إن أصروا أنهم مستحقون لأخذ كلامهم في السياسة بجدية – يجب أن ينقلوا تجربة البشير وقد خرج من الحكم إلى المعاهد التعليمية. لأنها الدليل الأوضح، كون الإسلاميين في إيران وغزة لم يخرجوا، على أن الإسلاميين لا يدمرون ظاهر السياسة فقط، بل يخلقون شبكة تحتية أكثر تدميرا، من الصعب إزالتها، ولو أزلت الواجهة.
ينطبق هذا على “الإسلاميين خفيفي التركيز” مثل عمر البشير. فما بالك بحماس وآيات الله.
من هنا، فإن النشطاء الدوارين، الذين يدعون العلم بكل مشكلة في كل مكان، مخطئون إذ يقدمون مشكلة السودان الحالية على أنها صراع بين العسكريين والمدنيين، فقط.
لقد خلق الإسلام السياسي مجموعة من الميليشيات والآلات، ذات الامتداد المتنفذ في الجيش النظامي، ولكن في الحياة غير العسكرية أيضا. هذه الميليشيات تعمل دون مساءلة رسمية، فهي ليست محسوبة على السلطة. في الوقت نفسه، بامتداداتها في السلطة، تحصل على كل ما يأتي مع السلطة من نفوذ وأمان من المساءلة الداخلية.
فوق ذلك، هي من القوة بحيث لا يمكن القضاء عليها من السلطة النظامية – إن أرادت ذلك – إلا بصراع أهلي.
لو كان الموضوع هو الصراع بين العسكريين والمدنيين، لكان التحدي صعبا لكنه معروف الحدود. الضغط على المؤسسة العسكرية النظامية لكي تسلم المدنيين السلطة. وفي حال الفشل ، الضغط عليها لتقديم تعهدات. وحتى لو فشل هذا. ففي الآخير سيتعامل السودانيون مع مؤسسة نظامية تراتبية لا يستحيل حساب أفراد منها.
سيتعاملون مع مؤسسة نظامية تعبر عن نفسها بصوت واحد. مع الداخل أو مع الخارج.
إنما الصراع في السودان صار بين نقيضين متداخلين بحيث لا يمكن فصلهما: الاستقرار والحرب الأهلية.
حيث الاستقرار والحرب الأهلية كلاهما في يد مجموعة واحدة. لها ممثلون في كلا الطرفين. موجودون في محادثاتك مع النظاميين، وموجودون في محادثاتك مع الميليشيات. معظم أوراق اللعبة في يدهم.
حيث العسكريون والمدنيون، كلاهما، بلا حدود واضحة، لأن المنطقة الرمادية يسيطر عليها من يستطيع أن يكون هنا أو هناك، بنفسه أو بأعوانه.
حتى القوى الخارجية التي تفضل عادة، في أوقات الاضطرابات، التعامل مع مؤسسة نظامية قوية لن تستطيع أن تفعل ذلك. عليها أن تعرف أولا من في المؤسسة يعبر عن المؤسسة.
فإن قالت حسنا، لنتعامل مع القوى المدنية وندعم الخيار المدني، فما أسهل أن ترتدي الميليشيات قناعا مدنيا، أو تقدم واجهة مدنية.
بهذه الطريقة رتب عمر البشير أموره. بأناس في السلطة، يتمتعون بقوتها وحمايتها. ولهم امتدادات خارج السلطة، تنفذ لهم ما لا تريد السلطة أن تتورط فيها.
شيء شبيه بالقوة الشعبية التي اقترح محمد مرسي تكوينها في مصر. وبالباسيج التي كونها الإسلاميون في إيران. وبالترجمة العربية للكلمة (الحشد الشعبي) التي كونها الإسلاميون في العراق.
شيء شبيه بإدخال السلك في الليف. بحيث يترك لمن يأتي بعده مهمة إخراج هذا من ذاك.