التجسس في زمن كورونا | (1) معركة بريطانيا – روسيا الجو بحرية التي لم يلتفت لها أحد | مينا منير

التجسس في زمن كورونا | (1) معركة بريطانيا – روسيا الجو بحرية التي لم يلتفت لها أحد | مينا منير

15 Apr 2020
مينا منير دقائق

مينا منير

باحث بجامعة لوزان - سويسرا

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

بينما يتصدر الأطباء والعلماء مشهد المعركة الحامية مع وباء كورونا  الجديد، يخوض جيش من الأفراد المجهولة هوياتهم معارك لا تقل أهمية؛ سعيًا لتوفير المعلومة الدقيقة التي يتحرك هولاء ومن ورائهم الساسة بناء عليها، ليس فقط في فهم انتشار وباء كورونا الجديد، لكن أيضًا في حماية قدرة الدول على الاستمرار أمنيًا.

جيش الأفراد الذين أتحدث عنهم هم الجواسيس.

[su_highlight background=”#EF6C14″ color=”#FFFFFF” class=””][/su_highlight][su_highlight background=”#00C5D6″ color=”#FFFFFF” class=””]معركة الجواسيس.. لا الشعارات العاطفية[/su_highlight]

ثلاثة أمور أساسية تحرك جيش الجواسيس بشكل شديد الأهمية:

أولاً: غياب الشفافية في الدول التي ظهر فيها وباء كورونا وانتشر من خلالها في آسيا.

ثانيًا: عدم تعاون هذه الدول، وعلى رأسها الصين، التي يبدو أنها لم توفر أية معلومات دقيقة تشرح مصدر وباء كورونا وآلية انتشاره المبكرة وكيفيتها المثيرة لأسئلة مشروعة.

ثالثًا: قدرات المخابرات في جمع المعلومات، والتي لا تفوقها أي قدرة بين مؤسسات الدولة الطبيعية، تستطيع توفير الوقت والدعم الكافي للمؤسسات الطبية والبحثية.

يخطئ إذًا من يرى أن وباء كورونا هو معركة مشتركة بين أمم تتعاون للدفاع عن مصيرها المشترك، وغيره من الأحاديث التي يغلب عليها الخطابة العاطفية.

الحقيقة أن كل جهة تعي أن وباء كورونا في حالته القائمة يمكن أن يُترجم لتحقيق نتائج على المستوى الإستراتيجي والأمني لنفسها على حساب الدول المجاورة، وبالتالي سيكون هناك تعاطٍ مع فكرة مشاركة المعلومات فقط في ضوء اعتبارات الاهتمام القومي National Interest الضيق لكل دولة.

في هذا الصدد، سأعرض لك عدة حالات:

[su_highlight background=”#EF6C14″ color=”#FFFFFF” class=””][/su_highlight][su_highlight background=”#00C5D6″ color=”#FFFFFF” class=””]التجسس الميداني: نكز بريطانيا  Poking Britain[/su_highlight]

في 12 مارس، عقد رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون اجتماع الأمن القومي COBRA لبحث استعدادات الدولة لمواجهة الوباء.

في نفس اليوم، خرجت أخبار لم ينتبه لها الكثيرون، وسط سيل أخبار وباء كورونا الجديد، حول اقتراب طائرات طوبولوف الروسية من المجال الجوي البريطاني قرب كورنوال (جنوب غرب المملكة) مما استدعى ارسال مقاتلات التدخل السريع Typhoon لإبعادها عن المجال.

تتكرر الحادثة مساء 25 وفجر 26 مارس، وهو نفس توقيت تعليق البرلمان، حيث تخرج المقاتلات ومعها طائرات تمتلك قدرات رصد هي الأحدث في العالم لمراقبة ما أسموه بالنشاط العالي وغير المفهوم لسفن روسية في القنال الإنجليزي وبحر الشمال (أي الساحل الغربي لبريطانيا).

لكن ما السبب في كل ذلك؟ وما الذي تأمل روسيا أن تحققه؟ هل هو ما يمكن أن نسميه في اللغة المصرية الدارجة: “غلاسة”؟ الإجابة تكمن في توقيت، مكان، وكيفية إدارة الحدثين.

أما التوقيت:

 ففيه تزامن مع خطوات عريضة تؤثر بشكل مباشر في بنية القرار السياسي البريطاني، سواء في تعليق البرلمان، أو تكريس جهود كبيرة من القدرة العسكرية البريطانية في مواجهة كورونا الجديد، سواء من خلال المساعدات اللوجستية التي قدمتها القواعد العسكرية، أو في بناء المستشفيات، والإشراف على استمرار خطوط الإمداد من أطعمة وأدوية على الاستمرار بسلاسة.

هنا يكون السؤال الأول الذي يحتاج إجابة لدى العدو: هل ستتأثر سرعة رد فعل الدفاعات (وهو ما يُعرف بالـ QRA – Quick Reaction Alert) بسبب ارتباك تسلسل القرار Chain of Command نتيجة التغيرات في هرم القرار السياسي؟ وكيف سيبدأ وينتهي مسار هذا التسلسل؟

كورونا وحرب النفط | روسيا حاولت تحميل السعودية العبء فردت بقنبلة أربكت كل الحسابات | س/ج في دقائق

أما المكان:

 وهو مشترك في العمليتين، فهو الساحل الغربي والجنوب غربي للمملكة، وهنا يظهر اختبار استراتيجية خطير عن قدرة الأوروبيين في التنسيق مع القيادة البحرية البريطانية، القائمة بالفعل في الجنوب (تحديدًا في بليموث، عاصمة مقاطعة ديفون).

