أفخاخ الإسلاميين | (8) غفران الماضي | مدخل الإسلاميين لاستقطاب العناصر الإجرامية | هاني عمارة

أفخاخ الإسلاميين | (8) غفران الماضي | مدخل الإسلاميين لاستقطاب العناصر الإجرامية | هاني عمارة

27 Jan 2019
هاني عمارة دقائق.نت

هاني عمارة

باحث في جماعات الإسلام السياسي والتراث الإسلامي

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

من إنتاج 1987 وإخراج الراحل عاطف الطيب، يتناول فيلم “أبناء وقتلة” فترة السبعينيات في المجتمع المصري، عبر شخصية زهير، الشاب الجامعي، ووالده شيخون، تاجر السلاح محدث الثراء، وصاحب العلاقات المشبوهة والعمليات القذرة والماضي الإجرامي.

اليسار والإسلاميين في أبناء وقتلة

في أحداث الفيلم، يتعرض زهير، الشاب الطيب المتواضع رغم ثرائه، للتنمر والمزايدة من زملائه اليساريين في الجامعة حول ثراء والده – الرأسمالي اللص بنظرهم – وشبهات فساده، بما سبب له عقدة نفسية.

ومع سخرية اليساريين ولمز الزملاء من الطبقات البسيطة، كان زهير يُعامل من طلبة التيار الإسلامي بشكل أفضل، حاولوا دعوته للانضمام لصفوفهم، لكنه كان يرفض الاستجابة لهم.

لم يكن زهير مقتنعًا بسلوك والده ونمط حياته، وكان يبحث عن البراءة في سيرة والدته، التي ماتت وهو طفل رضيع لم يرها، من خلال حكايات عمته عنها.

الصورة المثالية عن والدته تتحطم عندما يكتشف بالصدفة أنها كانت راقصة في ملهى ليلي، وأنها غدرت بوالده وتواطأت مع ضابط شرطة سيئ السمعة للزج به في السجن، لتتزوج الضابط بعدها.

تتضاعف عقدة زهير العائلية ما بين فساد والده المالي وفساد والدته الأخلاقي، ليتجاوب مع زملائه الإسلاميين، وينضم إليهم، ويتحول سمته إلى الالتزام الإسلامي باللحية.

وبعد تعيينه معيدًا بالجامعة، يتخصص زهير في الاقتصاد الإسلامي، ويحب إحدى طالباته الملتزمات المحجبات ويخطبها، لتكشف الأحداث أنها ابنة الضابط سيئ السمعة الذي تزوج أمه، حيث سافر إلى الخليج بعد فصله من الخدمة لسوء سمعته، ولأن نساء أسرته ترتدين الحجاب في وقت لم يكن الحجاب منتشرًا.

أبناء وقتلة من الأفلام القليلة التي رصدت بشكل دقيق الدوافع النفسية والاجتماعية وراء تحول العديد من أبناء الطبقات البرجوازية محدثة الثراء إلى التيار الديني في تلك الفترة  أمام المد اليساري.

الإسلام يهدم ما قبله

إنه الفخ الذي نحن بصدده، والمعتمد على قاعدة فقهية تقوم على أن “الإسلام يجب ما قبله”؛ أي يمحو ما سبقه من الخطايا والذنوب.

روى مسلم عن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رضي الله عنه قال: لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الإِسْلامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي. قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ. قَالَ : تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي. قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ

من القصة أخذ جمهور الفقهاء قاعدة “الإسلام يجب ما قبله”، وتوسعوا فيها لتشمل الجرائم المدنية والجنائية، رغم كونها لا تدعم هذا التوسع بشكل مباشر، معتمدين على قصص أخرى.

أخطر تلك القصص على الإطلاق قصة إسلام المغيرة بن شعبة، الذي تروي كتب السير أنه خرج قبل إسلامه في رحلة قتل فيها رفاقه من بني مالك الأثرياء غدرًا وسرقهم، ثم عاد للنبي وأعلن إسلامه معترفًا بجريمته، فقبل النبي إسلامه قائلًا: “الإسلام يجب ما قبله”.

وليس للقصة سوى تفسير واحد؛ أن المغيرة بعدما ارتكب جريمته علم أنه سيخضع للقصاص بقواعد وأعراف الجاهلية لو عاد لقومه، فوجد أن الحل الوحيد هو الإسلام، الذي يكفل الدخول لمجتمع جديد لا يعترف بقوانين الجاهلية، ولا يحاسب على الماضي، فينعم بما سرقه.

عقدة الفيلم والواقع

نعود إلي الفيلم. زهير تخلص من عار أهله بالانضمام لمجتمع عقائدي يحتفي به، ولا يحاسبه على ماضيه، وكذلك فعل الضابط سيئ السمعة وأسرته.

هنا تكمن المعضلة التي يستند عليها الإسلاميون في استقطاب أنصار أكثر من التيارات الأخرى، وتمثل عقدة بلا حل حتى الآن.

مكونات منظومة الحقوق الحديثة، التي تعارفت عليها المجتمعات والدول، تنص على أن الحقوق والجرائم لا تسقط بالتقادم، لكن الإسلاميين لا يعترفون بتلك المنظومة؛ لأن لديهم منظومة حقوق موازية مستمدة من التراث الديني، بما يسهل عليهم قبول مجرمين بنظر القوانين الحديثة.

هذا الفخ يمثل حلًا سحريًا للكثيرين ممن يعانون عارًا مجتمعيًا، في مجتمع لا يرحم ولا يتفهم، خصوصًا من تورطوا في جرائم أخلاقية.

جني الثمار

جنى الإسلاميون ثمرة الفخ في الانتخابات المتتالية، عبر محاولة البعض تحسين صورتهم بإعلان تأييد “ممثلي الدين” في صناديق الاقتراع، واستقطاب الكثيرين من أبناء أصحاب المهن غير المجرمة قانونًا، لكنها محرمة أو سيئة السمعة بنظر الإسلاميين، ومن خلفهم المجتمع.

وفي النزاعات الأهلية التي شهدتها بعض الدول الدول بعد “ثورات الربيع العربي”، رأينا كيف تحول مجرمون إلى مجاهدين، وانضم بعض ضباط البعث بسهولة إلى داعش وأخواتها بعدما لفظهم المجتمع العراقي.

إنه مجتمع عقائدي جديد، لا يعترف بالدولة ولا بالحقوق المدنية. لن يسألك عن سوابقك وعقدك، ما دمت انضممت إليه، وآمنت بفكرته، لتتحول إلى إنسان جديد كيوم ولدتك أمك.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك