كتب تشارلز داروين - وأشهرها على الإطلاق أصل الأنواع" لم تحاول الإجابة عن سؤال "كيف بدأ الخلق" ولم تقدم إجابات وافية حول تفسير أصل الحياة.
لكن رسالة غير منتشرة بعث بها داروين بتاريخ 1 فبراير 1871 إلى صديقه المقرب عالم الطبيعة جوزيف دالتون هوكر تكشف أنه حاول التكهن بها على انفراد.
الوثيقة تلت مناقشة موجزة لبعض التجارب الحديثة على العفن، وأوضح داروين فرضيته:
"كثيرًا ما يقال إن جميع الشروط اللازمة لإنتاج أول كائن حي موجودة الآن، والتي كان من الممكن أن تكون موجودة في أي وقت. ولكن إذا تصورنا وجود بركة صغيرة دافئة بها جميع أنواع الأمونيا والأملاح الفوسفورية، بالإضافة إلى الضوء والحرارة والكهرباء وما إلى ذلك، فإن مركب البروتين قد يتم تشكيله كيميائيًا، وسيصبح مستعدًا للمرور بكافة التطورات المعقدة، في الوقت الحاضر سيتم التهام هذه المادة أو امتصاصها على الفور، وهو ما لم يكن ليحدث قبل أن تتشكل الكائنات الحية".
في الاقتباس السابق اقترح تشارلز داروين أن أصل الحياة لم يبدأ في المحيط المفتوح، ولكن في مساحة أصغر من المياه كانت غنية بالمواد الكيميائية.
هذه في جوهرها هي نفسها فكرة "الحساء البدائي"، ولكن مع فارق واحد: في بركة ماء، ستتركز أي مواد كيميائية مذابة عندما يتبخر الماء في حرارة النهار. ليكون التوليف الأولي للمواد الكيميائية التي شكلت أصل الحياة مدعومًا بمزيج من الضوء والحرارة والطاقة الكيميائية.
من نواحٍ عديدة، تعتبر فكرة تشارلز داروين حول أصل الحياة غير مكتملة، لكن لا يمكن لومه على ذلك. كان يكتب قبل اكتشاف الأحماض النووية مثل الحمض النووي، وقبل أن يفهم علماء الأحياء أي شيء عن كيفية عمل الجينات، وعندما كانت العمليات الداخلية للخلايا الحية لغزًا إلى حد كبير.
تخيل تشارلز داروين بشكل مبدئي أن الحياة بدأت ببروتين، لكن لم يكن أحد يعرف حقًا ما هي البروتينات: حتى عام 1902 كان مفهومًا أن البروتينات هي سلاسل من الأحماض الأمينية.
نفس الفرضية الأساسية لا تزال قيد البحث اليوم، والعديد من الباحثين مقتنعون بأنه التفسير الأفضل لدينا عن أصل الحياة.
إحدى الباحثات التي يتوافق عملها مع بيئة البركة هي لينا فينسنت، والتي تحاول إنشاء مواد كيميائية تنسخ نفسها كمجموعة. في الممارسة العملية، تكون مجموعات المواد الكيميائية أكثر تعقيدًا من ذلك، لكن المبدأ هو نفسه.
تجري فينسنت تجاربها على أسطح المعادن. إذا كانت المواد الكيميائية الأساسية موجودة على سطح المعدن، فمن المرجح أن تتفاعل وتتلامس مع بعضها البعض، كما تقول.
يمكن أن تتنافس المواد الكيميائية أيضًا على الالتصاق بالمعادن: "نعتقد أن هذا يمكن أن يخلق نوع البيئة التي قد تحتاجها لانطلاق بوادر التطور" على حد قولها. فالبرك، بطبيعتها، محاطة بأسطح معدنية.
هناك أيضًا الكثير من الأدلة على أن الأشعة فوق البنفسجية في ضوء الشمس يمكن أن تؤدي إلى تكوين المواد الكيميائية البيولوجية الرئيسية - وخاصة الحمض النووي الريبوزي (RNA) -وهو حمض نووي مشابه للحمض النووي الصبغي (DNA)- يعتقد أنه كان مكونًا حاسمًا في تكوين الحياة الأولى. لا يمكن أن تحدث مثل هذه العمليات إلا في أماكن مضاءة جيدًا - مما يشير مرة أخرى إلى كتلة صغيرة من المياه بدلًا من أعماق البحار.
وفي 2019، أجرى باحثون في ألمانيا تجربة على نفس الأسس. وضعوا مواد كيميائية بسيطة أساسها الكربون في ماء ساخن على سطح معدني وأخضعوها لدورات متكررة من الرطوبة والجفاف. كانت أيام قليلة كافية لصنع لبنات بناء الحمض النووي الريبوزي (RNA).
وبالمثل، أظهر ديفيد ديمر، الباحث جامعة كاليفورنيا، أن دورات الجفاف - الرطوبة يمكن أن تؤدي إلى تكوين "خلايا أولية" بسيطة، حيث يتم تغليف جزيء بيولوجي مثل الحمض النووي الريبوزي بغلاف من الطبقات الدهنية.
وفي 2017، وجدت فالنتينا إراستوفا، التي تعمل حاليًا في جامعة إدنبرة، أن الأحماض الأمينية ترتبط ببروتينات بسيطة على سطح معدني يخضع لدورات رطبة وجافة.
يجادل ديمر بأن "برك الينابيع الساخنة في البراكين" هي البيئة الأكثر احتمالًا لبدء الحياة. أما ساذرلاند فلديها بديل آخر: فوهة نيزكية، مع تيارات تتدفق على الجانبين لتلتقي في بركة في الأسفل.
من غير الواضح أي من هذه السيناريوهات أكثر منطقية. علاوة على ذلك، يشير العديد من الباحثين الأصغر سنًا إلى عدم إلزام أنفسهم بسيناريو واحد أو آخر، بحجة أننا لا نعرف بعد ما يكفي عن العمليات التي يمكن أن تؤدي إلى نشوء الحياة، ولا يزال العديد من الباحثين يأخذون فرضية الفتحة القلوية على محمل الجد على الرغم من المشكلات التي تواجهها.
لكن الواضح أن فكرة تشارلز داروين في رسائله عبرت عن بصيرة ثاقبة. لقد تصور الحاجة إلى مجموعة من المواد الكيميائية متركزة في مساحة صغيرة، والحاجة إلى مصدر طاقة يمكن أن يقود التفاعلات الكيميائية.
"تمامًا مثل العديد من رؤى داروين" تقول فينسنت، "كانت فرضية البركة الصغيرة الدافئة ذكية للغاية".
أوضح تشارلز داروين نقطة في رسالته "التي لم تحظ بالتقدير الكافي"، كما تقول فينسينت، أن "العمليات تحدث في تلك البركة الصغيرة الدافئة بسهولة شديدة وطوال الوقت". قد لا نراها ببساطة لأنه كلما ظهر بروتين جديد أو أشكال مشابهة بشكل طبيعي، تلتهمه بكتيريا جائعة.
تقول فينسينت: "نتحدث عن أصل الحياة وكأنه شيء حدث في الماضي العميق... لكنه قابل للحدوث حتى الآن"