الدماغ البشري على الرغم من عظمته المذهلة، إلا أنه سيء للغاية في آداء بعض المهام، إحداها هي استيعاب أو حتى فهم ما يسمى “النمو الأُُسي” exponential growth أو النمو التضاعفي.
وللوقوف على طبيعة التضاعف الأسي والقوة المفرطة للنمو التضاعفي. هناك علاقة وثيقة يبن هذه الحقيقة وبين الذكاء الاصطناعي. لنبدأ من أقصوصة “الحاكم والحكيم” الهندية:
تخفي الإله كريشنا في هيئة رجل حكيم وزار قصر الشاه (الملك)، فلما رآه الملك تحداه لمباراة شطرنج، من شروطها أنه إذا خسر الشاه يعطي الحكيم أي مكافأة يريدها. وبالفعل بعد خسارته سأله عن المكافأة التي ترضيه، فطلب منه الحكيم أن يعطيه حبة أرز واحدة على أول مربع من رقعة الشطرنج ثم يعطيه ضعف العدد على كل مربع لاحق (يعني أول مربع حبة أرز واحدة، ثم حبتين على المربع الثاني، ثم 4 حبات على المربع الثالث، ثم 8 حبات على الرابع و16 على الخامس وهكذا). في البداية ظن الحاكم أنه طلب زهيد لذا وافق على تنفيذه، لكن بحلول نهاية رقعة الشطرنج وجد نفسه مضطرًا لدفع 18 كوينتيليون حبة أرز (الكوينتيليون هو 1 متبوعة بـ18 صفرا!!) وهو رقم أكثر من كمية الأرز الموجودة على كوكب الأرض بأكثر من 1000 مرة، وتكفي لزراعة كوكب بحجم الأرض مرتين (بما فيها مساحة البحار والمحيطات التي تغطي 71% من مساحة الأرض!). في الحقيقة هذا الكم من الأرز كافي لدفن مساحة الهند كلها تحت متر كامل من الأرز (210 مليار طن منه!)، وبعدما كشف كريشنا للملك عن ذاته أخبره أنه لا يحتاج أن يسدد الدين فورًا، لكن يمكنه أن يسدده على مدار الزمن. وبسبب هذ الرواية يتم إطعام الحجيج كل عام في الهند حتى يومنا، كرمز لسداد دين الملك للإله كريشنا.
أدمغتنا مؤهلة بسبب تكوينها وتاريخ تعاملها مع الأشياء للتعامل مع ما يسمى النمو الخطي linear growth
خداع الملك (وأي شخص في مكانه) ناتجٌ عن أن أدمغتنا مؤهلة (بسبب تكوينها وتاريخ تعاملها مع الأشياء) للتعامل مع ما يسمى النمو الخطي linear growth يعني 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9 ولكن غير مؤهلة للتعامل على أساس النمو التضاعفي 1، 2، 4، 8، 16، 32، 64، 128، 256، 512، 1024، 2048، 4098، 8196، 16392!
من أوضح وأشهر الأمثلة على النمو التضاعفي في عالم الواقع هو مجال الإلكترونيات.
هناك قانون يسمى “قانون مور” (نسبة لجوردون مور أحد مؤسسي شركة Intel) مفاده أن عدد الترانزستورات على الشرائح الإلكترونية يتضاعف كل 18 شهرا،
أي أن قوة الإلكترونيات تزداد بمعدل تضاعفي جنوني، ويكفي أن تنظر إلى حقيقتين فقط لمعرفة معدل هذا النمو الجنوني:
هي أن السمارت فون الذي تحمله في يدك الآن أصغر بآلاف المرات وأقوى بآلاف المرات وأرخص ملايين المرات من الكمبيوترات في الستينيات (بما فيها الكمبيوترات التي استخدمها الأمريكان للصعود للقمر!) بمعنى أن الدولار الواحد قوته الشرائية تضاعفت مليار مرة (حرفيًا) في هذه الجهة.
والسمارت فون الذي تحمله الآن يؤدي وظيفة عشرات الأجهزة المنفصلة في التسعينيات، وهو أكفأ وأقوى بمراحل منهم.
السمارت فون الذي تحمله الآن أكفأ وأقوى من عشرات الأجهزة المنفصلة في التسعينات
هي أن العالم في 2009 أنتج عدد ترانزستورات 250 ضعف عدد حبوب الأرز!!! الترانزيستورات يمكن أن نعتبرها الخلايا العقلية للعقول الإلكترونية (البروسيسورات والشرائح الإلكترونية)؛
مما يعني أن مجال الحوسبة والكمبيوترات تتضاعف في الرخص والذكاء والقدرات.
وبسبب هذا المعدل المتسارع بجنون للتقدم في هذه الناحية، يعتقد الكثير من الخبراء أنه عند نقطة ما (في النصف الثاني من هذا القرن) ستصبح الكمبيوترات أذكى من الإنسان نفسه وستكون لها القدرة على التفكير واتخاذ القرارات كما في “فيلم Terminator!!“.
يوجد ما يُسمى بسيناريو الـsingularity، ويعني أن الذكاء الصناعي الفائق، يُتوقع أن ينفلت ويُطلق من نفسه حفنة من التقدمات التقنية الهائلة التي تتسبب في تغيير مسار الحضارة البشرية ومستقبل البشر للأبد، لها عواقب وخيمة ونتائج لا يُحمَد عقباها.
ولهذا السبب فإن رجال الأعمال والمستثمرين والخبراء والعلماء حاليًا متكاتفون في أكثر جهة بحثية وتمويلية للإبقاء على هذا المعدل المتسارع للتقدم التكنولوجي المفيد للبشرية، بجانب إخضاعه وإبقائه تحت الملاحظة والسيطرة لمنع أي انفلات متهور.
وهو المجال الذي اختار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إشراك الرياض فيه، كلاعب أساسي (حتى لو بالتمويل فقط بشكل مبدئي)،
ذلك بعد أن أقنعه الملياردير الياباني “ماسايوشي سون” في اجتماع مدته 45 دقيقة، بأن يساهم بـ45 مليار دولار في كيان لدعم وتمويل تقنيات المستقبل (وبالأخص الذكاء الاصطناعي) قوامه 100 مليار دولار.