ياقوت الحموي وهو شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي. يعتبر مؤرخ وجغرافي عربي. كما أنه من العلماء في اللغة والأدب. وكان من أصل يوناني، ويعد من أهم الجغرافيين. وهو مؤرخ ذو ثقة. كذلك أديب ومؤلف موسوعات وكتب. كما أشتغل بالعلم وأكثر مع بالدراسة بالأدب. وقد أطلق على نفسه (عبد الرحمن). وكان مقيم في المدرسة النظامية. وأبرز مؤلفات ياقوت الرومي كتابهُ المعروف وهو (معجم البلدان) الذي قد تم ترجمته للعديد من المرات.
كان ياقوت يحمل الجنسية اليونانية. من مواليد عام (٥٧٤ﻫ/١١٧٨م) وتم أسره في صغره. وبيع إلى تاجر حموي يعيش في بغداد وأصبح مسلمًا. وقامالتاجر بتعليمه لينتفع منه في تجارته. فدرس العلوم المعروفة في زمنه. ثم قام بكثير من الأسفار في أعمال تجارية للتجار. ولا سيما في الخليج الفارسي. وفك أسره في سنة (٥٩٦ﻫ/١١٩٩م). واشترك معه في تجارته. وأخذ يعلمه عن شئونه في مجالات مختلفة. وكان من بينها الأدب وغيره. فأجاد ياقوت نسخ الكتب. وعلم بعد الكثيرين. ثم ترك سيده السابق، ورجع لأسفاره التجارية. ثم توفى السيد، فعمل ياقوت في تجارة الكتب. ولكنه لم يستمر حتى عاد إلى حياة الأسفار والرحلات. فذهب إلى إيران وبلاد العرب وآسيا الصغرى ومصر والشام ولبلاد ما وراء النهر. وقام بالتنقيب في خزانات الكتب. كما جمع المواد المهمة للمعاجم التي تم العزم على تأليفها في أسماء البلاد وترجمة الأدباء.
إن من أبرز المميزات التي كان يملكها ياقوت هي كتابته ورواياته. كما قام بالاستعانة بالقرآن والحديث في وضع الشواهد والتأييدات . وكان بهدف دعم ما يكتبه أو يحلله أو يوصفه من ظواهر طبيعية أو بشرية فوق سطح الأرض كلما تمكن من ذلك سبيلا.
كما قيل عنه أنه كتب بالتفصيل وبصورة علمية توقم على المشاهدة والتجربة . وهذا على أغلب الظواهر الجغرافية التي تكلم عنها بكتبه. ومن المنطقي ألا نتفاجىء حينما نجد أن تعليلات. فتفسيرات هذه الظواهر قد أتت في منتهى البراعة والإتقان ومنحتنا فكرة صحيحة عن النظرة العلمية التي كانت لدى العلماء المسلمون الذين أخذوا على أكتافهم توسيع مجال و تطوير الأدب الجغرافي .
بدأ ياقوت معجمه من خلال مقدمة . وقد تكلم بها عن موضوعات متنوعة . وأتت على رأسها الجغرافيا موضحاً في هذه المقدمة أسماء وبعض أعمال الجغرافيين الذين أتوا قبله. وفي نهاية مقدمته منح تحليلاً وشرحاً وافياً لمعجمه. كما وضح طريقته في التأليف وعارض فكرة الإيجاز بالكتابة .
وبعد هذا ما شرع به ياقوت في وضع مادة معجمه. وفقاً للبلدان وبحسب ترتيبها الأبجدي بصورة منظمة. وكانت تستحق الإعجاب والتقدير. ولقد رأى حين ذكر الأسماء أن يذكر الألفاظ المتنوعة لاسم المكان ساعياً لتفسير اسامي المكان من حقيقة اللغة العربية، وكان يعارض بقوة فكرة وجود أصل غير عربي للاسم إلا في حالات متفردة .
وفي الواقع إن قول كل الألفاظ التي كانت مستعملة لمكان ما كانت افضل معين. حتى يتم التعرف على الاسم الصحيح. وهذا من حيث نطقه بهذا المكان ، ومن الأسباب التي كانت تسببت في خطأ في نطق أسماء في بعض الأماكن. وكان هذا هو أن العرب استعملوا الشعر . من خلال وصفهم لظواهر طبيعية وبشرية و مصطلحات جغرافية . ومشهورة بأن الشعر يخضع لأوزان وقواف عديدة ما كانت الأوزان والقوافي تسعى إلى نطق الأسماء بصورة لا تطابق الواقع .
وكان ياقوت في أغلب الأوقات بعد قول أي مكان بمعجمه يوضح موقعه. ووفقاً لخطوط الطول ودوائر العرض ، والبرج الذي يوجد تحته هذا المكان . كما أنه كان معرض إلى الكلام عن تكوين المكان وأهمية موقعه وموضعه ثم يسرد تواريخ من سكنوا فيه . كذلك أخبارهم وسيرتهم وكأنه بذلك يتحدث عن أمور هي من أصل الجغرافيا التاريخية .
انتشر ياقوت الحموي خلال رحلاته بدايةً من (610هـ / 1213م). وسافر إلى آسيا الصغرى وخراسان. ثم أنطلق من تبريز والموصل، متجهاً لبلاد الشام ومصر بالبداية. وبعد ثلاثة أعوام سعى مرة أخرى إلى دمشق. ثم توجه لحلب فأربيل فأورمية فتبريز، ومنها اتجة لإيران الشرقية، وسار في نيسابور لمدة عامين، ثم تركها إلى هرات وسرخس إلى أن وصل لمرو.
وقد قال ياقوت الحموي عن مرو : “وقد أخرجت مرو من الأعيان وعلماء الدين والأركان ما لم تُخرج مدينة مثلهم؛ منهم: أحمد بن محمد بن حنبل الإمام، وسفيان بن سعيد الثوري .. وغيرهم”، ويتحدث عن مكتبات مرو قائلاً: “فكنت أرتع فيها وأقتبس من فوائدها، وأنساني حبُّها كلَّ بلد وألهاني عن الأهل والولد، وأكثرُ فوائد هذا الكتاب وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن”.
بعد ذلك قام ياقوت بزيارة خوارزم، فقدم وصفًا مذهلاً للمدينة ونهرها جيحون فيقول: “وما ظننت أن في الدنيا بقعة سعتها سعة خوارزم وأكثر من أهلها، مع أنهم قد مرنوا على ضيق العيش والقناعة بالشيء اليسير، وأكثر ضياع خوارزم مدن ذات أسواق وخيرات ودكاكين، وفي النادر أن يكون قرية لا سوق فيها، مع أمنٍ شامل وطمأنينة تامة، والشتاء عندهم شديد جدًّا؛ بحيث إني رأيت جيحون نهرهم وعرضه ميل وهو جامد، والقوافل والعجل الموقرة ذاهبة وآتية عليه” [5].
وحين علم بخروج التتار في (616هـ / 1219م)، ثم وصولهم لبخارى وسمرقند، فر منهم. وفي طريقة سار للري وقزوين وتبريز إلى أن وصل الموصل، فدخلها فقيرًا منهكاً، ومنها كتب إلى الوزير ابن القفطي بحلب يطلب منه العون، فأرسل له العون. ودعاه إلى حلب، وفي عام (624هـ / 1227م) وذهب مرة أخرى إلى فلسطين ثم مصر، ثم توجه لحلب.