البحر الأحمر.. المسطح المائي الفاصل بين آسيا وأفريقيا، والممتد لما يقرب 2000 كم قاطعاً المسافة من بحر العرب إلى البحر المتوسط، وبعرض 200 كم في المتوسط. من خلاله يمر ما يقرب من 20% من التجارة الدولية (16 ألف سفينة سنوياً).
هو شريان النفط من منابعه في الخليج إلى مواطن الاستهلاك في أوروبا. 4 مليون برميل نفط تمر من خلال البحر الأحمر سنوياً.
ربما يكون البحر الأحمر الإقليم الأخطر في العالم من حيث حجم الصراعات، القائمة والكامنة، على ضفتيه. على جانبه الآسيوي تشتعل حربٌ في اليمن منذ 2015 حيث البلد غارقٌ في صراع أهلي قضى على ما تبقى من أي مظاهر للدولة أو السيادة.
وعلى ضفته الأفريقية حدث ولا حرج: حروبٌ أهلية مزمنة، جماعات إرهابية تُسيطر على مساحات واسعة من الأرض، لاجئون ونازحون بالملايين، تغيراتٌ مناخية أفضت إلى موجاتِ جفافٍ ومجاعات.
على ضفاف البحر الأحمر تعمل جماعةٌ من أخطر التنظيمات الإرهابية هي تنظيم الشباب الصومالي ويبلغ عدد أفراده ما يقرب من عشرة آلاف.
الصومال هي الدولة الأكثر تصديراً للاجئين على مستوى العالم كله، بعد سوريا وأفغانستان. في 2016 وحدها تدفق أكثر من مليون لاجئ صومالي إلى كينيا واليمن ومصر. ولا ننسى لاجئي جنوب السودان الذين بلغ عددهم أكثر من مليونين على إثر الصراع الدائر هناك منذ 2013.
اقرأ أيضا: الحُديدة.. نقطة تحول في اليمن
وفضلاً عن ذلك كله، فإن منطقة البحر الأحمر حُبلى بالصراعات: صراعٌ محتمل انفجاره على المياه بين مصر وإثيوبيا، صراعات حدودية بين إريتريا وجيبوتي، وبين اريتريا وأثيوبيا (قبل مبادرة الرئيس الأثيوبي الأخيرة لحل النزاع والالتزام بقرار الأمم المتحدة الذي يقضي بانسحاب القوات الأثيوبية من المناطق التي احتلتها في اريتريا في أعقاب الحرب الدامية بينهما من عام 1998 وحتى عام 2000). إلى غير ذلك من مظاهر الصراع والفلتان وفشل الدول وهشاشتها.
هناك انتباهٌ واضح من جانب القوى الكبرى واللاعبين الإقليميين لخطورة ما يجري في هذه المنطقة التي تضم ثلاث منظومات جغرافية متداخلة ومفعمة بالصراعات والتهديدات (النظام الخليجي/ نظام القرن الأفريقي/ نظام نهر النيل). ليس صدفة أن تكون جيبوتي هي المحل المختار من جانب الصين لكي تنشئ فيها في 2017 أول قاعدة عسكرية في خارج البلاد (البضائع الصينية التي تمر عبر البحر الأحمر تُقدر بمليار دولار يوميا!). جيبوتي صارت بلداً تزدحم فيه القواعد الأجنبية، أمريكية وفرنسية وقريباً سعودية!
برغم هذا الانتباه من جانب القوى الكبرى والإقليمية لخطورة ما يجري في منطقة البحر الأحمر فلا يوجد إلى اليوم نظام أمني جامعٌ للمنطقة يضم المصالح الكثيرة المُبعثرة، ويدرأ التهديدات الخطيرة الشاخصة. هناك سبع دول عربية تُطل على البحر الأحمر، وبينهما القوتان الأهم على الساحة العربية اليوم؛ مصر والسعودية. التعاون الأمني والعسكري في هذا الإقليم -وخصوصاً بين هاتين القوتين- ضرورة استراتيجية، وقد يكون مفتاحاً لمعالجة الكثير من الصراعات القائمة والمُحتملة.
التفكير الخلاق والمغامرة قد يكون من شأنها خلق بؤرة ازدهار واستقرار في هذه المنطقة، أو في أقل القليل تكوين نظام فعّال لمواجهة التهديدات المركبة القادمة منها.