عندما اجتاح وباء الإنفلونزا الإسبانية العالم في 1918، كان نصيب السويد من ضحاياه 3% من السكان. تركزوا في بعض أجزاء شمال السويد، التي كانت تتعافى حينها من الحرب العالمية الأولى، رغم أنها ظلت محايدة.
كانت أنظمة النقل والاتصالات الداخلية أقل تطورًا مما كانت عليه في العديد من البلدان الأخرى حينها، مما ساعد على إبطاء انتشار الوباء. كان هذا ممتازًا على المدى القصير، لكن الوباء عاد عبر موجتين إضافيتين على الأقل في عام واحد. ومعدل الوفيات في الموجة الثانية كان أكبر من الأولى.
الآن، عندما حل كورونا، استفاد السويديون من درس 1918؛ إبطاء انتشار الأوبئة لا يمنع عودتها بصورة أعنف. هنا وجدوا ضالتهم في مناعة القطيع.
طورت السويد نموذجها الخاص: أمنت كبار السن والفئات الأكثر عرضة للخطر، وسمحت للفيروس بالانتشار ببطء بين السكان الأصحاء.
حظرت التجمعات لأكثر من خمسين شخصًا. عدا ذلك، لم تفرض قيودًا موسعة. لم تلجأ للعزل الجماعي أو حظر الحركة. سمحت للشباب الأصحاء بممارسة حياتهم العادية.
الحانات والمطاعم أكثر هدوءًا من المعتاد، لكنها لا تزال تستقبل مرتاديها. السينمات مفتوحة، والمقابلات الأسرية مستمرة.
الحكومة أبقت المدارس مفتوحة؛ للسماح للآباء الذين يعملون في وظائف حيوية في قطاعات الرعاية الصحية والنقل وخطوط الإمداد الغذائي بمواصلة العمل، خصوصًا بالنظر إلى ندرة مضاعفات كوفيد-19 عند الأطفال، كما أن الإغلاق الشامل له آثار اقتصادية سلبية كبيرة قد تضر في المستقبل بالرعاية الصحية بسبب نقص الموارد، ويتسبب هذا في نهاية المطاف في المزيد من الوفيات والمعاناة أكثر من الوباء نفسه.
أجرت سلطات الصحة العامة في السويد عمليات محاكاة لتوجيه "متطلبات الطفرة"، للوقوف على المدى الذي ستحتاج فيه المستشفيات لتعزيز قدرتها على التعامل مع أعداد كبيرة من المصابين بأعراض شديدة، والذين من المحتمل أن يحتاجوا إلى رعاية متخصصة.
النتائج التي صيغت بناءً على هذه المحاكاة أشارت لحاجة البلاد إلى عدد أسرة أقل مقارنة ببلدان أخرى، بما في ذلك النرويج والدنمارك والمملكة المتحدة.. أشارت إلى أن واحدًا فقط من أصل خمسة ستظهر عليهم أعراض الإصابة سيحتاج إلى سرير مستشفى.
ما سبق لا يعني أن الوباء لن ينتشر. على العكس، الجميع يتوقع انتشاره، لكن سرعة الانتشار هي موضع الخلاف، الحكومة لا ترى ضرورة الآن في تنفيذ إغلاق شامل في معظم أنحاء البلاد، ولكنها قد تتخذ إجراءات أشد في مناطق بعينها إذا اقتضت الضرورة.
الإصابات تتصاعد. الدولة سجلت آلاف الإصابات ومئات الوفيات. لكن الخبراء العلميين الرائدين في السويد يعتقدون أن نهاية الوباء - أو على الأقل بداية النهاية - قد تكون قريبة.
توم بريتون، أستاذ الرياضيات في جامعة ستوكهولم، الذي وضع نموذجًا لانتشار الفيروس بالتعاون مع الدولة، يعتقد أن حوالي 10٪ من السكان من المواطنين أصيبوا بالفعل. بنهاية أبريل ستصل الإصابة إلى نصف السكان.
وبحلول منتصف مايو، يقول بريتون، يمكن أن يصاب 60٪ من السكان: الحد المطلوب للوصول لمناعة القطيع.
يقول بريتون: "الجانب السلبي أن العدوى ستضرب البلاد. وإذا حدث ذلك بسرعة كبيرة فلن تتمكن المستشفيات من التعامل معها. لكن وجهة نظري أن من الأفضل إبطاء الوباء لا محاولة إيقافه. ميزة مناعة القطيع أنه بمجرد حصولك عليها، تصبح البلاد آمنة".
وبينما أثارت فكرة مناعة القطيع نفسها اعتراضات في بريطانيا حين طرحها رئيس الحكومة بوريس جونسون؛ تحذيرًا من الأرواح التي تضيع، والنظام الصحي الذي يغرق في ملاحقة المصابين، لتجبر الحكومة على تعديل المسار، يبدو السويديون أكثر تفاؤلًا بالمستقبل. أظهر استطلاع أجرته "يو جوف" أنهم الأقل خوفًا من كورونا من بين مواطني 26 دولة.
وفقًا لأحد الاستطلاعات، فإن حوالي ثلاثة أرباع الجمهور السويدي على الأقل واثق تمامًا من أن وكالة الصحة العامة تتخذ الاحتياطات اللازمة للتعامل مع الفيروس.
مواطنو السويد يقولون إنهم يملكون عقلية مختلفة. يصدقون الحكومة ويثقون بها. يرون أن جميع البلدان تقوم بما تراه أنسب لمواطنيها، حيث قد يكون فرض المزيد من القيود أفضل في دولة أخرى. لكن حكومتهم رأت أن نموذج مناعة القطيع أفضل للسويد.
الكثير من هذا يرجع إلى الثقة في الحكومة، ولا سيما وكالة الصحة العامة غير المسيسة، التي قادت الاستجابة لكورونا.
يقود الوكالة آندرش تيجنيل، عالم الأوبئة الذي قضى حياته في العمل على مكافحة أمراض مثل الإيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
رغم ذلك، لا يدعم الجميع النموذج السويدي. تعرض تينجيل ووكالة الصحة العامة لانتقادات شديدة من بعض العلماء الذين يشككون في نهج عدم التدخل.
هولجر روتزن، أستاذ الإحصاء الرياضي في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا يقول: "كانت سياستهم هي فعل القليل جدًا والقيام بذلك متأخرًا جدًا". "أعتقد أنه من الأفضل القيام بالكثير بين الحين والآخر، وبعد أسبوعين، يمكنك إعادة دراسة التطورات إذا لزم الأمر".
لكن بحثًا أجراه علماء في جامعة هارفارد، نُشر هذا الشهر، يقول إن سن إجراءات صارمة للتباعد الاجتماعي الآن يمكن أن يؤدي إلى ظهور أعداد كبيرة من الإصابات في الخريف - مما يتسبب في أضرار أكثر مما إذا لم تفرض الدولة أي إجراءات على الإطلاق. يقول تيجنيل: "إن التوقف المفاجئ للانتشار الآن فقط سيحرك المشكلة".