جهاد الاستهبال | استثمار قطر في محمد أبو تريكة وإخوانه | عمرو عبد الرزاق

جهاد الاستهبال | استثمار قطر في محمد أبو تريكة وإخوانه | عمرو عبد الرزاق

20 Jul 2020
عمرو عبد الرازق
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

من العيوب التي نشأ في ظلها جيلنا، غياب الرصد المبكر والحسم في التصدي للظواهر التي تحمل مخالفات أو تجاوزات، أو تعديًا صريحًا على حقوق الأفراد والمجتمع، وتركها حتى تستفحل، لتتحول إلى كوارث وإشكاليات، ثم تدريسها لطلبة المدارس لعقود تالية باعتبارها من المشكلات المتوطنة!

وقد كان لجيلنا نصيب فى دراسته الأولى عما يخص التلوث البيئي، الضوضاء، الانفجار السكاني، ورد النيل، المخدرات، ثم التطرف الديني الذي كان يدرس على خجل وبعناوين ومضامين متذبذبة، باعتبار أن نسبة من المنوط بهم تدريس هذه المقررات هم من ذلك التيار المتطرف نفسه، وكانوا يمررون امتعاضهم من مواد دينية وأدبية وبيولوجية ترتبط بالتناسل والتطور وعلم النفس والتربية القومية، مروجين بدلًا منها لرؤى دينية خاصة بهم بين الطلاب!

وهؤلاء أنفسهم كانوا ظاهرة لم يتم التصدي لها في توقيتها، وتُركوا دون مواجهة، فنشروا التطرف أكثر بين صبية المدارس!

وتقوم الدولة الآن بمجابهة آثار استفحال البناء المخالف والعشوائي والتعديات، والتوك توك، وهو جهد محمود وعمل عظيم، لكنه أمر كان يمكن تجنبه وتجنب آثاره، لو تم التصدي المبكر له دون تركه يستفحل، ويصبح حقًا مكتسبًا لأصحاب المخالفات!

وهذه الظواهر يسيرة الإصلاح فى مهدها، عسيرة العلاج حال استفحالها، حيث تفرض شرعية البلطجي ذاتها بالزمن، ويميز صاحبها على الدوام تحاميه بسلاح “الاستهبال”.

الاستهبال.. قتل الفن بالفن

و”الاستهبال” لغة مصدر من الماضي “استهبل” ويعني التظاهر بالحماقة وادعاء الجنون، دون أن يكون المرء فاقدًا لعقله!

 وعطفًا على ما ذكرته بالمقال السابق، فيما يتعلق بالنخر المتعمد لأعمدة مصر، فقد كان أبرز أسلحة هذا الهجوم والتشويه هو ظاهرة “الاستهبال”، عبر خلق أيقونات جماهيرية تروج لفعل “الاستهبال” يمكن استخدامها كرأس حربة في تلك المعركة.. وكان عمود الفن وسفراء القوة الناعمة، في الفن والرياضة، أصحاب الاستهداف الأسهل!

ومن ضمن سبل الاستهداف، إيجاد فنانين ما هم بفنانين وإنما مندوبون سياسيون، يغيرون قواعد الفن من أساسها، ويخلقون مسخًا يحمل أبجدياتهم.

لاحظ التكرار المستمر لتقديم عبد الله الشريف مثالًا بلفظة “الفنان” وهي الكلمة التي كانت محلًا للتحقير في ديباجاتهم!

هي نظرية قتل الفن بالفن وهدمه من الداخل، أو الترويج لفعل مغاير للفن يطلقون عليه عنوة اسم الفن. وفي الرياضة روجت فكرة المحرم واللهو، وإثم ضياع الوقت بمشاهدة المباريات وممارسة الكرة بدلًا من الصلاة والذكر، ثم أتت مرحلة تشكيل وصناعة شخصية الرياضي الخلوق، للقفز عبره داخل المجال الرياضي.

محمد أبو تريكة.. صناعة الاستهبال “الخلوق”

الشهر الماضي ظهر محمد أبو تريكة أحد نجوم الإخوان المسلمين بتنظيميه الداخلي والدولي، وأحد أبرز مدلليهم، بقناة “بي إن سبورتس” أحد أفرع شبكة الجزيرة، فصال وجال بوصلة نفاق وابتذال وترويج مدفوعة الأجر لتميم بن حمد ونظامه، وبوجه لا يقربه الخجل متوغلًا في التبجح والتنطع المميزة لأفراد التنظيم، أثار استعجاب حتى المذيع القطري بالأستوديو، فرمقه بنظرة: يا لك من عبد أحسنّا تربيته!

