في العصور القديمة، كان الناس يلجئون إلى استعمال الألوان للإشارة إلى الاتجاه، وتبدو تلك النظرية منطقية إذا نظرنا إلى تسميات البحر الأحمر والبحر الأبيض.
يمثل اللون الاسود اتجاه الشمال، بينما يمثل الأحمر الجنوب، ويمثل الأبيض الغرب، والأخضر الفاتح أو الازرق يمثلوا الشرق، لهذا يتم ترجمة البحر الاسود إلى بحر الشمال.
ويُقال أيضًا أنه خلال العصور اليونانية القديمة، كان البحارة والقراصنة يصطدمون من المظهر المظلم لهذا البحر ومياهه الداكنة خلال الأجواء العاصفة بالشتاء، ولهذا فقد بدأوا يطلقون عليه هذا الاسم.
إن سبب اللون الأسود الذي كان يراه البحارة هي الأجسام المعدنية الخاصة بالسفن والنباتات الميتة والمواد الحيوانية الغارقة في البحر والموجودة على عمق يزيد عن 150 مترًا لفترات طويلة، مما جعلها تُغطى بحمأة سوداء نتيجة التركيز العالي لكبريتيد الهيدروجين بالبحر.
أطلق الإغريق على البحر الاسود اسم “البحر الغير مضياف”؛ نظرًا لأنه كان من الصعب الإبحار فيه، وكانت القبائل المعادية تسكن شواطئه، وانتشرت به أعمال العنف.
وخلال وقت لاحق، وبعد أن استقرت الأمور، تم إعادة تسمية البحر مرة أخرى ليصبح “البحر المضياف”؛ وذلك نظرًا لما قام به المستعمرين اليونانيين من تطوير للساحل.
يقع هذا البحر بين أوروبا الشرقية والقوقاز وغرب آسيا، وهو يحيط بست دول أوروبية وهم: أوكرانيا، وجورجيا، وروسيا، ورومانيا، وبلغاريا، وتركيا، كما أنه يتصل بالبحر الأبيض المتوسط عبر اسطنبول.
يغطي البحر الاسود مساحة 436.400 كيلومتر مربع، ويبلغ عمقه 2212 متر، وبالرغم من أن البحر غير ساحلي، إلا أنه يتصل بالمحيط الأطلسي ومياه المحيط الأطلسي البعيدة من خلال مضيق إسطنبول وبحر مرمرة والدردنيل وبحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط.
يظن البعض أن البحر الاسود خالي من الحياة، إلا أن هذا غير صحيح، فبالرغم من نقص الأكسجين في بعض أجزاء من البحر، فإنه يوجد حوالي 180 نوع من الأسماك يعيشون في هذا البحر مثل: الماكريل الحصان، وكلب البحر الشوكي، والإسبرط وغيرها.
يعيش في هذا البحر كافة المجموعات الرئيسية من الكائنات الحية الدقيقة، ويصل تعداد العوالق النباتية الصغيرة إلى حوالي 750 نوع، ويتميز البحر الاسود أنه خلال فترة الليل يظهر مشهد جميل من تلألأ الفسفور بالماء، وتحدث تلك الظاهرة نتيجة تفاعل العوالق الموجودة في المياه.
يتمتع البحر الاسود بمناخ قاري، بمعنى أنه خاضع لتغيرات فصلية واضحة بدرجات الحرارة، إلا أن الظروف المناخية ببعض أجزاء الحوض يتم التحكم بها بشكل كبير عن طريق تضاريس السواحل.
يتسم الجزء الشمالي الغربي من الحوض بمناخ السهوب مع فصول شتاء باردة وصيف حار وجاف، أما الجزء الجنوبي الشرقي فهو محمي بالجبال العالية ويتسم بالمناخ شبه الاستوائي الرطب، وشتاء دافئ، وصيف رطب.
تاريخيًا كان البحر الاسود بمثابة معبر لمفترق طرق العالم القديم، وقد كان أول من عبر هذا البحر هم الفينيقيين القدماء، وقد شهد هذا البحر عددًا كبيرًا من الحروب والصراعات مثل الحوثيين والكاريانسيين، بالإضافة إلى الإغريق والرومان، وكذلك التتار والعثمانيين وغيرهم.
تم العثور على أقدم ذهب معالج بالعالم في البحر الاسود، وقد تم تركه من قِبل الأوروبيين القدماء، وتقع أغلب الموانئ القديمة على سواحل هذا البحر، كذلك فقد كان هذا البحر أحد المواقع البحرية المهمة جدًا خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.
