أستاذ الأمراض المعدية في جامعة ميلانو ماسيمو جالي يعترف بأنه لا يملك تقديرًا دقيقًا لبداية ظهور مرض COVID-19 الناتج عن فيروس كورونا في إيطاليا لأول مرة، لكنه يؤكد أن الأدلة الأولية تشير بوضوح إلى أن انتشار العدوى ليست حديثة، تعود إلى منتصف يناير.

خبراء آخرون عززوا مقالة جالي. قالوا إن بدايات ظهور فيروس كورونا في إيطاليا ربما تعود إلى أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على الأقل قبل تسجيل أول حالة رسميًا في 20 فبراير، وقبل وقف الرحلات الجوية بين إيطاليا والصين في نهاية يناير.

بدأ انتشار المرض، وباتت إيطاليا ثاني أكبر دولة تسجل عدد إصابات بفيروس كورونا، وثاني بلد يفرض قيودًا شديدة الصرامة على حركة المواطنين بعد الصين. وهنا تظهر نقطة أخرى ساعدت على نشر الوباء أكثر.

بالتزامن، نشرت الجارديان ما يشير إلى خطر آخر. قالت إن اختبارات معملية أجريت على مصاب إيطالي أظهرت اختلافات جينية بين سلالة الفيروس التي ظهرت عنده مقارنة بالسلالة الأصلية التي ظهرت في الصين.

فيروس كورونا الجديد.. هل يحصد شبيه الأنفلونزا 70% من سكان العالم؟ | س/ج في دقائق

الخلل السياسي واضح، بحسب وول ستريت جورنال. رئيس الوزراء جوزيبي كونتي يقود تحالفًا فريدًا بين يسار الوسط الذي يمثله الحزب الديمقراطي وحركة النجوم الخمس الشعبوية، وهما حزبان لم يكونا أبدًا على وفاق.. حركة النجوم الخمس تشكلت بالأساس لإزاحة الحزب الديمقراطي من السلطة، ونجحت في ذلك فعلًا بالتحالف مع حزب رابطة الشمال اليميني قبل ستة أشهر فقط، قبل أن ينهار التحالف، فتعيد الحركة يسار الوسط للسلطة بتحالف جديد.

مشهد الصراع السياسي هذا حول إيطاليا إلى نموذج لسوء إدارة الأزمة. الحكومة تلقت تقارير أولية عن وقوع التهديد في يناير. زعيم رابطة الشمال ماتيو سالفيني تزعم حينها تيارًا يدعو لموقف متشدد بإعلان حالة الطوارئ الطبية، فاتهمته قيادات التحالف الحكومي باستغلال المشهد لترويج برنامجه السياسي المناهض للهجرة.

مرسوم سالفيني يكافح الهجرة إلى إيطاليا.. لماذا وكيف؟ | س/ج في دقائق

عالم الفيروسات روبرتو بوريوني قال إن تلك الإجراءات القاسية ضرورية بالفعل لاحتواء الانتشار، فاتهمه أنصار الحكومة بالفاشية والانتصار لسالفيني. قبل أن يتدخل والتر ريكياردي، عضو اللجنة الاستشارية الأوروبية لمنظمة الصحة العالمية، معتبرًا أن الحكومة ارتكبت خطًا فادحًا بعدم وضع القادمين من الصين تحت الحجر الصحي.

حاولت الحكومة تدارك الخطأ فألغت الرحلات الجوية مع الصين، لكنها سمحت لآلاف المسافرين بالتوافد على إيطاليا من الصين عبر المطارات الأخرى.

كل تلك الأخطاء اقترنت باستراتيجية تواصل مشوبة بعدم اليقين والارتجال والتسريبات المستمرة للصحافة. كونتي قال إن الحكومة كانت في مرحلة ما بحاجة إلى إرسال “رسائل غامضة ” إلى المواطنين، مما أثار المزيد من ردود الفعل الغاضبة.

الحكومة طمأنت المواطنين بأن فيروس كورونا “أكبر قليلًا من الأنفلونزا العادية”، قبل أن يعلن حاكم لومبارديا أتيليو فونتانا دخوله العزل الطبي طوعًا بعد أن ثبتت إصابة أحد مساعديه.

حتى بعد انتشار المرض، استمر الاستغلال السياسي، سالفيني روج لفشل الحكومة في مواجهة كورونا باعتباره مدعاة لتشكيل حكومة وحدة وطنية. أما حزب فراتيلي دي إيطاليا فروج إلى أن كورونا جاء من ألمانيا ليتناسب مع روايتهم القومية.

يظهر تحليل للبيانات أجراه الإيكونوميست أن أوبئة مثل كورونا تكون عادة أكثر فتكًا في الأنظمة الاستبدادية من الديمقراطيات ذات التدفق الحر للمعلومات والنقاش المفتوح، لكن اختلال النظام السياسي في إيطاليا، وما تصفه المجلة بـ “طبقة حاكمة من الهواة والقادة قصيري النظر المستمرين في الشجار أثناء موت الإيطاليين”، فربما يمكن أن ينتهي الحال بجعل المستبدين في بكين أكثر كفاءة في لحظات الأزمة.

عدد الوفيات المرتفع في إيطاليا يثير قلق خبراء الصحة. يقول الكثيرون أنه إذا كان من المرجح أن يموت الإيطاليون، فمن المحتمل أن تكون التركيبة السكانية جزءًا كبيرًا من السبب.

جورجيو بال، عالم الفيروسات بجامعة بادوا، يقول: “من وجهة نظر بيولوجية، لا يمكن تفسير ذلك. الشيء الوحيد الذي نعرفه على وجه اليقين هو أن متوسط السن في إيطاليا أعلى منه في بقية أنحاء العالم”. وما دام كورونا يقتل كبار السن بنسبة أعلى فهذا يعني أن الموتى في إيطاليا ستكون نسبتهم أعلى.

في إيطاليا، 58٪ من مرضى كورونا الذين توفوا حتى الآن تجاوزوا 80 عامًا، و31٪ آخرون في السبعينيات، وفقًا للمعهد الوطني للصحة في إيطاليا.

كبير علماء الأوبئة بالمعهد  يقول إن معدل الوفيات سيتشابه مع الصين إذا جرى تقسيمه وفقًا للفئات العمرية، لافتًا إلى العدد الكبير من السكان كبار السن في إيطاليا.

سياسة الاختبار الإيطالية تساهم أيضًا في ارتفاع نسبة الوفيات مقارنةً بالعدوى المعروفة. الاختبارات في إيطاليا على المصابين بأعراض واضحة واتصالات معروفة مع المناطق المعرضة للخطر. هذا يعني أن العديد من الأشخاص الذين يحملون الفيروس ولكن لديهم أعراض خفيفة أو لا تظهر عليهم أعراض لا يخضعون للاختبار.

كما أن المشكلة الأكبر هي الموظفين، فلا يوجد ما يكفي من الأطباء والممرضات المتخصصين لوحدات العناية المركزة. فتضم أجنحة العناية المركزة في جميع أنحاء البلاد بالفعل حوالي 3 آلاف طبيب- قبل اندلاع كورونا-، وفقا للاتحاد الذي يمثلهم.

الأطباء والممرضات الذين يتعاملون بالفعل مع الأزمة ينتدبون لأقصى الحدود ويعملون ساعات إضافية ويمرضون أنفسهم في كثير من الأحيان. في لومبارديا، يشكل الطاقم الطبي حوالي 12٪ من المصابين.