سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع

سينما المؤلف والمخرج.. الفن يتسع للجميع

21 Jun 2018

أمجد جمال

ناقد فني

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

عرفت السينما نوعين أساسيين من الإخراج، سينما المخرج وسينما المؤلف.

الأول ( سينما المخرج ) يقوم بتنفيذ نص سينمائي لكاتب آخر، أي تحويل النصوص إلى عالم متكامل بمفردات السينما.

أما الثاني ( سينما المؤلف) فلا يكتفي بالترجمة أو النقل فقط، لكنه يخلق الفيلم بكل تفاصيله، يطبع عليه روحه وبصمته وأفكاره. هو صاحب الرؤية الكاملة.

أول من استخدم المصطلح

كان تيار النقاد الفرنسيين بمجلة “كراسات السينما”، التي أسسها “أندري بازان” في مطلع خمسينيات القرن الماضي، وضمّت بين كُتابها أسماء أثروا الثقافة السينمائية في العالم بتنظيراتهم المتمردة. هؤلاء أول من استخدموا مصطلح مؤلف بالفرنسية وأطلقوه على مخرجي الأفلام.

ثم تلقف هذا المصطلح عبر المحيط الناقد الأميركي “أندرو ساريس” الذي حدد شروطا واجب توافرها في المخرج المؤلف. وذلك من خلال مقالة نشرها عام 1962 بعنوان “ملاحظات حول نظرية المؤلف” ..

بأحد فقراتها يقول ساريس:

“في هذه الأيام أصبح من السهل لأي شخص أن يكون مخرجا، دون معرفة الكثير عن جوانب الحرفة، حتى الوظائف الضرورية المتعلقة بالتصوير والمونتاج. فإن فريقا متميزا من المنتجين يستطيع التغطية على أي مَن كان يجلس فوق كرسي المخرج ولو كان قردا. إذن، كيف يمكننا تحديد المخرج المتميز عن القرد؟ الإجابة أنه بعد عدد من الأفلام يظهر نمط متشابه (pattern) في أعماله. نظرية المؤلف نفسها هي نمط قابل للتجدد المستمر. وليس غرضي أبدا أن أشجع كل المخرجين على السير وفق مدار ثابت.”

ووضع “ساريس” ثلاثة شروط رئيسية تجعل من المخرج مؤلفا، وهي شروط مبنية بناء حلقيا لتكمل دائرة متسعة، بحيث يكون الشرط الأول هو نواة هذه الدائرة، والثاني يمثل الطبقة الثانية منها، وهكذا.

الأول: التمتع بالتنافسية في المهارات التقنية.

الثاني: الشخصية المميزة أو بصمته الخاصة. حيث ينبغي على المخرج إظهار قدر معين من الصفات الأسلوبية في كل أعماله.

الثالث: المعنى الداخلي. أي التفاعل بين شخصية المخرج والمادة. شيء أكثر غموضا من أن يتم شرحه بالكتابة؛ لأن قدرا منه متعلق بمادة السينما ولا يمكن وصفه بلغة غير السينما. إنه ذلك الفارق المجهول بين شخص وآخر.

بهذا وضع ساريس القوام الأساسي لنظريته عن “سينما المؤلف”، وحل معضلة النسب الأدبي للأفلام، وهي معضلة طالما ناقشها منظرو السينما منذ فجرها، بسبب تعقيد الوسيط السينمائي عن وسائط الفنون الأخرى، كالرسم والموسيقى والرواية.

اقرأ أيضا: خمسون عاما على الفيلم الذي غير مصير السينما الأميركية.. THE GRADUATE

انتقاد الفكرة

نالت نظرية ساريس انتقادات كثيرة، أبرزها من الناقدة الأميركية “بولين كايل”، التي هاجمت أطروحاته في مقالة كتبتها عام 1963 بعنوان “دوائر ومربعات”.

من ضمن نقاط اعتراضها الأساسية:

  • تجاهل العمل التعاوني، جوهر الوسيط السينمائي.
  • نظرية المؤلف تضفي أهمية على اسم المخرج تفوق العمل نفسه.
  • التميز لدى شخص المخرج يجب ألا يكون معيارا للجودة، فرائحة الظربان أسهل في تمييزها من رائحة الزهور، فهل يعني ذلك أن الأولى في مرتبة أفضل من الثانية!

أبرز المخرجين:

يعد ألفريد هيتشكوك من أبرز مخرجي سينما المؤلف، أما “كاورل ريد” فينتمي لفئة سينما المخرج.

إلا أن سينما المؤلف لا تعني بالضرورة الأفلام التي يخرجها ويكتبها نفس الشخص، وفي الوقت نفسه لا يمكن اعتبار كل مخرج أو كاتب للنصوص ينتمي لسينما المؤلف.

أبرز مثال على ذلك هو المخرج “بيلي وايلدر“، الذي كتب وأخرج أفلامه بنفسه، لكنها تفتقد السمة الأسلوبية المتكررة، ومن الصعب إيجاد رابط بين الكوميديا الصارخة في “البعض يفضلونها ساخنة” وبين الدراما شديدة السواد في “صانسيت بوليفارد”.

أما مخرجين مثل “تيم بورتون” و”ويس أندرسون” تكاد تنطق أفلامهما باسميهما.

هناك أيضا من المخرجين من ينقسم مشوارهم السينمائي لحقبتين، مثل “ستانلي كوبريك“، الذي قدم الأفلام بمنطق الاستوديوهات في بداية مشواره، مثل “لوليتا” و”سبارتاكوس” و”قبلة القاتل”. كلها نصوص اعتيادية ترجمها “كيوبريك” لأفلام تشبه مثيلاتها في حقبة هوليوود الكلاسيكية.

بينما ما قدمه بعد ذلك من أفلام يدخل في تصنيف “سينما المؤلف”، لأننا نلاحظ سمات أسلوبية وتيمات متكررة تدل على شخصية كوبريك.

في النهاية..

رغم مرورة نصف قرن على هذا الخلاف، إلا أنه مازال قائما حتى الآن، سواء على مستوى نظام صناعة الأفلام الذي مازال ينقسم لنظامين:

الاستوديو المتحكم في كل صغيرة وكبيرة من تفاصيل الفيلم وهو أيضا المنظم للعمل التعددي بين فريق ضخم من المنفذين بينهم المخرج والسيناريست.

وعلى الجانب الآخر مازال هناك نظام المؤلف بالشروط التي وضعها ساريس.

وأيا كان موقفك من المدرستين وأيهما تفضل، فحقيقة استمرارهما جنبا إلى جنب طيلة هذه السنين، تؤكد أن السينما فنٌ يتسع لكل ذائقة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (1)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك