* تعريف الموت تغير على مدى آلاف السنين.. من توقف القلب لتوقف الدماغ، لكن الإحياء الجزئي لأدمغة الخنازير يقلب تعريفات الوفاة
* الروح العقلانية التي يتفرد بها البشر حاكتها خوارزميات الذكاء الاصطناعي
* تجربة إعادة إحياء الدماغ قد تتطور لتكنولوجيا بشرية تخدع الموت
مقال جديد لعالم الأعصاب الأمريكي الألماني كريستوف كوخ، كبير العلماء ورئيس معهد ألين لعلوم الدماغ، نشرته “ساينتيفك أمريكان” يطرح تساؤلات عديدة حول هذا الموضوع، ويحاول الإجابة عنها. نلخصه عبر:
س/ ج في دقائق
كيف عرَّفت البشرية الموت؟
على مر التاريخ، عرفت البشرية ماهية الموت بأنه توقف التنفس، ثم توقف القلب عن النبض لأكثر من بضع دقائق.
كل هذا تغير مع ظهور أجهزة التنفس الصناعي وأجهزة إنعاش نبضات القلب. في عام 1968، أعاد تقرير اللجنة المخصصة لكلية الطب بجامعة هارفارد تعريف الموت باعتباره غيبوبة لا رجعة فيها؛ أي فقدان وظائف المخ. التعديل بات في قوة القانون بموجب قانون تحديد الوفاة الموحد في عام 1981.
هذا التعريف ظل مستخدمًا في معظم أنحاء العالم المتقدم، بعدما تحول موضع الوفاة من الصدر إلى المخ. مع الوقت تأكد أن الوصف غير دقيق.
هل توقف الدماغ يعني الوفاة؟
لا يزال التوقف القلبي الرئوي يؤدي إلى الوفاة في الغالبية العظمى من الحالات،حيث ينهي وظائف المخ أيضًا. أما الوفاة الإكلينيكية التي تعرف بالغيبوبة التي لا رجعة فيها، وغياب الاستجابات، وردود الفعل الجذعية للدماغ أو التنفس، فهو تعريف مقصور على الدائرة الطبية، وحدة العناية المركزة. هناك يتم قبول المرضى الذين يعانون من إصابات في الدماغ أو صدمة الأكسجين أو غيبوبة استقلابية.
قد تكون وفاة الدماغ هي العامل المحدد للوفاة، لكن أحيانًا تستمر العمليات البيولوجية بعد توقف الدماغ، فيمكن إبقاء شخص ما “على قيد الحياة” أو على “دعم الحياة” لساعات أو أيام أو أكثر.
أجهزة دعم الحياة تحفظ عمل الصدر، ويستمر النبض، ويبدو شحوب الجلد طبيعيًا، وتستقر درجة حرارة الجسد.
يمكن كذلك أن يستمر نمو الأظافر، وأحيانا الحيض، مع تواصل بعض وظائف المناعة التي تسمح على الأقل للجسد بمكافحة العدوى.
الحالة تعرف بإنها جثة شبه حية. وتكرر وجودها كثيرًا. وأكثرمن 30 حالة معروفة لأمهات حوامل توفين دماغيًًا، لكنهن وضعن على جهاز التنفس الصناعي لدعم الجنين وإبقائه قيد الحياة حتى الولادة بعد أسابيع أو أشهر (وصلت لـ107 أيام في إحدى الحالات) بعد وفاة الأم.
ما مفهوم الروح؟ وهل يتم محاكاتها من خلال التكنولوجيا؟
منذ أكثر من ألفي عام، قال أرسطو إن أي جسم حي هو أكثر من مجموع أجزائه، مما يعني أن الروح لأي كائن حي – نباتًا أو حيوانًا أو شخصًا – هي جوهر هذا الكائن الحي. لكن هذا مفهوم إيماني، وأحيانا يستخدم بمعنى مجازي، لا يتعلق بالعلم.
يشمل جوهر الروح النباتية قوى التغذية والنمو والتكاثر. عندما تختفي هذه القدرات يتوقف الكائن الحي عن الحركة، مما يعني فقد روحه.
وتعرف الروح الحساسة على أنها قدرات كل من الحيوانات والبشر على الإحساس بالعالم وأجسادهم.
أما الروح العقلانية التي يتفرد بها البشر، وتظهر من خلال اللغة والكلام، يتم محاكاتها الآن بشكل متزايد بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
هل مصطلح “لا رجعة فيها” غير قابل للكسر؟
كلمة “لا رجعة فيها” في التعريف المعاصر للموت العصبي تتغير من وقت لآخر. في بداية القرن العشرين كان التنفس لا رجعة فيه، لكنه أصبح قابلًا للرجوع بحلول نهاية القرن.
بالتالي، فإن التفكير برجوع المخ أيضًا قد يكون ممكنًا، خاصة مع تجربة حديثة أثبتت أن هذه الفكرة ليست مجرد خيال.
التجربة أجراها فريق باحثين من جامعة يال على 32 خنزيرًا، تم قطع رأسها وبعد 4 ساعات من موتها حُقن مخ الخنازير بمواد كيميائية لتنشيطه من جديد، وربطه بآلة لضخ الدم فيها تسمى بـ “برين إكس”، وبالفعل عاد النشاط للمخ وعادت معه بعض الوظائف الأساسية.
لكن – حتى الآن وبشكل واضح – قطع رأس أي مخلوق وإعادة إنعاشها بعد هذه الصدمة الكبيرة يمكن أن يؤدي إلى أمراض عميقة، مثل: نوبات الصرع الهائلة، والهذيان، والألم العميق، والضيق، والذهان، وما إلى ذلك. ولكي لا يعاني أي كائن من هذه الطريقة، قام فريق التجربة بإعاقة الوظيفة العصبية للخنازير قبل إجرائها.
هل يمكن تطبيق تجربة الخنازير على البشر؟
أدمغة الخنازير كبيرة الحجم. قشرتها مطوية للغاية، مثل القشرة البشرية. العمليات الجراحية العصبية تخضع للاختبار بشكل روتيني على الخنازير قبل الانتقال إلى التجارب البشرية.. إذًا، فالإجابة العلمية: هي نعم، من حيث المبدأ، يمكن القيام بذلك.
الباحثون الذين أجروا عملية إعادة تنشيط دماغ الخنازير أوقفوا التجربة فورًا بمجرد ظهور إشارات حول إمكانية نجاحها لاعتبارات أخلاقية وقانونية.. لكن هل تستمر تلك الاعتبارات للأبد؟
كريستوف كوخ يقترح تكثيف النقاشات حول الاعتبارات الطبية والعلمية والقانونية والأخلاقية والفلسفية والسياسية لهذه التجربة، خاصة أننا لم نفهم بشكل أكثر وضوحًا ما إذا كان الدماغ الحيواني المعاد تشكيله سيظهر نشاطًا كهربائيًا نموذجيًا لعقل سليم، مع عدم وجود إحساس بالألم أو الضيق أو العذاب أم لا.
تقول مجلة ساينتفك أمريكان: عاجلاً أم آجلاً، في مكان ما على وجه الكوكب، سيحاول شخص ما خداع الموت مؤقتًا. ومع ذلك، فإن الخوف من قابض الأرواح لن يتوقف.