إن البحر الاسود موطنًا للعديد من الجزر الصغيرة والتي يصل عددها إلى حوالي عشرة جزر، وهي تزخر بالحيوانات والنباتات المختلفة، وتنتمي تلك الجزر للعديد من الدول مثل: بلغاريا، وتركيا، ورومانيا، وأوكرانيا.
من بين الجزر البارزة الموجودة هاك هي جزيرة الأفاعي الواقعة بالقرب من دلتا الدانوب، كذلك تشتهر جزيرة سانت توماس الواقعة في بلغاريا بوجود ثعابين المياه الرمادية التي تتغذى على الأسماك.
يوجد بالبحر الاسود مجموعة أخرى من الجزر المشهورة منها: سانت أناستاسيا الموجودة في بلغاريا، وبيريزان وجيرسون في تركيا، وسانت سيريكوس في بلغاريا، ودزاريلغاش في أوكرانيا، وغيرهم من الجزر المختلفة.
بالرغم من الغموض المحاط بالبحر الاسود، إلا أنه يظل بمثابة وجهة رئيسية لقضاء العطلات على مدار السنة، فهو يتضمن جبال شاهقة وسواحل جميلة، وقد صارت البلدان التي تقع على شواطئ البحر الاسود موطنًا لكل من يعشق البحار والسفر.
نظرًا لعدم وجود مد وجذر مرتفع أو منخفض بالبحر الاسود، فإن مستوى الماء هناك يبقى ثابتًا على وضعه طوال الوقت، مما يجعل البحر هادئًا ولا يتضمن أي تقلبات على الإطلاق.
ويتساءل البعض عن امكانية السباحة في البحر الاسود، والحقيقة أن الأمر ممكنًا بالفعل، وذلك على الرغم من التجربة المختلفة التي يقدمها مقارنةً بالمسطحات المائية الأخرى، فهو يحتوي على مستوي عالٍ من المعادن والملح، وعادةً ما تميل الأشياء إلى الطفو على الماء.
تعود الصخور الممتدة على طول المنطقة التي تعرف باسم Russian Platform إلى عصر ما قبل الكمبري وهو أحد أقدم العصور بالتاريخ.
امتدت تلك الفترة منذ تكوين النظام الشمسي قبل 4.6 مليار سنة وحتى تكوين أول حيوان متعدد الخلايا. أي أن الصخور القديمة على طول البحر الأسود موجودة بما يقرب من 300 عام قبل ظهور الديناصورات.
على الرغم من تسجيل الكثير من الزلازل بالبحر الأسود وما حوله، إلا أن أشهر زلزال ضرب البحر الأسود كان عام 1901، والذي عُرف أيضًا باسم زلزال بالتشيك في بلغاريا.
وقد كان أعلى درجة مسجلة عند 7.2. تسبب هذا الزلزال في حدوث تسونامي يتراوح من 1 إلى 16 قدم، والذي نتج عنه تدمير السواحل الرومانية والبلغارية. استمرت الهزات الارتدادية أربع سنوات أخرى.
توجد الكثير من الأنهار التي تصب في البحر الأسود، من بينها أنهار دونابي ودنيبر وبوغ الجنوبية ودون وكوبان وريوني وكيزليرماك. وبالرغم من ذلك فإن أكبر تدفق يأتي من مضيق البوسفور الذي يؤدي إلى البحر الأبيض المتوسط.
ونظرًا لأن تدفق مضيق البوسفور بالبحر يكون بطيئًا بشكل كبير، فقد يتطلب الأمر تقريبًا 2500 عام حتى تحدث إعادة تدوير للمياة في البحر الاسود بالكامل.
طبقًا لإحدى النظريات، فقد انتهى المطاف بسفينة نوح لتكون في البحر الاسود، حيث يدّعي بعض الجيولوجيين أنه قبل أن يغرقه البحر الأبيض المتوسط بالمياه المالحة، كان البحر الاسود عبارة عن بحيرة مياه عذبة.
بناءًا على تلك النظرية، فإن الكثير من الناس يجادلون بأن ذلك الطوفان هو الذي تم ذكره في قصة سفينة نوح، ومع ذلك لا يوجد أي دليل مادي يؤكد صحة تلك النظرية.
نسخة للطباعة