أثارت العمليات البحرية التي قام بها المتمردون الحوثيون بابًا للمخاوف من تأثير الصراع في اليمن وارتباطه بأبعاد إقليمية واسعة على حركة التجارة العالمية.
يعرف المتمردون في اليمن إعلاميًا بـ “الحوثيين”، نسبة إلى أبيهم الروحي الراحل بدر الدين الحوثي، والد القائد الحالي للتنظيم عبد الملك الحوثي، ويحملون تسميات سياسية أقل شهرة، هي “حركة الشباب المؤمن”، وتنظيم “أنصار الله”.
تأسست الحركة عام 1992، وتتبع الفرقة الزيدية الشيعية، نسبة إلى الإمام زيد بن علي، الذي يفترض أنها على خلاف عقدي مع المذهب الإمامي الاثني عشري الذي تدين بيه إيران؛ إذ لا تعترف الاثنا عشرية بإمامة زيد بن علي، كما يأخذ الزيديون على الإمامية ما يعتبرونه “انحرافات عقدية هائلة”.
في بداية التسعينيات، انتهج الحوثي طريقًا مخالفًا بكتابه “الزيدية في اليمن”، وشرح الكتاب أوجه التقارب بين الزيدية والإثني عشرية، قبل أن يرحل إلى طهران، حيث عاش عدة سنوات، ليعود مع بدايات الألفية الجديدة.
اقرأ أيضًا: كيف تحول شيعة أفغان لمحاربين بالوكالة في سوريا؟
للحوثيين تاريخ طويل مع اليمن الجمهورية، بالتحالف ضد المد السني المتطرف المناؤى لحكومة صنعاء تارة، والدخول في معارك ضد السلطة تارات، لكنهم بالنهاية فرضوا أنفسهم كرقم صعب في معادلة التسوية التي تلت خروج الرئيس علي عبد الله صالح من السلطة.
وانخرط ممثلو “الحوثيون” في الحوار الوطني، قبل أن يفرضوا سيطرتهم على البلاد تدريجيًا بداية من أغسطس 2014، والاستيلاء على دار الرئاسة في يناير التالي، ثم تنصيب حلفائهم فيما يعرف بـ “المجلس السياسي الأعلى” حكامًا للبلاد، واعتقال الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي فر لاحقًا إلى السعودية متمسكًا بشرعيته، لينطلق ضدهم “التحالف العربي”، الذي قاد عمليتي “عاصفة الحزم” ثم “إعادة الأمل”.
شاهد أيضًا: أهمية ميناء الحديدة الاستراتيجية في اليمن
مع سحب السفراء الأجانب من صنعاء، رد الحوثيون على العزلة الدولية بفتح جسر جوي مباشر مع إيران، التي تعهدت بتأمين الوقود لمناطقهم وبناء محطات كهرباء، فضلًا عن دعمهم في التصريحات الرسمية كـ “ثورة شعبية” يمنية داخلية.
كما أن تقريرا سريا صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة قدمه إلى مجلس الأمن قال إن صواريخ الحوثيين تشترك في سمات تصميم نوع معروف من الصواريخ الإيرانية، وإن بعض المكونات صنعت في إيران. التقرير نشرته رويترز في يونيو الماضي. ونقلت الوكالة عن مسؤولين أمريكيين وغربيين وإيرانيين أن إيران صعدت عمليات نقل السلاح إلى الحوثيين في اليمن.
إيران وقيادات الحوثيين ينفون في تصريحاتهم العلنية أي دعم إيراني للحركة.
يصل مضيق باب المندب البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. ويملك اليمن أفضلية على الممر بامتلاكه جزيرة بريم.
ويتحكم المضيق في مدخل البحر الأحمر، ويعتبر أحد أبرز مسارات النفط والتجارة في المنطقة والعالم؛ حيث تعبر ناقلات النفط الخليج للدخول إلى البحر الأحمر متوجهة نحو أوروبا عبر قناة السويس.
وتذهب التقديرات إلى أن ما بين 5 إلى 6% من إنتاج النفط العالمي، أي نحو 4 ملايين طن، تمر يوميًا عبر المضيق باتجاه قناة السويس ومنها إلى بقية أنحاء العالم. ويمر عبر المضيق سنويًا ما يزيد على 21 ألف سفينة بضائع.
وتمنح السيطرة على باب المندب لإيران، عبر وكيلها الحوثي، فرصة التحكم في أسعار النفط العالمية، والتأثير مباشرة على الاقتصاد المصري، إذ تمر عبره معظم السفن التي تدخل قناة السويس.
اقرأ أيضًا: الحُديدة.. نقطة تحول في اليمن
وتقول إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن إغلاق مضيق باب المندب سيحول دون وصول ناقلات النفط من الدول الخليجية إلى قناة السويس وخط “سوميد” لنقل النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط.
ولن يقتصر تأثير إغلاق المضيق على سوق البترول، إذ تمثل تجارة النفط 16% فقط من إجمالي البضائع التي تمر خلاله.
وبالنظر إلى موقع إيران الاستراتيجي بالنسبة لمضيق هرمز، فإن سيطرة وكلاء لها على باب المندب يعطيها ميزة استراتيجية على دول الخليج العربي ومصر.
يمنح الحوثيون إيران أوراق ضغط هائلة على السعودية، المحاطة بالمد الشيعي من عدة جهات.
يمنح الحوثيون إيران فرصة إقلاق السعودية وشغلها بهاجس أمني دائم، يسمي محللون هذا “استراتيجية الذبابة”، إزعاج دائم، دون الانزلاق إلى حرب، مع محاولة جر السعودية إلى توفير “مانشيتات سيئة” تمنح إيران وحلفاءها فرصة شن حرب دعائية.. .
اقرأ أيضًا: عام من إصلاحات بن سلمان.. ماذا تغير في السعودية؟ وماذا يقول منتقدوه؟
ظهر مصطلح “الهلال الشيعي” لأول مرة في منتصف العقد الماضي للتعبير عن سعي إيران لتصدير نموذجها لمناطق أوسع من المنطقة، في إشارة إلى الهلال الجغرافي الممتد من طهران إلى بيروت. وحاليا صارت إيران ذات نفوذ سياسي مهيمن في بغداد ودمشق وبيروت.
الآن تحاول إيران مد نفوذها ذاك لتطويق منطقة الخليج، عن طريق إثارة مظاهرات احتجاجية في البحرين، وعن طريق الحوثيين في اليمن، والعلاقة الخاصة مع قطر ومنظمات فلسطينية.