البؤس حالة نفسية يتعرض لها الكثير من الأشخاص عند مرورهم بمواقف صعبة لا يمكن تحملها، وقد يصل البؤس لدرجة الاكتئاب وحتى الانتحار؛ لذا البؤس موضوع مهم لا يقل في قيمته عن غيره من المواضيع الحساسة التي تحتاج لمناقشة وإدراك أكبر لجميع جوانبه، ومن أهم الروايات التي تحدثت عن مساوئ البؤس هي رواية البؤساء للكاتب فيكتور هوجو وهي إحدى الروايات الأكثر مبيعًا على مستوى العالم.

كان من الضروري أن نتناول هذا المصطلح بما يحتويه من أفكار بداخله، فهو معركة صعبة يجب أن ينتصر فيها الإنسان، ومن خلال هذا المقال سوف نتطرق إلى تعريفه ومعناه، أسبابه ودوافعه وكيفية علاجه والفرق بينه وبين اليأس ومفهوم كلا منهما.

البؤس لغويًا

البؤس له معنى واضح وقوي يجب معرفته جيدًا للتفريق بين البؤس واليأس بشكل صحيح ومعرفة ما تكمنه الكلمة من معنى؛ لذا وجب التعرف على الكلمة في القاموس فمعناها يتحدد على حسب موقعها في الجملة.

والبؤس في معجم اللغة العربية المعاصرة تعني الفقر وشدته، وفي مواضع أخرى تعني الشجاعة، وتأتي أيضًا بمعنى اشتد وقوي الشيء.

ذكر أيضًا معنى كلمة البؤس في معاجم عديدة  كالغني والرائد والوسيط، وأتت فيهم جميعًا بمعنى الفقر الشديد والوضع المذري.

البؤس اصطلاحًا

والآن ما يجب أن نعرفه هو المعنى العام للبؤس وليس المعنى اللغوي فقط، إذا ما هو البؤس؛ يقصد به هنا الحالة النفسية، أي أن الإنسان يتعرض للكثير من المواقف الصعبة والخذلان .

وهو حالة الحزن والاكتئاب التي تصيب الإنسان ناتج مواقف صعبة مرت بحياته، وهو حالة صعبة إذا وصل إليها شخص ما فإنها قد تودي به إلى الانتحار، كي يتخلص من هذا الاحساس الصعب الذي يعيشه.

يتوقف مصير الإنسان مع البؤس والاكتئاب على قوة عزيمته، وإرادته العالية للتخلص من هذا الشعور القاتل والمؤسف، معركة البشر مع البؤس لا نهاية لها، فالحزن والهم لن ينقضي من تلقاء نفسه؛ لذا يجب عدم السماح للبؤس بغزو حياتنا.

الفرق بين اليأس والبؤس

والآن ما  الفرق بين اليأس والبؤس؛ كما ذكر مسبقًا أن البؤس حالة الإنسان التي إذا وصل إليها فإنه لا يبالي بمتاعب الحياة ولا يبذل جهد لحل مشكلاته.

أما اليأس فهو حالة يصل إليها الإنسان بعد المرور بالعديد من المحاولات الفاشلة، فيشعر بأن كل ما خاضه بلا جدوى أو أي فائدة.

كثيرًا ما نسمع مقولة أن اليأس مفتاح البؤس وإذا تأملنا قليلًا هذه العبارة نجد أنها صحيحة وواقعية للغاية، حيث أن تلك المقولة تعني أن الإنسان عندما يحاول تنفيذ شيء أو تحقيقه أكثر من مرة وكل محاولاته تبوء بالفشل الذريع وأحس باليأس من تحقيق مطلبه؛ فالناتج من إحساسه باليأس والفشل وفقدان الشغف فإن عزمه وهمته يقلان إلى أن يصل لمرحلة البؤس وهي مرحلة اللاشيء والخمول النفسي، أي أن الإنسان يصبح غير مهتم مرة أخرى بالمحاولة أو حتي التفكير فيما حاول إنجازه مسبقًا ويشعر بأن تحقيق هذه الأشياء أصبح من المستحيل.

وعلى الرغم من وجود اختلافات كثيرة بين اليأس والبؤس إلا أن هناك أيضًا بعض التشابه، حيث إن اليأس والبؤس يشتركان في أن كل منهما حالة سيئة ومزرية يشعر بها الإنسان، وتتحطم عندها كل آماله في السعادة والتفاؤل.

لا يجب أن يستسلم الأشخاص لحالات الحزن والشعور بالألم الذي ينتابهم بسبب ما يحدث لهم، فالإنسان بطبعه قوي على مر الزمان، ويجب أن يقاوم أيضًا ذلك الإحساس البغيض الذي قد يكون سببًا في أن تصبح حياته جحيمًا، وتصبح بائسة.

ومن النماذج الواضحة على مدى خطورة البؤس واليأس في حياة الإنسان؛ هو الرسام العالمي فان جوخ الذي دفعته حالة النفسية إلى الانتحار، تاركًا خلفه رسالته الشهيرة و اللوحة الأكثر مبيعًا في العالم لوحة البؤس فان جوخ

أسباب البؤس

قد يكون من أهم أسباب البؤس والهم التي ينتج عنها وصول الإنسان إلى هذه المرحلة من تعب نفسي واكتئاب هو ضعف الوازع الديني.

قال الله تعالى “لا تقنطوا من رحمة الله” سورة الزمر – الآية 53، وفي آية أخرى “ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون” سورة يوسف – الآية 87.

قد يكون أيضًا الفشل في العمل أو الدراسة أو الزواج سبب وجيه ودافع قوي للإنسان يؤدي به للشعور بالبؤس والهم وفقدان الشغف.

عدم التكيف وعدم القدرة على التأقلم مع الظروف والأحوال المحيطة وعدم القدرة على إيجاد حلول للمشكلات سبب قوي للبؤس والحزن.

بعض الأشخاص يعانون بالفعل من أمراض نفسية، مثل: الانطوائية والعزلة مما يؤدي بهم بدوره إلى الدخول في حالة من الحزن والبؤس .

تمر بالإنسان أزمات كثيرة عبر مسيرة حياته ومن أصعبها ضيق الوضع المادي خاصة في وقتنا هذا وعدم قدرته على توفير جميع الاحتياجات.

ضيق الوضع المادي في بعض الأحيان ومع بعض الأشخاص قد يصل بهم لمرحلة صعبة من الاكتئاب والحزن والهم مما يصيبهم بالبؤس.

قد نجد العديد من الشباب والمراهقين لديهم سلوكيات غريبة وذلك غالبًا ما ينتج عن التفكك الأسري أو المشاكل الأسرية الصعبة والدائمة.

البعض لا يستطيع تحمل تلك المشاكل ويتمنى لو لم تكن موجودة لينعم بجو أسري دافئ وعند وجود العكس ينتابهم الشعور بالبؤس.

الشعور بالخذلان خصوصاً من الأشخاص المقربين والأهل أو الأصدقاء، يشعر الشخص بصدمة نفسية وحالة اكتئاب وإن لم يتجاوزها يصاب باليأس.

الأصدقاء بعضهم يكون سلبي ويبث طاقة سلبية غير مشجعة، هذا النوع من الرفقة يكون سبب قوي في الشعور باليأس.

طرق علاج البؤس

هناك بعض الطرق والنصائح التي إذا التزم بها الأفراد الذين يعانون من البؤس والهم قد تساعدهم لتخطي وتجاوز تلك الحالة والعودة للسلام النفسي.

أول تلك الطرق يكمن في تعزيز الثقة بالله والتأكد من أن كل ما يحدث لنا هو تدبير الخالق وإرادته وكل ما هو آت من عند الله خير.

التفكير بإيجابية وعدم النظر للأمور بنظرة بائسة تشاؤمية، بل بالعكس نتمسك بالأمل وبما نتمنى تحقيقه والصبر والمثابرة من أجل الحصول على مبتغانا.

من أكثر النصائح أهميه لعلاج اليأس والبؤس هو البعد عن الأصدقاء أصحاب النظرة البائسة الذين لا يمنحوا أبدًا أي دفعة تشجيعية أو أمل.

عدم الهروب من المشكلات التي تواجهنا ومحاولة إيجاد الحلول لها وعند العجز عن ذلك فلا مانع من استشارة من هم أكبر سنًا وأكثر خبرة.

ممارسة التمارين الرياضية والتي تساعد على الاسترخاء والاستجمام وتصفية الذهن مثل اليوجا فإن تأثيرها قوي على الراحة النفسية.

الصبر فهو دافع قوي  في تحمل الصعاب؛ ومعرفة أن ما نمر به هو مجرد وقت ضيق لا أكثر والصبر على الشدائد يلهمنا الشعور بالراحة والبعد عن اليأس.

بالإضافة إلى ذلك يجب التيقن أن كل ما يفعله الإنسان على قدر من الأهمية حتى لو كان أمر بسيط وإن هذا سيعود عليه وعلى غيره بخير وفائدة.

الاستماع للموسيقى الهادئة يعمل على ارتخاء الأعصاب؛ فعندما يشعر الإنسان بالانهزام يجب أن يأخذ قسطًا من الراحة للهدوء والعودة من جديد.

عندما يصاب الشخص بالحزن فإن علاقته بنفسه تصبح متوترة ويصبح دائم الحديث عن نفسه بطريقة سلبية قد تسبب له مضاعفات نفسية؛ لذا يجب أن لا يقلل من نفسه ومن قدراته، ولا أن يسمح لأي شخص بالتعدي علىه والتقليل من شأنه، فالإنسان ذو قيمة دائمًا.