بالطبع اللاعب الشهير والذي هو في جزء كبير من شهرته نتاج تضخيم إعلامي إخواني، أكثر من كونه لاعب صاحب موهبة أو إنجازات أو أرقام، تفرد له العناوين قصدًا بأية حجة لإقحام اسمه بها، حتى لو لم يكن الخبر يخصه، من شاكلة “صلاح يفوز بجائزة أفضل هدف وتريكة أول المهنئين”  وليس زميله المجاور في ليفربول مثلًا!

وذلك كي يبقى بالمشهد فلا تغادره الأضواء، فيظل قابلًا للاستخدام في معركتهم، ومن وراءه لجان إلكترونية موجهة بالسوشال ميديا، ممن يروجون لأخلاقه ومثاليته النادرة، بإرهاب منتقديه بأطنان من السباب، في نسخة رياضية تحاكي بلطجة أردوغان المحتمي بمرتزقته الإسلاميين في كل خطواته!

فلسفة الخيانة

في ظروف طبيعية يصبح اللجوء لدولة معادية لم تتوقف عن التورط والتمويل في عمليات إرهابية في مصر، والعمل تحت سيطرة وتوجيه وتلميع أجهزتها المخابراتية وأذرعها الإعلامية، هو اتهام بالخيانة العظمى غير قابل للنقاش منذ الوهلة الأولى، ولكن بعد فرض منطق “الاستهبال” نفسه وترك الأمور دون محاسبة مبكرة، يصير للخائن فريق من المؤيدين يفلسفون له الخيانة ويطرحونها للنقاش، وتمرر كرأي ووجهة نظر لها حُجة وأنصار تُطرح للتداول!

 سلبيات عدم الحسم المبكر منحت الساقطين ألسنة وصفحات، وجعل لهم أرضية ممتدة ورأيًا متداولًا وجماهير تتشتت، وما زالنا نعاني كبح آثارها إلى اليوم، بداية من التحرش الجنسي ونهاية بالإرهاب!

يصل العبث منتهاه في حالة ترك منطق “الاستهبال” يفرض ذاته، فيتهم مروجو منطق الخيانة غيرهم بالعمالة لوطنهم ساخرين من انتمائهم!

الترويج بعدم التلامس.. ثم بالتلامس!

اللاعب نفسه صنيعة منطق “الاستهبال” فجزء كبير من عامل الترويج له، كان تحت بند أخلاقي أكثر منه رياضي، لا دليل عليه في الواقع سوى تمتمات دينية متكرر لا تخصنا في شيء، وترويج صوره مع المصحف، وكذلك تجنبه للنظر للإعلامية الأوروبية، بعد الفوز على إيطاليا في كأس القارات 2009 بحجة ملابسها الكاشفة، تم تسمية هذا التكلف أخلاقًا، واشترته الجماهير شراء التروماي!

وبعد أن تلقفته الأجهزة القطرية صراحة، أتته الأوامر بالظهور بشكل مغاير لتغيير دوره من المحلي إلى الدولي، فتعمد التصوير كتفًا بكتف ملامسًا لبطلة الإسكواش “نور الشربيني” ضمن تغيير آخر يتعلق بهيئته وتصفيف شعره بعناية، بعد أن كان يتعمد إهماله، للظهور بصورة الزاهد رغم شهرته، حيث تغير دوره في المنظومة الإخوانية من المحلي إلى نطاق أوسع!

جزء آخر من منهج الترويج للاعب كان يمرر باعتباره درويشًا وبركة، حتى أن الإعلامي تامر أمين، في عرضه لاحتماليات صعودنا لمونديال 2010، ردد أن هدف محمد أبو تريكة “البركة” في مرمى الجزائر ذهابًا، هو الذي سيكون حاسمًا في صعودنا، مستبشرًا ببركته، وخطبة جمعة أخرى للقرضاوي على منبر بقطر، بعد هزيمة مصر أمام غانا 1/6 في كوماسي، يردد: أن الهدف الوحيد لمنتخب مصر أحرزه اللاعب المؤمن أبو تريكة .

درويش يعرف طريقه

ولعل ما جعل البعض يروج له كشخص مبروك، امتلاكه لملامح ساذجة يفسرها البعض بالطيبة، وابتسامة باهتة، وتعبيرات وجه مترددة، بالإضافة لثقافة ضحلة وأفكار توقفت عند مرحلة دروس العصر مع الأخوة، جعلت اللجان الإلكترونية  يضحكون له مجاملة إذا ما ردد نكاتًا سخيفة تجاوزها الزمن، أو يعقبون على آراء سطحية مفككة له بتعليقات: قل ما تشاء يا عم الناس.. وما شابه من تعليقات، توحي بمعاملته كمبروك الحارة أو شخصية البهلول!

