كان الأنباط من البدو الرحل ساكني الصحراء الذين أصبحوا تجارًا بارزين، وسيطروا على طرق تجارة البخور والتوابل عبر شبه الجزيرة العربية والأردن إلى البحر الأبيض المتوسط ومصر وسوريا وبلاد ما بين النهرين.
مرت القوافل محملة بأكوام من الفلفل والزنجبيل والسكر والقطن عبر الصحراء، وأصبحت الأنباط مورد الروائح، مثل اللبان والمر، التي كانت تحظى بتقدير كبير في الاحتفالات الدينية.
ليلى نعمة، عالمة الآثار والمديرة المشاركة لمشروع الحجر الأثري، وهو شراكة بين الحكومتين الفرنسية والسعودية، التي تنقب عن أقسام من المنطقة، تقول: إن سبب ظهورهم في المصادر القديمة هو أنهم أصبحوا أثرياء، وعندما تصبح ثريًا، تصبح مرئيًا.
ازدهرت حضارة الأنباط من القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن الأول الميلادي، عندما قامت الإمبراطورية الرومانية المتوسعة بضم مساحة شاسعة من أراضيهم، والتي تضمنت الأردن وسيناء المصرية وأجزاء من السعودية وفلسطين وسوريا.
تدريجيا، فقدت الهوية النبطية بالكامل، ونسيها الغرب لقرون.
أعاد المستكشف السويسري يوهان لودفيغ بوركهارت اكتشاف البتراء في عام 1812، ويمكن القول أن معظم الغربيين شاهدوا البتراء لأول مرة بعد قرن ونصف في فيلم إنديانا جونز والحملة الأخيرة في 1989.
يكمن تحدي التعرف على الأنباط في أنهم تركوا وراءهم القليل من التاريخ الواضح، فعلى الرغم من الشعبية الهائلة للبتراء اليوم، فإننا لا نعرف الكثير عن منشئيها.
يأتي معظم ما تعرفه البشرية عن الأنباط من وثائق الغرباء: الإغريق والرومان والمصريين القدماء، الذين تفاعوا معه وأشاروا إليهم في كتاباتهم.
تقول نعمة: السبب في أننا لا نعرف الكثير عنهم هو أننا لا نملك كتبًا أو مصادر كتبها هؤلاء تخبرنا عن الطريقة التي عاشوا بها وماتوا وعبدوا آلهتهم.
على الرغم من أن الأنباط قد يكونون غامضين بالنسبة لنا الآن، إلا أنهم كانوا روادًا قدماء في الهندسة المعمارية والهيدروليكا، وطوعوا البيئة الصحراوية لصالحهم، وجمعوا مياه الأمطار المتدفقة من الجبال الصخرية لاستخدامها لاحقًا في صهاريج على مستوى الأرض، وقاموا ببناء أنابيب مياه طبيعية حول المقابر لحماية واجهاتها من التآكل، للحفاظ عليها بشكل جيد بعد آلاف السنين من بنائها.
مثل البتراء، فإن الحجر هي عاصمة تحولت إلى مقبرة، فمعظم الهياكل المتبقية التي يمكن رؤيتها اليوم قبور، مع وجود الكثير من البقايا المعمارية للمدينة في انتظار التنقيب تحت الرمال.
الحجر، هي واحدة من الأماكن الوحيدة التي توجد فيها كلمات الأنباط موجودة في النقوش فوق مداخل العديد من المدافن في الحجر.
تحتوي الحِجر على 111 مقبرة منحوتة بعناية، وهي أقل بكثير من 600 مقبرة في البتراء عاصمة الأنباط، لكن المقابر في الحجر غالبًا في حالة أفضل بكثير، مما يسمح للزوار بإلقاء نظرة فاحصة على الحضارة المنسية.
لا تزال القصص الكاملة وراء العديد من هذه المقابر غير معروفة، فأكبر مقبرة في الحجر يبلغ ارتفاعها حوالي 72 قدمًا، وهي مقبرة حيان بن كوزا، والتي تسمى أيضًا القصر الفريد، تُركت غير مكتملة، وكذلك تم التخلي عن عدد قليل من المقابر في منتصف البناء لأسباب غير واضحة.
النقوش المخيفة شائعة في العديد من مقابر الحجر ولكنها نادرة في البتراء، وهي محفورة في الواجهة وتحذر من الغرامات والعقاب الإلهي على التعدي على ممتلكات الغير أو محاولة احتلال المقبرة خلسة، تقول إحداها: "عسى سيد العالم أن يلعن أي شخص يزعج هذا القبر أو يفتحه".
ويقول جزء من النقش الموجود على القبر 41: "ويلعن أي شخص قد يغير النصوص الموجودة أعلى القبر".
لكن على الرغم من أن الأنباط تركوا وراءهم سجلات شحيحة، إلا أن الحجر هو المكان الذي تظهر فيه كلماتهم بشكل بارز، وهي تظهر أيضًا أن الأنباط لم يكونوا الوحيدين في المنطقة، فقد تم العثور على حوالي 10 لغات تاريخية منقوشة في المناظر الطبيعية للعلا، وتعتبر هذه المنطقة على وجه الخصوص مفيدة في تاريخ تطوير اللغة العربية
في السابق، كان أقل من 5,000 سعودي يزورون الحجر كل عام، وكان على السياح الأجانب الحصول على إذن خاص من الحكومة للزيارة، وكان عددهم يقل عن 1,000 سنويًا.
لكن الأمر مختلف الآن، لأن فصلًا جديدًا في تاريخ الحجر قد بدأ للتو، حيث أطلقت السعودية التأشيرات السياحية لأول مرة في سبتمبر 2019.
تم افتتاح مطار العلا، الواقع على بعد حوالي 35 ميلاً من الحجر، في عام 2011، لكنه خضع لتجديدات واسعة النطاق تحسباً لتدفق الزوار، مما يضاعف طاقته السنوية أربع مرات.
ويصمم المهندس الفرنسي جان نوفيل فندقًا على شكل كهف منحوت على جرف مستوحى من أعمال الأنباط في الحجر، ومن المقرر أن يكتمل في عام 2024.
تأمل العلا في جذب مليوني سائح محلي ودولي سنويًا بحلول عام 2035، وهو ما سيفتح الباب لاكتشاف الحضارة النبطية والتعرف عليها.
الحجر.. افتتاح المدينة السعودية القديمة التي لم تمس عبر آلاف السنين (مجلة سميثسونيان)