تنسب منظمة الصحة العالمية السل إلى جرثومة (المتفطرة السلية) التي تصيب الرئتين في معظم الأحيان، وتعتبره مرضًا يمكن شفاؤه ويمكن الوقاية منه.
تنقل عدوى السل من شخص إلى آخر عن طريق الهواء؛ عندما يسعل شخص مصاب بسل رئوي أو يعطس أو يبصق، ينفث جراثيم السل في الهواء. ولا يحتاج الشخص إلا إلى استنشاق القليل من هذه الجراثيم حتى يصاب بالعدوى.
نحو ثلث سكان العالم يعانون من سل كامن، ما يعني أن هؤلاء الأشخاص أصيبوا بالعدوى بجرثومة السل، لكنها ليست نشطة بعدُ، ولا يمكنهم أن ينقلوا المرض.
إذا نشطت الجرثومة، تبدأ أعراض السعال، الحمى، التعرق الليلي، وفقدان الوزن بشكل خفيف لعدة شهور.. في تلك الفترة ربما لا يشعر المصاب بأعراض شديدة بما يكفي لطلب الرعاية الصحية، لكنه يمكن أن ينقل الحراثيم إلى الآخرين.. على مدار سنة، يمكنه نقل العدوى إلى ما بين 10 - 15 شخصًا آخرين.
السل قاتل؛ نسبة الوفاة تصل إلى ثلثي المصابين إذا لم يتلق المصابون العلاج المناسب.
نحو 10٪ من المصابين بجرثومة السل قد يصابون بمرض نشط خلال حياتهم. أعراض السل تظهر سنويًا على أكثر من 9 ملايين شخص، وفق أطلس BCG العالمي لجامعة مونتريال بكندا، ومنظمة الصحة العالمية.
في 2015، صنفت منظمة الصحة العالمية السل ضمن الأسباب العشرة الأولى للوفاة في العالم، ووصلت وفياته إلى 1.5 مليون شخص في 2018.
يسمى لقاح السل بـ "عُصية كالميت غيران" كما يعرف باختصار بي سي جي (Bacillus Calmette–Guérin BCG).
سمي نسبة إلى مخترعيه ألبرت كالميت وكميل غيران. قدم لأول مرة في 1921. ولا يزال الوحيد المستخدم للوقاية من السل رغم مرور قرن على استخدامه الأول.
يُعطى اللقاح للأطفال في السنة الأولى من حياتهم في معظم بلدان العالم، وهو آمن ورخيص، ويمنع حوالي 60% من حالات السل لدى الأطفال في المتوسط، مع وجود اختلافات كبيرة بين البلدان.
توصي منظمة الصحة العالمية بإعطائه لكل الأطفال المولودين في الدول التي لديها سل شديد التوطن.
الخريطة المرفقة تبين سياسة التطعيم بلقاح السل، وفق أطلس BCG العالمي لجامعة مونتريال بكندا:
-A- ترمز للدول التي تلقح الجميع ضد السل، وتصل 157 دولة من أصل 180 تتوافر بياناتها.
-B- ترمز للدول التي اعتادت تلقيح الجميع، لكنها لم تعد تفعل ذلك الآن. ومنها بريطانيا التي عتمدته في 1953م، ثم ألغت التطعيم الروتيني في يوليو 2005.
-C- الدول التي لم تلجأ مطلقًا للتطيعم الجماعي. ومنها الولايات المتحدة التي تعتمد على اكتشاف وعلاج عدوى السل الكامن.
فعالية اللقاح جزئية في حماية حديثي الولادة والأطفال الصغار من أشكال السل الحادة، ضعيفة جدًا مع المراهقين والبالغين، ولا يمنع انتقال العدوى.
يوفر بعض الحماية ضد الأنواع الشديدة لمرض السل غير الرئوي الذي يُصيب الأطفال، مثل التهاب السحايا، لكن لا يمكن الاعتماد عليه ضد السل الرئوي الذي يُصيب المرضى من البالغين، والذي يمثل الأعباء الأكبر لمرض السل وتفشيه في جميع أنحاء العالم.
لهذا السبب، تبحث منظمة الصحة العالمية عن لقاح جديد أكثر فاعلية، فيما وصفته بأولوية لمبادرة المنظمة لأبحاث اللقاحات لسد "حاجة طبية ملحة لم يتم تلبيتها".
- ثبتت فعالية لقاح السل مع العديد من الأمراض؛ فهو يحمي من الجزام بنسبة من 26% إلى 41%، وفي بعض الدراسات بنسبة 60%.
- قد يحمي أو يؤخر حدوث قرحة بورولي. كما يستخدم مع عدد من عقاقير السرطان كلقاح مساعد لإعطاء تحفيز مبدئي للجهاز المناعي في جسم الإنسان.
- يستخدم في علاج أنواع من سرطان المثانة السطحي. منذ أواخر 1970م توفرت الأدلة بأن اللقاح يفيد في علاج سرطان المثانة. ويمنع نكسة حالات سرطان المثانة السطحي بنسبة تصل إلى 67٪.
- في 2018 توصل الباحثون إلى أن اللقاح يحمي من العدوى التجريبية من فيروس الحمى الصفراء، ويصلح بشكل ضعيف لأن يستخدم كلقاح له.
اللقاحات بشكل عام ترفع الاستجابات المناعية الخاصة بمسببات الأمراض المستهدفة دون سواها. لكن دراسات إكلينيكية وملاحظات نشرها بيتر آبي وكريستين ستابيل بن، باحثان دنماركيان عملا في غينيا بيساو لعقود، خلصت إلى أن لقاح السل يرفع قدرة الجهاز المناعي على مكافحة مسببات الأمراض عمومًا.
الباحثان خلصا إلى أن اللقاح يمنع حوالي 30٪ من العدوى بأي مرض معروف، بما في ذلك الفيروسات (رغم أن السل تسببه بكتيريا)، في السنة الأولى بعد إعطائه.
الدراسات تعرضت لانتقادات، لكن مراجعة أجرتها منظمة الصحة العالمية عام 2014 خلصت إلى أن اللقاح يقلل الوفيات الإجمالية لدى الأطفال بشكل عام.
حينها، صنفت المنظمة درجة الثقة في النتائج بالمنخفضة جدًا، لكن مراجعة تالية في 2016 كانت أكثر إيجابية حول الفوائد المحتملة، وإن قالت إنها تحتاج لتجارب عشوائية إضافية.
منذ ذلك الحين ، تعززت الأدلة السريرية، واتخذت عدة مجموعات خطوات مهمة للتحقيق في كيفية تعزيز لقاح السل لجهاز المناعة بشكل عام. حتى اكتشف ميهاي نيتيا، أخصائي الأمراض المعدية في المركز الطبي بجامعة رادبود نايميخن الهولندية، أن اللقاح قد يتحدى معرفة الكتب لكيفية عمل المناعة.
عندما يدخل العامل الممرض الجسم، تهاجمه أولًا خلايا الدم البيضاء، الذراع "الفطرية" للجهاز المناعي، والتي يمكنها التعامل مع ما يصل إلى 99٪ من العدوى.
إذا فشلت هذه الخلايا، تستدعي جهاز المناعة "التكيفي"، وتبدأ الخلايا التائية والبائية المنتجة للأجسام المضادة بالانقسام للانضمام إلى القتال.
وبمجرد التخلص من العامل الممرض، يتحول جزء صغير من هذه الخلايا الخاصة بالممرض إلى خلايا ذاكرة تعمل على تسريع إنتاج الخلايا التائية والخلايا البائية في المرة التالية التي يهاجم فيها نفس العامل الممرض.
اللقاحات تعتمد على آلية الحصانة هذه، لكن فريق ميهاي نيتيا البحثي اكتشف مفاجأة؛ لقاحات السل، التي يمكن أن تبقى حية في جلد الإنسان لمدة تصل إلى عدة أشهر، لا تحفز ذاكرة الخلايا التائية والبائية فحسب، بل تحفز أيضًا خلايا الدم الفطرية لفترة طويلة، فيما سماها الفريق بـ "المناعة المدربة" في دراسة عشوائية نشرت في 2018.
قبل ظهور فيروس كورونا الجديد، أجرى نيتا بالتعاون مع باحثين من جامعة أثينا، دراسة في اليونان لمعرفة ما إذا كان لقاح السل يمكن أن يزيد من مقاومة العدوى بشكل عام لدى كبار السن. وصمم تجربة مماثلة يفترض أن تبدأ في هولندا قريبًا.
ومع ظهور الفيروس الجديد، قرر الفريق خوض التجربة، أملًا في الكشف عن مزيد من التأثيرات الواسعة للقاح السل بشكل أكثر وضوحًا.
الباحثون سيطلقون التجارب السريرية في أربع دول، بحثًا عن قدرة اللقاح على تعزيز جهاز المناعة، بما يسمح له بمحاربة كورونا بشكل أفضل، وربما منع العدوى تمامًا.
الدراسات ستركز على الكوادر الطبية وكبار السن، باعتبارهم الأكثر عرضة للإصابة.
إليانور فيش، أخصائية المناعة في جامعة تورنتو، تقول إن اللقاح ربما لن يزيل العدوى بفيروس كورونا الجديد تمامًا، لكن من المرجح أن يخفف تأثيره على الأفراد.
[su_highlight background="#EF6C14" color="#FFFFFF" class=""][/su_highlight][su_highlight background="#00C5D6" color="#FFFFFF" class=""]ملف[/su_highlight] فيروس كورونا في دقائق
رحلة مع العلماء وهم يبتكرون لقاحا ضد فيروس كورونا | الحكاية في دقائق سيناريوهات كورونا | 77 ألفًا أم 8 ملايين.. كم يقتل كوفيد-19؟ | س/ج في دقائق كورونا | تشريح قاتل يتنكر في هيئة رسول الأوامر العلوية | س/ج في دقائق تحجيم كورونا | ما المسموح به وما الممنوع كليًا في التباعد الاجتماعي أو العزل الذاتي؟ | س/ج في دقائق