ففيلق السفن (سبعة مدمرات كاملة!) والطائرات قد اقتربت من هذه المنطقة الحساسة دون تنسيق واضح أو إنذار مسبق من دول أوروبا المحيطة للمملكة، الأمر الذي ستكون له دلالات خطيرة. فالمماحكات الروسية البريطانية السابقة كانت في معظمها تحدث في البلطيق، وهو مسرح عمليات مشترك، ومنطقي جغرافيًا.

الإجراء الروتيني حينها هو أن ترسل ردارات الدول المجاورة إشاراتٍ بعدم استجابة أو رد مقاتلات جوية أو بحرية، حتى تصل إلى بريطانيا التي بدورها لا تحصل قواعدها على ردود، الأمر المقصود من الروس لاختبار حجم وسرعة رد الفعل حينما تبلغ مقاتلاتهم مشارف أجواء بريطانيا.

أما في هذه الحالة فالأمر يشير إلى ارتباك، مقصود أو غير مقصود، في التنسيق بين دول المعسكر الغربي.

كورونا قد يغير خريطة العالم.. 4 آثار استراتيجية منتظرة| قوائم في دقائق

أما الكيفية:

فحجم المقاتلات التي خرجت في العمليتين خطير. فوج طائرات الطوبولوف (Tupolev) يشكل تهديدًا مباشرًا، فهي طائرات قاذفات ثقيلة. إرسال فوج من هذا النوع الذي لا يخرج بهذه الكثافة في أيام السلام يعد تصعيدًا خطيرًا.

أما السفن التي أرسلتها فشملت سبع مدمرات ضخمة، فرقاطتين، ثلاث طرادات وسفينتين برمائيتين للإنزال الهجومي. حينما ترسل كل ذلك على مقربة من مياه بريطانيا فأنت لا تريد فقط اختبار سرعة رد الفعل وإنما نوعيته.

من يطالع الخبر على سكاي نيوز (وضعت الرابط سابقًا)، سيرى أنه أشبه ببيان عسكري لا تعتاد عليه المسامع والأعين البريطانية المدنية، فتجد فيه قائمة بالأسلحة البريطانية التي قامت بالرد ومعها إشارة إلى استخدامها مروحية Wild Cat التي تحمل “أحدث رادار توصل له العلم، State of the Art Technology).

الأمر استرعى انتباهي، فتحدثت مع صديق من المطلعين على الأمور المماثلة في بريطانيا.

قال لي الصديق ما أراه مقنعًا: روسيا أرادت اختبار أحدث أسلحة بريطانيا من خلال دراسة سلوكها في رد فعلها: مدى رصدها المبكر، نوع الرصد (الحراري، الجوي، إلخ) وطرازات حوامل الرادارات.

اللطيف في الأمر أن البيان الذي على الأرجح خرج من مبنى مكافحة التجسس التابع للمخابرات الحربية، وليس القوات البريطانية، أراد إبلاغ الروس بمعلومات غير سليمة، فلا أحد يكشف ببساطة قائمة أسلحته “الأحدث” في بيان إعلامي.

كاد الجاسوس أن يكون رسولا: أوليج جوردييفسكي كشف استعداد اشتراكيين لخيانة أوطانهم | مينا منير

[su_highlight background=”#EF6C14″ color=”#FFFFFF” class=””][/su_highlight][su_highlight background=”#00C5D6″ color=”#FFFFFF” class=””]أعلى مستوى منذ الحرب الباردة[/su_highlight]

تكتمل حلقة التجسس الميداني بتجسس آخر داخل العمق الإستراتيجي، الذي يرصد رد الفعل خلف خطوط المواجهة. فرئيس وزراء بريطانيا الذي سحب سفير المملكة من روسيا بعد حادثة سولزبري الشهيرة، والذي اتخذ مواقف حازمة اتجاه فلاديمير بوتين، صار غصة في حلق الكتلة الشرقية التي، بحسب تقارير مخابراتية حديثة، رفعت حدة نشاطها التجسسي لأعلى مستوياته منذ الحرب الباردة، في العمق الأوروبي. الأمر الذي تم الكشف عن أحد ملامحه في عملية مشتركة بين أجهزة مقاومة التجسس البريطانية، الفرنسية، السويسرية، الألمانية والأمريكية، والتي كشفت عن شبكة تتخذ من منتجع Chamonix  نقطة انطلاق لعملية تجسس طويلة المدى في لندن، باريس، برلين وجنيف.

ما قامت به روسيا في الأيام الماضية يظهر حجم الخطورة التي تشكلها اهتزازات كورونا على الأمن القومي والمصالح الإقليمية، بسبب السلوكي العدائي القائم، والذي يتجاوز الشعارات العاطفية عن المصير المشترك والأخوة في الإنسانية.

فوضى على ضفاف النيل.. كتاب عن دونالد ماكلين يكشف صراع المخابرات في مصر الملكية

[su_highlight background=”#EF6C14″ color=”#FFFFFF” class=””][/su_highlight][su_highlight background=”#00C5D6″ color=”#FFFFFF” class=””]ملف[/su_highlight] فيروس كورونا في دقائق


رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك