في صيف 2014، رسخت داعش نفسها باعتبارها المنظمة الإرهابية الأكثر دموية في الشرق الأوسط.. أبو بكر البغدادي أعلن “الخلافة”، بينما يواصل مقاتلوه عمليات الإبادة الجماعية في شمال العراق.
وصل مقاتلو داعش إلى حدود كردستان العراق، على مسافة قريبة من عاصمة الإقليم في أربيل، لكنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة مع البيشمركة عند بلدة مخمور..
إيران كانت تلعب دورًا مهمًا حينها. دورًا كاد يمنحها موطئ قدم بين أكراد العراق.. لولا تطورات لم تكن في الحسبان.
تسريبات إيران حملت تفاصيل جديد حول تلك الفترة. أوجزناها لكم
س/ج في دقائق
البحث عن موطئ قدم.. كيف وطدت إيران علاقتها مع قوى الأكراد الأصغر؟
حملة الاستخبارات الإيرانية ضد داعش لم تكتف بدعم الميليشيات الشيعية، بل عملت على إيجاد شركاء سنة وأكراد “معتدلين أو على الأقل على استعداد للعمل مع إيران”.
بدأت إيران تدشين علاقات مع أحزاب الأكراد الأصغر، مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الكردستاني، الذي يرأسه محمد حاجي محمود، القائد الكردي الذي أمضى عقودًا في جبال كردستان يقود حركة مقاومة ضد صدام حسين. كان الحزب يفتقر إلى الروابط القوية والدعم العسكري من القوى الغربية.. وجد ضالته في إيران.
عندما هاجم داعش كردستان العراق في 2014، انضم محمود بنفسه إلى المعارك.
وفي أواخر نوفمبر، قُتل ابنه في معركة ضد داعش قرب كركوك. بعد أسبوع ونصف، ظهر وفد وزارة الاستخبارات في مكتب محمود لتقديم العزاء.
في يناير، بعد نحو ستة أسابيع من الزيارة، التقى ضباط الاستخبارات مع محمود مجددًا. وفقا لتقريرهم، شكر الزعيم الكردي الإيرانيين على تقديم “تدريب عسكري وأمني خاص” لنحو 30 من مقاتلي البيشمركة التابعين لحزبه في السليمانية؛ تكريمًا لابن محمود.
ووفق التقرير نفسه، أرسلت إيران مقاتلين مدعومين منها إلى جبهة قرب مخمور، حيث ساعدوا في هزيمة داعش.
قال محمود للإيرانيين، إنهم لعبوا دورا جيدا في هزيمة التكفيريين”، وأن مقاتليه طبقوا الدروس التي تعلموها”. في تدريبات إيران.
وفق التقرير، تحدث الطرفان عن “تدريبات مستقبلية” داخل العراق.
التطورات حولت إيران على الأقل إلى دولة صديقة للأكراد العراقيين مع بعض التشابه بعلاقة الولايات المتحدة بالمسلحين الأكراد في سوريا.
كيف ساعدت إيران الأكراد في هزيمة داعش؟
العقيد سرود صالح، القائد الكردي لمعسكر “النمر الأسود”، يقول إن انتصارات البيشمركة بدأت من معركة مخمور. هناك بدأ تدخلان عسكريان أجنبيان؛ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، الذي قدم الدعم الجوي والأسلحة الثقيلة، والآخر إيران عبر إمدادات الذخيرة والتدريب والدعم الاستخباراتي.. المساهمة الأمريكية كانت أكبر، لكن إيران كانت أسبق.
محلل كردي كان حاضرًا أثناء المعركة، وطلب عدم الكشف عن هويته قال لـ “The Intercept” إن المؤسسات الأمنية في إيران غالبًا ما تكون قادرة على اتخاذ القرارات والتصرف بسرعة أكبر في حالات الطوارئ من نظرائهم الأمريكيين، الذين يضطرون إلى التنقل عبر شبكة من البيروقراطية.
في الأشهر التي سبقت المعركة، تلقى بعض البيشمركة الذين قاتلوا في مخمور مساعدة من المستشارين الإيرانيين المرتبطين بوزارة الاستخبارات.
تسريبات إيران تكشف كذلك كيف ساعد تعاون إيران مع الأكراد على اختراق صفوف داعش.. إيران عملت على جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول رؤية قادة العراق السنة لتهديد داعش، وسيرة مفصلة ودقيقة لأبو بكر البغدادي، بجانب جمع تقارير يومية حول أنشطة التنظيم.
مصادر الاستخبارات الإيرانية اخترقت قيادة داعش نفسها. إحدى الوثائق تسرد تفاصيل مداولات داخلية من اجتماع عقد في ديسمبر 2014 لكبار قادة داعش، بما في ذلك البغدادي. حينها، كان داعش يستعد لهجوم من الجيش العراقي، وميليشيات شيعية، والبيشمركة الكردية، على الأراضي التي يسيطر عليها في نينوى.
هل وصلت شبكة إيران إلى حكومة كردستان؟ وإلى أي مدى؟
لا تحمل تسريبات إيران إجابة عن سؤال “كيف”، لكنها تزعم إن العلاقة وصلت إلى رئيس الحكومة نفسه وبتنسيق عالي المستوى!
وفق تقرير كشفته تسريبات إيران، فإن رئيس وزراء كردستان نيجيرفان بارزاني التقى بمسؤولين أمريكيين وبريطانيين كبار ورئيس الوزراء العراقي حينها حيدر العبادي في بغداد في ديسمبر 2014، ثم توجه فورًا لنقل ما جرى إلى مسؤول إيراني.
متحدث باسم بارزاني قال إنه لا يتذكر مقابلة أي مسؤولين إيرانيين حينها، قائلًا إن البرقية “لا أساس لها من الصحة”. نافيًا إخبار الإيرانيين بتفاصيل محادثاته مع الأمريكيين والبريطانيين.
لماذا انهارت العلاقة بين إيران والأكراد في العراق؟
الانهيار الرئيسي لمحاولة التقارب حدث في 2017، عندما أجرى أكراد العراق استفتاءً حول الاستقلال الكامل عن العراق أثار قلق إيران.
خططت حكومة بغداد لحرب ضد الأكراد. هنا وقفت إيران مع الحكومة. وفي أكتوبر 2017، فقد البيشمركة بلدة مخمور مجددًا، هذه المرة لحساب الحكومة العراقية المدعومة من إيران.
الجنرال بهرام عريف ياسين، أحد قادة البيشمركة، يقول إن الأكراد توقعوا الدعم بعد التضحيات التي قدموها نيابة عن العالم كله في معركة داعش، لكن كل الدول المجاورة لم تحترم صوت الشعب الكردي”.
يضيف: “حتى تركيا لم تغلق حدودها أمامنا، لكن إيران فعلت”.
الدعم الذي قدمته إيران للأكراد العراقيين ضد داعش في عام 2014 بات مجرد ذكرى بعيدة، طغت عليها مساهمة إيران في الغزو العراقي الأخير لمخمور.
تنبأت وزارة الاستخبارات بهذا الانقسام مع الأكراد، لكن أسباب الانقسام لم تكن كما توقعوا.
تقرير في سبتمبر 2014، أعرب عن الأسف لعدم التنسيق بين الولايات المتحدة وإيران في الحرب ضد داعش، معتبرًا أن عزل العالم لإيران قد يجبر الأكراد على “الحفاظ على موقفهم البعيد” عن إيران بنهاية الحرب، حتى بوجود حلفاء أكراد مقربين.