يصف مايكل سينغ، المدير الإداري لمعهد واشنطن، هجوم أرامكو بأخطر هجوم على البنية التحتية للطاقة في الخليج منذ غزو الكويت في 1990.
وتعتمد أسواق النفط العالمية على أرامكو بشكل كبير. وتستقبل محطة بقيق التي استهدفها الهجوم البترول من حقول المملكة العملاقة لمعالجته، ثم ضخه في شبكة أنابيب مترامية الأطراف قبل إرسالها إلى العملاء في جميع أنحاء العالم.
والعام الماضي، تدفق نحو نصف إنتاج المملكة العربية السعودية عبر المنشأة.
هجوم أرامكو قلص إنتاج السعودية من النفط بمقدار 5.7 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل 60% من إنتاج المملكة و 6% من المعروض العالمي، في أكبر تعطيل لإمدادات الطاقة في العالم منذ عقود.
خسائر الأسواق العالمية من هجوم أرامكو تجاوزت تبعات غزو الكويت في 1991، والذي نتج عنها حشد 35 دولة لإيقاف صدام حسين حينها.
وارتفعت أسعار النفط لفترة وجيزة بنسبة 20% بعد الهجوم.
وحافظت أرامكو حتى الآن على الصادرات، لكن مخزوناتها وصلت عند أدنى مستوى خلال 12 عامًا.
وبحلول 17 سبتمبر، استأنفت منشاة بقيق معالجة مليون برميلي من النفط. وقال أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو، إن القدرة ستستعيد بالكامل بحلول نهاية الشهر.
وحتى إذا استأنفت أرامكو عملياتها الكاملة سريعًا، فإن ضمانات استقرار سوق النفط لن تعود كما كانت؛ باعتبار أن الإمدادات الواردة من أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم أصبحت مهددة.
والعام الماضي، بلغ صافي أرباح أرامكو 111 مليار دولار؛ أي تقريبًا ضعف دخل آبل، وأكبر من أرباح إكسون موبيل، ورويال دوتش شل، وشيفرون، وبريتش بتروليوم وتوتال مجتمعين.
الحديث عن النفط الصخري باعتباره البديل بعدما جعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم قاصر، كون دونالد ترامب لا يمكنه زيادة الإنتاج صعودًا وهبوطًا لأنه ببساطة لا يتحكم في شركات الإنتاج.
كريس ميدغلي، مسؤول التحليلات الدولية في ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس لتحليل الطاقة لا يستبعد أن تعيد العديد من شركات إنتاج النفط الصخري السيولة للمساهمين بدلًا من زيادة الإنتاج حال تصاعد أسعار النفط.
هذا يعني أن السعودية لا تزال البنك المركزي لسوق النفط، مع قدرتها على تحريك الإنتاج صعودًا وهبوطًا بسرعة، بما يساعد على الحفاظ على استقرار الأسعار. وحتى مع استعداد أمريكا لأن تصبح مصدرًا صافيًا للنفط ، فإنها لا تزال تستورد 10 ملايين برميل يوميًا في العام الماضي، لأسباب ليس أقلها أن النفط الصخري ينتج الخام الخفيف، وكثير من مصافي التكرير بحاجة إلى الخام الثقيل.
هذا يعني أن ارتفاع أسعار النفط في أي مكان في العالم سيرفعها في الولايات المتحدة كذلك، وأن اعتقاد الرئيس ترامب أن هيمنة الطاقة الأمريكية تجعل البلاد أقل عرضة للتورط في النزاعات خارجها ليست صحيحة بالدرجة.
حال إثبات تورط إيران في هجوم أرامكو بالأدلة، سيصبح طريق ترامب لفرض عقوبات جديدة ممهدًا.
