النميمة مقصود بها التحدث عن شخص غائب عبر تبادل معلومات غير معروفة عنه على نطاق واسع.
يقول فرانك مكاندرو، أستاذ علم النفس في كلية نوكس بولاية إلينوي الأمريكية، إن أجدادنا في عصور ما قبل التاريخ كانوا مميزين في هذا الأمر، حيث كان البشر مشغولين منذ قديم الزمن بحياة الآخرين الأكثر نجاحًا.
مكاندرو، الخبير في السلوك الاجتماعي البشري، يوضح أن اهتمام البشر بمعرفة ما يحدث للآخرين كان مهمًا للحياة في زمن رجال الكهوف. هذا كان يشمل: من ينام مع من؟ من لديه السلطة؟ من يستطيع الوصول إلى الموارد؟ يعتبر أنه كان معيار نجاح حينها.
أهميته ترجع إلى أن تلك المعلومات مفيدة في تكوين الروابط والتحالفات. ومعرفة مواطن الضعف والقوة. وأين تكمن المصلحة.
وفقًا لتحليل أجراه باحثون في جامعة كاليفورنيا ريفرسايد، فإن الشخص العادي يقضي 52 دقيقة يوميا في الثرثرة.
"الثرثرة تمنحنا الفرصة للتنفيس مع الناس، وتسمح لنا بالحفاظ على روابط اجتماعية إيجابية معهم بشكل عام. بعض الثرثرة مصحوب بإطلاق ألقاب على آخرين. وبعضها ينتقص منهم، لكن الواضح أنها تكشف نوعًا من اهتمام الأشخاص ببعضهم البعض"، تقول أستاذة علم الاجتماع ستايسي توريس في جامعة كاليفورنيا.
نردد دائمًا أن الثرثرة هواية أنثوية، أو أنها مقصورة على الطبقات الاجتماعية الأقل أو غير المتعلمين. لكن ميجان روبينز، أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا تقول إنها عابرة للنوع الاجتماعي والطبقات.
تقول أستاذة علم الاجتماع ستايسي توريس في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو: هذا شيء نراه عبر ثقافات وأعمار مختلفة، على الرغم من أنه قد يتخذ نكهة مختلفة. يقول كثيرون إنهم لا يريدون المشاركة في النميمة ولكنهم يفعلونها كل يوم.
توريس درست الثرثرة بين كبار السن الذين يعيشون بمفردهم في مدينة نيويورك. أبحاثها كشفت أن كبار السن ينخرطون في الثرثرة في المطاعم والمحلات المحلية كوسيلة للتواصل مع الآخرين، والحفاظ على الروابط الاجتماعية والتغلب على إحساس الوحدة.
غالبية ثرثرتنا غير مؤذية. فقط 15٪ منها يتضمن ما يصفه الباحثون بالتقييم السلبي للآخرين. بقية الثرثرة اليومية تشمل فقط "توثيق الحقائق" من عينة، "لقد تأخرت في العودة من العمل"، أو "كان عليه الذهاب إلى المستشفى".
أستاذة علم النفس ميجان روبينز تقول إن الثرثرة تساعدنا في الواقع على بناء الصداقات، أو الانخراط في المجتمع، أو تعلم المعلومات الحيوية للحصول على حياة اجتماعية أفضل.
تضيف روبينز أن أبحاثًا حول الثرثرة كشفت أنها قد تكون بمثابة فحص للسلوك الأخلاقي للآخرين، وردع المخادعين المحتملين. يمكن أن توفر أيضًا طريقة لمعرفة القواعد غير المكتوبة.
على سبيل المثال، عندما نبدأ عملًا جديدًا، يساعدنا الحديث أمام مبرد المياه على معرفة ما هو الزي المكتبي المقبول؟ ومن قد نرغب في تجنب العمل معه في فريق واحد؟ وما إذا كان من المقبول قضاء إجازة لمدة شهر؟
يقول أستاذ علم النفس فرانك مكاندرو: "مشاركة الثرثرة مع شخص ما هي آلية ترابط، ونوع من طرق رفع الروح المعنوية".
أستاذة علم النفس ميجان روبينز تضيف إن البيانات التي جمعها الباحثون تنفي الصورة النمطية كليًا: "بصفتنا بشرًا، يجب أن نتحدث عن الناس. نحن لا نعيش في عزلة، ونميل للحديث عن الأشخاص الغائبين حتمًا في بعض الأحيان".
الثرثرة تصبح ضارة تمامًا عندما لا توفر أي فرصة للتعلم الاجتماعي، كما يقول العلماء، كما هو الحال مع التعليقات الوقحة حول مظهر شخص ما أو صحته.
يقول أستاذ علم النفس فرانك مكاندرو: إذا كنت قلقًا من أن ثرثرتك مفرطة أو ضارة بأي شكل آخر، فابدأ في فحص أسباب اعتقادك أن لديك مشكلة. ربما تكون أنت من لا يستخدم المهارة بشكل مناسب".
يضيف أن النميمة السيئة تكون بنقل كل ما يسمعه الشخص لشخص آخر، أو يكون دافعها الأنانية للإضرار بسمعة المنافسين.
ينصح مكاندرو من يشعرون بأن الثرثرة تضر بعلاقاتهم أو تضيع أوقاتهم المطلوبة للقيام بأشياء أخرى بتقليص وقت الثرثرة، ومحاولة تجنب المواقف أو الأشخاص الذين يبرزون أسوأ ما فيهم.
ما سبق يرتبط بالنميمة التي تتعلق بنوع من الاهتمام بحياة الناس من الأصدقاء أو الأعداء أو الأسرة ممن يصفهم الباحثون بـ "ذوي الأهمية الاجتماعية". لكن لماذا نهتم بالمشاهير الذين لم نلتق بهم في الواقع؟
يقول مكاندرو: "أدمغة إنسان الكهف لدينا ليست مستعدة للتعامل مع الاتصال الحديث. في الزمان القديم، إذا كنت تعرف الكثير عن شخص ما، فهو بحكم تعريفه مهم اجتماعيًا بالنسبة لك.
الآن في عصر الإنترنت والسوشال ميديا صرنا نعرف الكثير عن أشخاص ليس بيننا وبينهم صلة
هذه المعرفة تخدع عقولنا. بحيث نفكر في المشاهير كأنهم أشخاص مهمون اجتماعيا لحياتنا
أظهرت إحدى دراسات مكاندرو أننا ننجذب نحو قصص المشاهير من نفس الجنس والفئة العمرية: "نعرف تمامًا أنهم ليسوا مهمين بالنسبة لنا بشكل مباشر، وربما لن نقابلهم مطلقًا. لكنهم بما نعرفه عنهم من خلال الثرثرة وأخبار النميمية صارت عقولنا تضعهم في نفس الخانة مثل الأشخاص الذين يهموننا. ننظر إليه باعتبارهم حلفاء أو منافسين"
تعطينا الثرثرة عن المشاهير أيضًا أرضية مشتركة في الحديث مع الآخرين في اللقاءات القصيرة المحرجة، أو في التجمعات التي لا نعرف كثيرين من الحضور فيها.
يضيف مكاندرو: "ربما تكون هذه أيضًا مهارة اجتماعية. الثرثرة حول المشاهير تعطيك مفاتيح فهم اهتمامات الآخرين".