بيدي لا بيد الحكومة.. هكذا اختار مستشار شيخ الأزهر محمد عبد السلام الخروج من المشيخة التي دخلها لأول مرة قبل ثمانية أعوام، مقدمًا اعتذارًا قبله الدكتور أحمد الطيب دون مقدمات، إلا قرارًا وشيكًا وفق الدستور الذي شارك في كتابته.
تخرج محمد عبد السلام من كلية الشريعة والقانون بفرع جامعة الأزهر في طنطا، وحصل علي دبلوم الدراسات العليا في الشريعة، ثم دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، ثم الماجستير في القانون العام المقارن بالشريعة الإسلامية.
عُين وكيلًا للنيابة الإدارية في دفعة 2005، وتدرج في النيابات حتى أصبح عضوًا بالمكتب الفني لرئيس هيئة النيابة الإدارية، ثم متحدثًا رسميًا باسمها حتى 2011.
بدأ مستشارًا قانونيًا بالهيئة العامة لتعاونيات الإسكان بقرار من وزير العدل الذي انتدبه في نفس العام مستشارًا قانونيًا للمشيخة العامة للطرق الصوفية وعضوًا بلجنة القيم بالمشيخة.
وفي 2011، عُين عبد السلام عضوًا قضائيًا بمجلس الدولة، لينتدب بعدها مستشارًا قانونيًا لشيخ الأزهر لشؤون ديوان المظالم والأعمال القانونية والاستشارية بقرار وزير العدل رقم 3791.
حمل محمد عبد السلام توصيف مستشار شيخ الأزهر للشؤون الدستورية والتشريعية، ليمثل المشيخة في تأسيسية دستور 2012، الذي نص على عدم قابلية شيخ الأزهر للعزل، ثم يرأس لجنة المقومات الأساسية في لجنة صياغة دستور 2013.
اللجنة كانت مسؤولة عن صياغة 43 مادة، أولها مادة الأزهر، التي أقرت التحصين.
خلال المناقشات، انضم عبد السلام إلى حزب النور في رفض إضافة مفهوم مدنية الدولة للدستور، باعتبارها “مرادف للعلمانية في أذهان الناس”.
شارك عبد السلام أيضًا في وضع المرسوم بقانون 13 لسنة 2012 بتعديل قانون تنظيم الأزهر، متضمنًا عودة هيئة كبار العلماء، التي ستصير سلاح الطيب في معارك لاحقة، وانتخاب شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية من خلال أعضاء الهيئة.
عبر الدستورين والقانون، بات للأزهر دورًا، كشف محمد عبد السلام معالمه، وطريقًا سار عليه الدكتور أحمد الطيب في مناوشاته التالية مع أجهزة الدولة.
كل التجارب السابقة في عز عتو الأنظمة أثبتت أن الأزهر لم يستطع حاكم أن يتحكم بقراره. صحيح أن الأنظمة تدخلت في الأزهر الشريف أو سعت إلى التضييق عليه أو تحجيم دوره، لكن بالنهاية بقي الأزهر للمصريين. انتظروا الكثير من الأزهر فيما هو قادم، خصوصًا في وجود الإمام الأكبر أحمد الطيب”
عبد السلام يبدي تعلقه بمقولة للرئيس الأسبق محمد نجيب:
“من يقرأ تاريخ الأزهر الذي قام علماؤه بالثورات قبل أن يستتب الأمر لثورات أوروبا الكبرى، يجد أن الأزهر قد حمى المصريين في كل فترات الاضطراب”.
بات محمد عبد السلام متحدثًا غير رسمي باسم الطيب، يكيل له المديح في كل مناسبة.
في 2017، احتفل بعيد ميلاده، فسماه “الأستاذ الأكبر”، و”شيخ الإسلام” و”إمام المسلمين”، و”نصير المقدسيين”.
أضاف عبد السلام أن الطيب “أعاد للأزهر مكانته، وبذل من عمره وجهده وعافيته الكثير من أجل الحفاظ على دين الله وشريعته، وحماية الأزهر وتاريخه ورسالته”.
صفحة عبد السلام عبر فيسبوك باتت مصدرًا للأخبار عن كواليس اجتماعات الطيب “السياسية” مع قادة العالم، التي غطت قضايا، بينها القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأزمة الروهينجا.
خلال تلك السنوات، اختاره الطيب عضوًا لمجلس أمناء بيت العائلة المصرية، وعضو لجنة دراسة الترشيحات لمنصب مفتى الجمهورية، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
تصريحات رسمية عن قيادات “مرصد الأزهر” كشفت أيضًا عن “دور كبير” لعبد السلام في تأسيسه.
من الأخونة والتدخل في تعيينات الأزهر، وحتى استغلال منصبه، واجه محمد عبد السلام العديد من الاتهامات، بعضها وصل المحاكم.
أحدث الاتهامات الإعلامية ظهرت في أبريل/ نيسان الماضي، وشاركت فيها صحف رسمية، قالت إن عبد السلام استغل منصبه للضغط على مجلس القضاء الأعلى للتراجع عن فصل شقيقه على خلفية قضية تزوير، والسماح له بالاستقالة. عبد السلام لم يعلق على الاتهامات.
معركة أقدم وصلت بصحيفة “الوطن” للمحاكم، بعد مقال بعنوان “عبد السلام وفساد الأزهر”، اتهمه بتشكيل لجنة غير قانونية لمنح أحد أقاربه درجة الأستاذية.
الصحفى اتهمه بالانتماء للإخوان، وإقناع شيخ الأزهر بضم يوسف القرضاوي وحسن الشافعي ومحمد عمارة إلى هيئة كبار العلماء، وعبد الرحمن البر للجنة تطوير قوانين الأزهر، لتحكم جنايات الجيزة بحبس الكاتب وتغريمه.
الاتهامات تواصلت في أزمة رئاسة جامعة الأزهر. عبد الغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، اتهمه بتعيين العمداء والمسؤولين حسب رغبته الشخصية، بينما وصفه بيان لنادي أعضاء هيئة تدريس الجامعة بـ “المتحكم الأول فى قرارات المشيخة”.
أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء، طالب شيخ الأزهر بـ “الرجوع للحق والتخلص من بطانة السوء”، دون أن يسمي أحدًا، في مؤتمر أعضاء هيئة التدريس، الذي خصص للهجوم على عبد السلام.
الدستور الذي شارك محمد عبد السلام في صياغته في 2013، تضمن في مادتيه 186 و239، إنهاء انتداب القضاة لجهات غير قضائية في غضون 5 سنوات؛ أى قبل 17 يناير/ كانون الثاني 2019.
القانون المنظم بات على وشك الإقرار في مجلس النواب، ليصبح إبعاده عن الأزهر مسألة وقت، لكنه استبق إلغاء الانتداب باعتذار قبله الطيب، ليعود إلى وظيفته القضائية.
وفي أغسطس/ آب الماضي، أصدر السيسي قرارًا جمهوريًا بترقية عبد السلام إلى درجة مستشار مساعد أ بمجلس الدولة.