* موجة الاحتجاجات الحالية في مناطق شتى من العالم غير مسبوقة منذ التسعينيات.. ربما ليست مسبوقة أبدًا!
* الأوضاع الاقتصادية والديموغرافية ونظرية المؤامرة.. تفسيرات جاهزة للسبب.. هل تكفي؟
* السوشال ميديا عامل مهم.. لكنه ليس المتغير الوحيد!
س/ج في دقائق
لماذا توصف بغير المسبوقة؟
مظاهرات كبيرة مناهضة للحكومات، بعضها سلمي وبعضها دموي، جرت في الأسابيع الأخيرة في بلدان: الجزائر، بوليفيا، بريطانيا، كاتالونيا، تشيلي، إكوادور، فرنسا، غينيا، هايتي، هندوراس، هونج كونج، العراق، كازاخستان، ولبنان، قبل أن تصل باكستان.. والقائمة مفتوحة.
لم يشهد العالم موجة احتجاجات مماثلة منذ موجة “سلطة الشعب” في آسيا وأوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات. قبلها كانت الاضطرابات العالمية التي حدثت في أواخر الستينيات واكتسحت عددًا من الدول، محققة أرقامًا قياسية وقتها في الاحتشاد.
الموجات السابقة مع ذلك مختلفة.. كانت أكثر ترابطًا من الاضطرابات العالمية الحالية التي توصف بأنها حركات عفوية وبلا رابط، رغم “شبه تماثل” المطالب.
في لبنان، تظاهر المحتجون رفضًا، في البداية، لفرض ضريبة جديدة على مكالمات واتساب، قبل أن تتسع المطالب وتتحول إلى حركة احتجاجية يومية. في باكستان يحتجون على مزاعم التزوير الانتخابي، تردي الوضع الاقتصادي، وتزايد مستويات الفساد الرسمي.
في هونج كونج، يعترضون على مقترحات تشريعية تسمح بتسليم المشتبه فيهم جنائيًا للصين. في كتالونيا يحتجون على أحكام سجن طويلة المدى لمناصري استقلال الإقليم. في بريطانيا، يثير البريكزيت احتجاجات لدى معارضيه.
3 عوامل “افتراضية” لتفسير تزامن الاحتجاجات.. ما هي؟
الإيكونوميست تقول إن الأسباب الداعية لقيام هذه الاحتجاجات يمكن تفسيرها بثلاثة مداخل: الاشتراكيون يرونها ضد الرأسمالية، فريق آخر يفسرها بالتغيير الديموغرافي الذي واكب طفرة المواليد، وثالث يفسرها بمؤامرات قادمة من الخارج.
المدخل الاقتصادي لتفسير قيام المظاهرات يتعلق بحدوث بتغير في مستويات المعيشة (ارتفاع بنسبة 4٪ في أسعار المترو في تشيلي، على سبيل المثال).
بالنسبة لليسار، هذه القرارات تعبر عن معارضة لرأسمالية مختلة وظيفًيا، كما ترى مجلة ريد فلاج الاشتراكية الأسترالية، التي تقول: “على مدى أكثر من أربعة عقود، خربت دولة تلو الأخرى بسياسات نيوليبرالية تهدف إلى جعل جماهير العمال والفقراء يدفعون ثمن أزمات النظام المتزايدة”.
حتى محبي الأسواق الحرة يرون أن عدم المساواة المتزايد في عدد من البلدان هو سبب الاستياء المتنامي، ويأخذون على ذلك نموذج تشيلي.
المدخل الديموغرافي يقود إلى تعريف الاحتجاج بأنه نشاط للشباب إلى حد كبير، وسبب زيادته أن الإنسانية شابة نسبيًا، متوسط سن الأحياء في العالم أقل من 30 عامًا، وثلث سكان العالم تقل أعمارهم عن 20 عامًا.
يربط المؤرخ نيال فيرجسون، في صحيفة التايمزاللندنية، هذه الموجة بموجة الستينيات، ويشير إلى أن الفترتين شهدتا “فائضًا من الشباب المتعلم”؛ بسبب طفرة التعليم العالي، ما نتج عنها المزيد من الخريجين الذي يحتاجون لوظائف.
يُنظر إلى الموجة الحالية كذلك على أنها احتجاجات للشباب الذي عاصروا الأزمة المالية العالمية في 2007-2008، وكانوا وقتها في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينات.
أحد المداخل الأوسع هي “نظرية المؤامرة”، إذ تلجأ الحكومات بطبيعة الحال لربط الاحتجاجات بمؤامرة القوى الخارجية الشريرة.
في هونج كونج، أشارت وزارة الخارجية الصينية إلى أن الاحتجاجات كانت “إلى حد ما مرتبطة بالولايات المتحدة”.
وفي أمريكا اللاتينية، انتشرت النظريات القائلة بأن النظامين الاشتراكيين في كوبا وفنزويلا يثيران الاضطرابات في جميع أنحاء القارة لصرف الانتباه عن مشاكلهما.
هل تكفي العوامل الثلاثة لتفسير تزامن الاحتجاجات؟
ربما لعبت العوامل الاقتصادية والديموغرافية وحتى التدخل الخارجي دورًا في بعض الاحتجاجات.. لكن لا يمكن التعميم، بحسب الإيكونوميست.
صحيح أن الاقتصاد العالمي يواجه العديد من المشكلات حاليًا، لكنها أقل مما حدث قبل عقد من الزمن، عندما كان العالم على شفا الكساد وارتفاع معدلات البطالة، لكن وقتها خرج عدد أقل بكثير من الناس إلى الشوارع.
وتميل الاحتجاجات إلى أن يهيمن عليها الشباب، لكن إحدى السمات البارزة للعديد من المظاهرات – من مسيرات ” بريمن ” في لندن إلى الاحتجاجات المناهضة للصين في هونغ كونغ – هي عدد الذين خرجوا ممن هم في منتصف العمر وكبار السن أيضًا
وفيما يتعلق بالتدخل الأجنبي، فلا أحد- باستثناء الهائمين في نظريات المؤامرة- يعتقد حقًا أن هناك عقولا تدبر الأوضاع وتمسك بخيوط دول العالم أجمع.
هل من نظرية تفسر تلك الموجة الاحتجاجية؟
البحث عن نظرية موحدة للتفسير شيء بلا معنى، لكن التفسير النفسي يبدو الأقرب لتوصيف الحالة بحسب الإيكونوميست. باختصار، يجد المحتجون التظاهر أكثر إثارة ومتعة من كدح الحياة اليومية، وعندما يبدأ البعض ذلك، يصبح التضامن موضة.
منصات السوشال ميديا تعمل على سرعة انتشار التضامن، ودعم الاحتجاجات. الهاتف الذكي في يد كل متظاهر هو بمثابة بوق إعلامي يدعو آخرين للتظاهر في نفس البقعة أو في مكان آخر.. تؤثر كذلك في خلق فكرة القوة.. الاختيار الانتقائي لدائرة التواصل، وبالتالي اختيار المستخدم لمتابعة الأصوات التي يتفق معها فقط مع القدرة على إسكات الآخرين تمنح شعور الشحن بمنطق.. “نحن كثيرون، لكن لا أحد يسمع لأصواتنا”.
ومع اعتقاد المحتجين أن استخدام القنوات السياسية التقليدية بات عديم الجدوى، وأن أصواتهم ليست مؤثرة، ولن تغير الواقع إلى الشكل الذي يحلمون به، خصوصًا في حالات الحكومات الاستبدادية التي تسمح في أفضل الأحوال بإجراء انتخابات مزيفة، يصبح الشارع هو السبيل الوحيد.
سبب لآخر متعلق بنمو مرتبط بالتعصب، سببه انهيار قيم الديمقراطية في النمط الغربي، حيث لا يوافق الخاسرون على قبول حكم الفائزين حتى الانتخابات المقبلة.