باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
سجناء جماعة الاخوان يعودون للمشهد مجددًا بعد إطلاق عدد من شباب التنظيم مبادرة للإفراج عنهم مقابل التعهد بمقاطعة النشاطات السياسية والدعوية والخيرية، وتقديم 5 آلاف دولار عن كل سجين لحساب صندوق تحيا مصر، على أن تكون بإشراف الأزهر والمجلس القومي لحقوق الإنسان. فصيل من الجماعة تحدث عن “تذكرة عبد الناصر”، أي الرخصة التي منحت لسجناء الإخوان أيام عبد الناصر لكي يزعموا أنهم تراجعوا عن الفكر المتطرف.
الطرح يعيد استدعاء تاريخ فكرة مراجعات السجون. في السطور التالية نستعرض تاريخ بعض منها.
بعد أحداث 1954، أعاد قيادات وكوادر الإخوان إحياء مراجعات السجون مجددًا عبر مبادرة أعلنوا فيها تأييدهم للرئيس المصري جمال عبد الناصر، ووقع معهم المرشد حسن الهضيبي مقابل الإفراج عنهم، لكن السلطات لم تتجاوب معها.
وتقول رواية الإخوان إن الوثيقة صدرت بإيعاز من سلطة السجون، وكانت بمثابة فخ لشق صف الجماعة، وأنكروا أن يكون الهضيبي قد وقع عليها.
تصاعدت أفكار تكفير الحاكم والمجتمع في الستينيات، فأصدرت مجموعة من دارسي الشريعة في الإخوان أوراقًا بما يشبه المراجعة شملت تأصيلًا فقهيًا لمسالة التكفير، وخرجت الاوراق باسم كتاب “دعاة لا قضاة” ووضع عليها اسم مرشد الاخوان حسن الهضيبي رغم أنها لم تكن من تأليفه، وسط الانشقاقات في صفوف الجماعة بين الجناج القطبي وجناح المرشد.
بعد خروجهم من السجون، قدم عدد من قيادات الإخوان بقيادة أبو العلا ماضي مبادرة أعلنوا فيها مراجعة لموقف الجماعة من فكرة المواطنة والدولة المدنية والمرأة، ولم تمانع في تولي المرأة أو المسيحي رئاسة الدولة، وهاجموا جماعة الإخوان واتهموهم بالتشدد وسيطرة الجناح القطبي، وتقدموا بطلب تأسيس حزب سياسي، لكن لجنة الاحزاب لم تتجاوب، وظل الطلب مجمدًا حتى أحداث يناير 2011، ليحصل الحزب بعدها على ترخيص.
الغريب أن مواقف الحزب تقاربت مع جماعة الإخوان بعد وصولها للسطة، وشارك الوسط بعدد من الوزراء، وخاضوا بجانب الإخوان صدامهم مع الدولة بعد 30 يونيو، والتي أدت لحل الحزب وحبس عدد من قياداته.
بعد سلسلة من الأحداث الدموية في أوائل التسعينيات والتي شهدت محاولة اغتيال الرئيس الأسسبق حسني مبارك ومذبحة الأقصر، قادت الجماعة الإسلامية مراجعات داخل السجون المصرية، بدأت بمادة وقف العنف عام 1997، وانتهت بسلسلة مراجعات السجون في 2001. وخلاصة المراجعات تقريب فكر الجماعة لفكر الإخوان المهادن حتى لحظة التمكين.
الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان قام فعليًا بما حاول حزب الوسط فعله في مصر فعله بعدها بخمسة أعوام، وتحديدًا سنة 2001، حين انشق عن حزب الفضيلة الذي يرأسه الزعيم التاريخي للإسلاميين نجم الدين أربكان، وأسس حزب العدالة والتنمية، الذي قدم فيه مراجعات لنهج الحزب الرئيسي المتشدد، أهمها القبول بشروط الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالحريات الشخصية والعلاقات مع إسرائيل، مما دعا أربكان لاتهامه ومجموعته بالعمالة للصهيونية.
مع الوقت نجح أردوغان فيما فشل فيه حزب الوسط، حيث استقطب معظم قواعد الحزب الأم، وكسب ثقة الجماهير بفكر مختلف، وبدد مخاوف الكماليين حتى اكتمال التمكين.
في ليبيا، قدم الجناح الجهادي المتمثل في الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا مراجعات من القيادي عبد الحكيم بلحاج، وتحت رعاية الشيخ الإخواني علي الصلابي، بالتزامن مع تنامي العلاقات والمصالح بين القذافي والإخوان وقطر وتركيا.
ابتلع القذافي الطعم، الذي أطاح به لاحقًا بقوة السلاح في 2011.
بدأت البذرة التي أعاد الإسلاميون تكييفها واستغلالها في مراجعات السجون منذ اضطرار عمار بن ياسر لإقرار مشركي مكة بما أرادوا للنجاة من العذاب. ينقل محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه:
أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير قال: كيف تجد قلبك، قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد
في زمن المأمون، لما أقر بمسألة خلق القرآن، أمر بامتحان المحدثين في المسألة، فاقر أغلب المحدثين بما قرره الخليفة العباسي، وبينهم محدثون كبار على رأسهم محمد بن سعد ويحيى بن معين، ولم يرفض إلا أربعة، فحملوا إلى المأمون مقيدين بالسلاسل، فأعاد امتحانهم فتراجع اثنان وبقي اثنان هما أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح.
وفي هذا يقول ابن كثير:
مراجعات السجون وصلت حتى ابن تيمية. ورد في عدد من من المصادر التاريخية أن ابن تيمية خرج من سجن القلعة في مصر بعدما راجعه عدد من الفقهاء وأقر في النهاية باعتقاد الاشعري، لكن أتباعه ينكرون المسألة.
يقول ابن حجر العسقلاني في كتابه الدرر الكامنة:
بين ميدان رابعة وأورشليم.. المعركة الأخيرة وما بعدها | مينا منير
غزو الكويت دشن المشروع الإخواني القطري