الرسائل الإعلامية لقادة الدول عملية معقدة، لأنها جزء أصيل من السياسة. مؤتمر مستقبل الاستثمار في السعودية حل بعد أزمة دبلوماسية نتجت عن تورط سعوديين في قتل الصحفي والناشط السياسي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية. وكان هذا أول ظهور إعلامي لصاحب الرؤية الاقتصادية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
خلال دقائق، أطلق بن سلمان عدة رسائل، يمكن استنباط ما دار داخل العقل الإعلامي الراسم لها.
١- من بين القادة السياسيين الحضور، ظهر رئيس وزراء لبنان سعد الحريري إلى جوار ولي العهد. الحريري كان بطلا لقصة سابقة سيقت إعلاميا للادعاء بأن بن سلمان احتجز رئيس وزراء دولة أخرى وأجبره على الاستقالة. فكان وجود سعد الحريري في حد ذاته رسالة إعلامية. لكن ولي العهد لم يكتف بذلك. بل تطرق إلى الموضوع مازحا، ومشيرا إلى أن “دولة الرئيس باق في السعودية يومين، فلا تقولوا إنه مخطوف”. وتدخل الحريري معلقا وهو يرفع يده “بكامل حريتي”.
٢- تواجه السعودية ضغوطا عالمية، بعضها يتحدث عن عقوبات اقتصادية، وبعضها يتحدث عن عزلة. ولي العهد السعودي قدم نفسه ورؤيته الاقتصادية على أنها رؤية لكامل المنطقة، رؤية قيادية، وتوجه عام، وليس مجرد سياسة محلية. فذكر دول الجوار بالاسم: خص مصر بحديث مطول، وتحدث عن النموذج الإماراتي الرائد، وذكر عمان والكويت والأردن ولبنان. حتى قطر توقع لها النجاح خلال سنوات. وأطلق على هذا الطرح تعبيرا يمكن أن يعلق في الذهن: “الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة”.
٣- بالإضافة إلى ما سبق، بتفصيله البلاد بلدا بلدا، والإشادة بها، وبجهود أبنائها، منح ولي العهد الرأي العام في تلك البلاد وجمهور السوشال ميديا والإعلام مقاطع صوتية sound-bites سيكونون حريصين على إعادتها وتداولها. وهو ما حدث بالفعل بعد الخطاب. الفرحون نشروا المقاطع مادحين، والمتشككون نشروها معلقين. وفي كل الأحوال ضمن ولي العهد أن عدد أكبر من المستمعين العرب سمعوا منه شخصيا ما يكنه لهم.
٤- هذا يعني أن ولي العهد أرسل رسالة ضمنية إلى كل هؤلاء: أن وجوده في هذا الموقع “خير للجميع”، وعامل أساسي في مستقبل أفضل. المصائر مترابطة.
٥- يمكن تفسير ما حدث مع جمال خاشقجي، المرتبط سياسيا بالحلف التركي القطري، على أنه رسالة عداء وقطيعة تامة، لا مجال فيها للتسامح. لكن بن سلمان حرص على أن يقول غير ذلك. فتحدث بلغة ودية عن قطر، وعن ضمانة لمتانة العلاقات السعودية التركية واستحالتها على الشقاق طالما كان الملك سلمان، وهو، والرئيس أردوغان موجودين.
٦- هناك رسالتان ضمنيتان إلى العالم في كل ما سبق:
في الفقرات اللاحقة يمكن مشاهدة مقتطفات من الرسائل الواردة أعلاه
ولي العهد يرد على ما وصفه بمحاولات البعض إحداث شرخ بين السعودية وتركيا.
“محمد بن راشد قدم نموذج لدبي وجعل الجميع في المنطقة يرغبون في السير على خطاه”.
“البحرين حققت إنجازات ضخمة وعظيمة منذ عام 1999. هذا لا شيء بجوار ما سيحدث في الخمس سنوات القادمة.”
“الكويت لديها شعب رائع وموارد مالية ضخمة”
“في مصر تحقق نمو أكثر من 5% ومشاريع البنى التحتية تسير بشكل سريع، المسؤولون يعملون من أجل استعادة مصر العظمى القوية”
“جهود لبنان سوف تنجح”
“الأردن لديه مشاريع ضخمة، الطاقة في عمان كبيرة”
“عمان لديها مشاريع كبرى وتحاول أن تنتقل لمرحلة أخرى بالإضافة إلى عملها في السنوات الماضية”
“حتى قطر على خلافنا معهم لديهم اقتصاد قوي سوف تكون مختلفة تماماً بعد خمس سنوات”