صحيح أن ترامب وعد فعلًا بالمزيد، لكنه استنزف تقريبًا بنك الأهداف. مجلة الإيكونوميست المعبرة بالأساس عن الكتلة الداعمة لاتفاق إيران النووي الذي تم التوصل إليه أيام أوباما صارت الآن أكثر تشددا. حيث حثت الأوروبيين على تقديم الدعم للرئيس الأمريكي في اتخاذ خطوات رادعة ضد إيران والدول التي تدعمها كالصين.
ولجأت إيران لتهديد الشحن في الخليج لإثبات أن بإمكانها فرض تكاليف على أمريكا وحلفائها. لكن ما قد يكون بدأ كوسيلة للتعبير عن استياء إيران قد تصاعد منذ ذلك الحين إلى أعمال أكثر خطورة مثل الهجوم الأخير على منشآت النفط السعودية، بما يفرضه من ضغوط اقتصادية على القوتين العظميين؛ الولايات المتحدة والصين. ويعرض الاقتصاد العالمي، والاوروبي بشكل خاص، لحالة من عدم الاستقرار.
انسحاب إدارة ترامب من اتفاق إيران النووي وتحولها إلى سياسة الضغط القصوى راجع بالأساس إلى فشل الاتفاق في كبح عدوان إيران الإقليمي، لكن إذا كانت إيران وراء هجوم يوم السبت، فإنه يدل على أن النظام أكثر عدوانية من أي وقت مضى.
في مايو/ أيار، استهدفت إيران أربع ناقلات نفط على سواحل الإمارات، ثم ناقلتين أخريين في مضيق هرمز في يونيو/ حزيران، ثم أسقطت طائرة أمريكية بدون طيار من دون طيار. سحب ترامب قراره بالرد بعد العدوان الأخير في اللحظة الأخيرة، لتشن طهران هجوم أرامكو.
ترامب متخوف من إشعال حرب جديدة في الشرق الأوسط؛ باعتبار أن دفع ظهر إيران إلى الحائط يعني أنها لن تملك إلا الرد على أي عمل انتقامي بقوة أكبر، لكن، ماذا لو مر عدوانها مجددًا دون دفع الفاتورة؟ ألن تعود – عاجلًا أم آجلًا – لاستخدام القوة مجددًا، ومعها شبح الحرب؟
ويركز ترامب على إجبار إيران على التفاوض بشروطه وتوقيع اتفاق أكثر شمولًا من الاتفاق الذي انسحبت من الولايات المتحدة، لكن نجاة طهران من العقاب مجددًا سيزيد ضعف الفصيل العملي لحساب المتشددين، الذين سيعتبرون أن إيران لن تحتاج لتقديم الكثير من التنازلات للنمر الأمريكي الورقي.
على العكس، سيقولون إن إيران يجب أن تضغط على الولايات المتحدة بتسريع برنامجها النووي، لذلك يتعين على واشنطن وحلفائها إقناع إيران بأنها لن تحقق أهدافها بمزيد من العنف.
وحتى فيما يخص مبيعات الأسلحة، حققت القوات السعودية نجاحًا محدودًا فقط في استخدام صواريخ باتريوت الأمريكية ضد الصواريخ الباليستية التي يسهل اكتشافها، لكنها لم تثبت كفاءة في صد تهديد الطائرات دون طيار وصواريخ كروز. الرئيس الروسي تصيد الموقف سياسيًا بالفعل في مناسبة سابقة، حين قال ضاحكًا – في مؤتمر صحفي مع نظيره الإيراني حسن روحاني – إن السعودية ربما تحتاج مستقبلًا للتزود بنظام s-300 الدفاعي الروسي الذي تستخدمه طهران.
مكانة الولايات المتحدة باعتبارها الضامن النهائي للأمن في المنطقة معرضة للضرر كذلك حال ترك حليفتها السعودية تواجه العدوان الإيراني وحدها.
ترامب يواجه الآن ما وصفه مقال في صحيفة التايمز بـ “لحظة أوباما”. أي يواجه شبح تشبيهه بأوباما في تردده، وهي النقطة التي استغلها ترامب في انتقاداته المتكررة للرئيس السابق.