أطلقت السعودية والإمارات مشروع “عابر” يتضمن إطلاق أول عملة مشفرة عربية تستخدم في عمليات السداد والتعاملات المالية بين البلدين، وتخضع بالكامل لرقابة وإشراف الحكومات والسلطات النقدية من بنوك مركزية ومؤسسات مالية تابعة للدولار، ما يُعد عنصر الأمان غير المسبوق توافره في أي من العملات المشفرة في العالم منذ ظهورها.
حتى وقت قريب، لم يكن هناك عملات مشفرة في المنطقة العربية أو حتى الشرق الأوسط، لكن الوضع بالإعلان عن مشروع “عابر” لإطلاق عملة مشفرة سعودية إماراتية، والذي ينطوي على الكثير من المزايا مقابلها مخاطر وتحديات على البلدين اتخاذ التدابير اللازمة لتجاوزها.
وتشير أغلب التقارير إلى أن المشروع سينطلق في وقت قريب.
إضافة إلى تقليل الوقت المستغرق في إجراء التعاملات والقضاء على تكلفتها تقريبًا، تتمثل الفائدة الأكبر للعملة المشفرة السعودية الإماراتية في تقليل السيولة المتداولة في أسواق البلدين خارج القطاع المصرفي، أو ما يُعرف بالاقتصاد الموازي، الذي يحول دون تعرف الدولة على قدراتها الاقتصادية الفعلية.
فكلما انتشرت العملة المشفرة بين المستخدمين في السعودية والإمارات، ازداد الارتباط بين التعاملات المالية وسجلات التوثيق الخاصة التي توفرها تكنولوجيا البلوكتشاين، والتي تستخدم في تشغيل منصة العملة الجديدة الخاضعة لإشراف البنك المركزي الإماراتي وهيئة النقد العربي السعودية، ومن خلال ضغطة بسيطة على لوحة مفاتيح، يمكن للمسؤولين التعرف على إجمالي حجم التعاملات، ومن ثَمَ حساب القدرات الاقتصادية للبلاد.
تملك الدولتان موارد بشرية ومالية هائلة تمكنهما من الحصول على أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا البلوكتشاين لتشغيل العملة المشفرة الجديدة.
كما تتمتع الدولتان بالقدرة على استيعاب أحدث التكنولوجيا وأكثرها تعقيدًا، والنجاح في إدارة المشروعات التي تعتمد عليها إلى حدٍ كبير، ما يؤهل السعودية والإمارات للنجاح في إدارة العملة المشفرة الجديدة؛ أسوة بما تحقق من نجاح في مشروعات تكنولوجية سابقة.
يدير المشروع البنك المركزي الإماراتي وهيئة النقد العربي السعودية، وهو ما يُعد عنصر الأمان الأول والأهم، إذ تفتقر أسواق العملات المشفرة والأصول الرقمية إلى الرقابة والإشراف حتى الآن باستثناء بعض العملات القليلة التي بدأت بعض الجهات المالية الرقابية الاعتراف بها وإخضاعها لقواعد الدول التي تعمل بها تلك الجهات.
وهناك تحدٍ كبير لا يزال يواجه البيتكوين، أكبر العملات المشفرة حول العالم من حيث حجم التعاملات وأوسعها انتشارًا، يتمثل في موافقة هيئة الأوراق المالية والسندات في الولايات المتحدة على تأسيس صناديق استثمار متبادلة بالبيتكوين، وهو الموضوع الرئيسي الذي يحتل عناوين أخبار أسواق المال، إذ تتقدم عشرات الشركات المشغلة لمنصات تداول في العملات المشفرة بطلبات لتأسيس هذه الصناديق، لكنها تقابل بالرفض أو يؤجل البت فيها مرات عدة.
لكن عملة “عابر” لن تدخل تلك الدوامة؛ لأنها ببساطة مشروع تشغله الدولتان، ولا يحتاج إلى اعتراف من أية جهة بشرعيته أو قانونيته.
السبب الثاني أن العملة المشفرة العربية الأولى من نوعها في المنطقة لن يجر التداول عليها في المراحل الأولى من إطلاقها على الأقل.
في المراحل المبكرة من إطلاقها، ستقتصر العملة المشفرة السعودية الإماراتية على عمليات السداد وغيرها من التعاملات المالية بين البلدين تحت إشراف السلطات النقدية فيهما.
وتنقسم العملات المشفرة حول العالم إلى نوعين؛ الأول عملات مشفرة متداولة في الأسواق الخاصة بالأصول الرقمية، أما الثانية فهي عملات مشفرة “خدمية” تستخدم في خدمات مثل السداد.
ويجري تداول العملات المشفرة من النوع الأول عبر منصات إلكترونية تُشغل بتكنولوجيا البلوكتشاين، واستخدام الإنترنت ليجري المستثمرون في هذا النوع من الأصول تعاملات بيع وشراء على تلك العملات مقابل عملات تقليدية مثل الدولار، أو حتى نوع آخر من العملات المشفرة، وهو ما يجعلها تنطوي على خطورة مثل البيتكوين والإيثريوم والريبل.
أما النوع الخدمي من العملات المشفرة فيستخدم أيضًا عبر تكنولوجيا البلوكتشاين، لكن استخدامه يكون في سداد مبالغ للبنوك أو غيرها من الجهات.
توفي جيرالد كوتين، مؤسس الشركة المشغلة لعملة كوادريجا سي إس المشفرة الأهم والأوسع انتشارًا في كندا، لكنه دُفن آخذًا معه جميع تفاصيل وأسرار الشركة والعملة المشفرة وما يتعلق بها من أموال واستثمارات تقدر بمئات الملايين من الدولارات التي لا يعرف أي شخص، بمن فيهم ملاك هذه الأموال مستخدمي هذه العملة المشفرة، أين أودعها كوتين أو كيف يمكنهم الوصول إليها.
لكن يبدو أن السعودية والإمارات سوف تحرصان على تفادي الوقوع في نفس خطأ كوتين، الذي استأثر لنفسه بسر العملة الرقمية التي أسسها ولم يضع خطة بديلة للتعامل مع أصول شركته.
ويواجه المشروع تحديات كبيرة على الدولتين الشريكتين فيه مواجهتها بقوة وكفاءة حتى يُكتب له النجاح وتتم الاستفادة المُثلى من التكنولوجيا، مع تجنب التعرض لما تنطوي عليه من مخاطر وأضرار، والتي نرجح أن إشراف الدولتين في البلدين سوف يبدد أغلب المخاوف حيالها.