باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي
من أشهر الأحاديث النبوية المركزية والمؤسسة لمنظومة الإسلام التقليدي حديث “بني الإسلام على خمس” وهي أركان الإسلام المعروفة (الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج) والمروي عن الصحابي عبدالله بن عمر بأغلب طرقه في الصحاح. نلاحظ هنا أنها لم تشمل الجهاد.
غير أن هناك روايات تلزم المسلمين بفرضية الجهاد كركن أساسي من أركان الدين، مثل حديث “رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله”. رواه الإمام أحمد.
وعندما سُئل ابن عمر لماذا تركت الجهاد؟ فأجاب بالحديث. وفي رواية أحمد أنه لما ذكر الحديث سئل فأين الجهاد؟ فأجاب “الجهاد حسن” وفي رواية “من جاهد فإنما يجاهد لنفسه”.
وبالنظر لظروف وملابسات الرواية، نجد أن عبدالله ابن عمرو كان ممن اعتزلوا الصراع السياسي بين المسلمين، وكان يُلام على هذا الموقف من كل الأطراف من قبيل ترك الجهاد.
اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ١- فخ الوسطية
وهو ما يعني أن الجدال بشأن “مركزية الجهاد” وكونه ركنا أساسيا أم مسألة فرعية، هو جدال يعود لما بعد وفاة النبي وبدء الصراعات الداخلية بين المسلمين.
ورغم حث العديد من آيات القرآن على الجهاد -في السور الحربية على وجه الخصوص مثل “الأنفال والتوبة والأحزاب”- إلا أنها مفهومة في ظرفها الزمني ونشوء الصراع بين الإيمان والكفر.
لكن مع استقرار الدولة قل استدعاء هذه الآيات إلا لجهاد الطلب الذي شبه توقف في أواخر العصر الأموي؛ لهذا تتواجد كلمة “جهاد” في الأحاديث بنسبة أقل من القرآن.
هناك أحاديث أخرى تقيد الجهاد بإذن من ولي الأمر. وتعني بالجهاد الخروج للغزو الخارجي مع الإمام، وهو ما ينسجم مع ما استقر في الفقه الإسلامي.
ومع استقرار السلطة وبدء عصر التدوين صُنفت كتب الفقه مبتدئة بالعبادات الخمس، أما المسألة الجهادية ألحقت بالأبواب الأخيرة.
اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ٢- فقه الأولويات
صنفت كتب الفقه الجهاد على أنه مسألة فرعية وربطته بسلطة ولي الأمر باشتراط الإمامة. وإقراره فرض كفاية، مثل كثير من الكتب الجامعة والمركزية في التدوين الإسلامي والتراث ويعد كتاب “إحياء علوم الدين” الأشهر في هذه المسألة.
ويعني ربط سلطة الإمام بالجهاد، أن لا أحد يجرؤ على الدعوة إليه أو حث الناس عليه، ومن يفعل، يُنظر إليه بعين الريبة باعتباره ينازع سلطة الإمام حاشدا الناس لغايات أخرى.
وما استقر عليه الفقه الإسلامي هو نفسه ما استقر عليه مفهوم الدولة الحديثة، مثل احتكار الدولة للعنف والسلاح وحق إعلان الحرب وإدارتها، وهو مالا يحق للمواطن العادي أو الهيئات غير المختصة.
اقرأ أيضا: أفخاخ الإسلاميين: ٣- فخ الدعوة
ما حدث مع الإسلاميين، وتمريرهم للمفهوم وجعله مشاعا رغم وجود سلطة الدولة، مر بعدة مراحل:
فبعد انهيار دولة الإسلام المركزية ودخول الاحتلال الأجنبي، صاغ الإسلاميون مفهوما للجهاد، بصورته الفوضوية.
فرغم امتلاك مصر لدستور 1923 وإعلانها دولة دستورية مستقلة لها جيشها النظامي لاحقا بموجب معاهدة 1936، إلا أن هذا لم يمنع حسن البنا من الترويج للجهاد مبتكرا مصطلحه الأبرز “صناعة الموت” كقيمة ضرورية لبناء الأمة.
وجعل البنا الجهاد ركنا من أركان بيعته، وروج لمفهوم “الميتة الحسنة”، ثم تبعه الإسلاميون تحت ثلاث ذرائع:
الذريعة الأولى في رسالة حسن البنا إلى تنظيمه الخاص.
قال: لترى كيف يحض الله المسلمين على الحذر، وممارسة القتال في جيوش أو عصابات فرادى كما يقتضيه الحال. وهو ما يعني إمكانية تكوين ميليشيات صغيرة.
الذريعة الثانية كانت القضية الفلسطينية.
والتي تمت أسلمتها وتحويلها إلى قضية عقائدية تستوجب “الجهاد”.
الذريعة الثالثة كانت القضية الأفعانية.
وفيها كان التحول العملي والخطير. حيث انساقت الحكومات لهذا الفخ لتخرج الإرهابيين من السجون بكل أفكارهم الخطيرة وترسلهم إلى القتال. إلى جانب الدعم اللوجسيتي والإعلامي والشعبي دون حساب للعواقب المستقبلية.