لكن المبروك صنيعة “الاستهبال” في معرض الترويج للنظام القطري، يطربنا بوصلة ترويج سياسي خبيث، لا تصدر إلا ممن يعرف طريقه جيدًا، فنصفها ترويج لنظام تميم، ونصفها إسقاط على مصر، بعبارته “قطر تستثمر في البشر” بالطبع هو يلقي بهذا الإفك، وهو يدرك تمام الإدراك أن هناك جيوشًا من اللجان الإلكترونية ستقوم بدورها عقب انتهاء فقرته، سينشر أعضاؤها تلك البلاهات على أوسع نطاق.

الخلوق بمنطق “الاستهبال” جعل قطر في حديثه قبلة الإنسانية والإسلام والحضارة، وقفز على كل ما تورطت به قطر، ليروج أكاذيبها، فتجاوز الإرهاب والقتل والتخريب الاقتصادي والإعلام المعادي المتمرس في الكذب والترصد والشحن الطائفي والسياسي، والقواعد العسكرية الأمريكية على بعد أمتار منه، وغسيل الأموال وتخريب دول وتشريد شعوب عربية، وتبديد ثروات النفط القطري، ورشاوى تدفع هنا وهناك، وفضائح تنظيم المونديال وتكرار حالات وفيات العمالة الرخيصة في بناء الإستادات، وردد مانشيتات النظام القطري الإجرامي، ولنتجاهل دماءً جرت في مصر وغيرها بدعم القطريين، لا شأن للخلوق بها!

وعبارته جزء من إشارة ضمنية، قيلت في معرض أكليشهات موجهة من الإخوان للدولة المصرية، بأنها تبني الحجر ولا تهتم بالبشر!

وليكتمل الاستهبال !!

استكمال ظاهرة “الاستهبال” يقوم بها البعض من محبي محمد أبو تريكة. يريدون قبض العصا من المنتصف، أصحاب نظرية “ماترجع بقى وحشتنا” أو “أصله ياما متعنا” إلى آخر تلك العبارات المغرقة فى “الاستهبال” وكأن الانتماء لنظام معادٍ هو مجرد عقد عمل مشروع لأكل العيش!

حقيقة الحال محمد أبو تريكة مثال لإفراغ الرياضة من مضمونها، كما أفرغ غيره الفن من مضمونه، فهو إخواني موتور، اختار أكثر الطرق اضطرابًا للتعبير عن ذاته، مُصدرًا لنا وجه “الاستهبال”..

هو هنا ليس لاعب كرة، ولكنه دوره الذي يؤمن به، وصُنع لأجله، ولا يكاد يخفيه، عنصر إفساد رياضي باستغلال الرياضة من أجل التمكين والانتشار السياسي العقائدي.

ومن دلائل فساد العقل وخواء التكوين، أنه ليس هناك عاقل إذا ما وقع بين اختيارين، أن يترك  مصر ويذهب ليلقي رهان حياته وانتمائه ودينه على بقعة مؤقتة كقطر!

تطبيع الاستهبال

قابلنا في الفن ظاهرة الفنان الخلوق الذي يمارس “الاستهبال” يتجنب النساء ويكاد يطلب رجالًا لأداء أدوار النساء، كمسرحيات أوروبا في القرن الـ 17 ولاعب يروج منشورات سياسية بقنوات معادية، وداعية لولا سيادة منهج “الاستهبال” ما استطاع أن ينطق حرفًا واحدًا، يتعلق بزواج الطفلة ومعاشرتها جنسيا، وإلا خشي العقاب والازدراء، ولم يكن ممكنًا أن تجد فردًا يفكر في تبرير تحرش جنسي بهيئة وزي ضحيته.. إلا لأن الأمور تترك حتى يسود “الاستهبال”، ويغلب على المجتمع في مجمله عبر تراكم “الاستهبال” غياب المنطق وتراكم التفاهة!

لسوء الحظ لا توجد عقوبة قانونية لفعل الاستهبال، ولا هناك تشريع ديني يقضي بتحريمه، لكن لدينا جهاد الاستهبال هو الأبرز حاليًا، حتى القاتل الصريح حينما يسأل عن شأن المقتول غيلة في المحكمة، يردد باستهبال فوري: لقد كفر!

مسارات جميعها منبعها واحد ومصبها واحد، تفضي لبعضها البعض، تتعدد ألوانها وضروبها، ومعركتها وغرضها واحد، وتجد بين أبطالها روابط غير منكورة، ولكن جميعهم إلى زوال.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

موضوعات متعلقة

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك