في بداية الحرب العالمية الثانية فضلت الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن الحرب. الحالة الاقتصادية لم تتعاف تمامًا بعد الكساد الكبير، وأمريكا لم تكن معرضة لخطر مباشر. تغير هذا حين قصفت اليابان بيرل هاربور، ومعه أعلنت ألمانيا الحرب على أمريكا البعيدة تضامنًا مع الحليف الياباني.
منذ ذلك الحين وللأطلنطيين الكلمة العليا في السياسة الخارجية الأمريكية. الأطلنطيون هم هؤلاء الذين يعتقدون أن دور أمريكا هو تثبيت أركان النظام العالمي المرتكز على القيم الليبرالية. وأن هذا يتأتى عن طريق الشراكة الوثيقة بينهم وبين “العالم الحر” في أوروبا. تلك الفكرة التي تجسدت لاحقَا في حلف الناتو (حلف شمال الأطلنطي). الاسم طبعًا مشتق من اسم المحيط الذي يربط ساحلي الولايات المتحدة وأوروبا.
بالنسبة لهؤلاء فإن العالم لم يتغير كثيرًا منذ الحرب الباردة. لا تزال روسيا هي العدو الأخطر. لا يزالون مستمتعين بدفء الكتابات الاستراتيجية المحذرة من الخطر القادم من موسكو. لا يزالون يعتقدون أنها مصدر كل الشر: هي – بلا شك – التي تدخلت في الانتخابات الأمريكية فأتت بترامب. وهي – بلا شك – تتدخل في الانتخابات الأوروبية.
وفي معاداتهم للرئيس الأمريكي ترامب، انطلق الأطلنطيون الأمريكيون من هنا. تحقيق مولر لإثبات أنه تآمر مع الروس. ثم محاولة عزله لأنه عرض مصالح أوكرانيا، خط المواجهة مع روسيا، للخطر، وابتزها (لصالح روسيا).
كل شيء في سلوكهم يمكن تفسيره في هذا الاتجاه.
هذا الاتجاه – الأطلنطيين – ليس الأصل في نظرة أمريكا إلى العالم، كما يعتقد من ولدوا بعد الحرب العالمية، فتعودوا على تفسير خيارات أمريكا السياسية، أو توقعها، بناء على هذه النظرة.
لولا الخطر السوفييتي وقت الحرب الباردة لربما عادت أولويات أمريكا عقب الحرب العالمية الثانية إلى سابق عهدها. في الخمسينيات والستينيات لم تتوقف أمريكا عن التدخل في دول الساحل الذي هوجمت بالفعل منه في هجوم اليابان على بيرل هابور. ساحل الباسيفيك. الذي تطل عليه الولايات المتحدة من ساحلها الغربي البعيد عن أنظارنا. رأيناها تحارب في كوريا وفيتنام ضد حلفاء الصين.
إن كانت المدرسة الأمريكية التي تنظر إلى العالم عبر الساحل الشرقي لأمريكا وعبر المحيط الأطلنطي تسمى الأطلنطيين، نستطيع أن نتوقع اسم المدرسة الأمريكية الثانية، التي تنظر إلى العالم عبر ساحل أمريكا الغربي، وعبر المحيط الباسيفيكي.
هذا التقسيم لا يعني أن الأطلنطيين يهملون الباسيفيك، بينما الباسيفيكيون يهملون أوروبا. بل يعني أن هناك اختلافًا في الأولويات بين المدرستين.
الباسيفيكيون يرون أن مركز الثقل الاستراتيجي حاليًا موجود في الإندوباسيفيك. الدول المذكورة سابقًا بالإضافة إلى الهند. ويرون أن روسيا ضئيلة التأثير إن قورنت بالصين، هذا بوجه عام. اقتصاد روسيا أقل من اقتصاد إسبانيا، ولا تستطيع بهذا الاقتصاد أن تستمر طويلًا في أي صراع. فإذا نظرنا إلى العالم انطلاقًا من أمريكا ازداد هذا التضاؤل تضاؤلًا. أما إذا نظرنا إليه انطلاقًا من أوروبا فالأوروبيون يرون روسيا الخطر الأكبر.
الموقع الجغرافي يجعل أمريكا اللاتينية والمشكلات المحتملة هناك في المقام التالي. الجدار الحدودي بين أمريكا والمكسيك، كما تعلمون، كان موضع خلاف بارز بين ترامب والديمقراط.
في المرتبة الثالثة يأتي الجهاديون الذين يهددون المصالح الأمريكية في مناطق مختلفة من العالم، والرغبات الإيرانية التوسعية.
أما أوروبا، وبالتالي الخطر الروسي، فتراجعت إلى المركز الرابع.
بترتيب الأولويات هذا، فهمنا لماذا ينظر الأوروبيون بعين الشك إلى أمريكا ترامب. ولماذا يفضلون وجود رئيس من الديمقراط في البيت الأبيض.
لماذا يفكرون في بناء جيش أوروبي. ولماذا تقول بريطانيا إن عليها من الآن تقليص الاعتماد العسكري على الحماية الأمريكية.
قلنا إن الأطلنطيين الأمريكيين يعتبرون التحالف الأمريكوروبي ركيزة السياسة الخارجية الأمريكية. وبالتالي فإن الحفاظ على النظام الليبرالي العالمي الذي بنوه معا يستحق بذل الثمن.
أن تضع الولايات المتحدة أولويات أوروبا الأمنية والاستراتيجية في درجة متقدمة من قائمة أولوياتها. وبالتالي على أمريكا أن تضع “الخطر الروسي” على رأس أولوياتها. وأن تهتم بقضية الهجرة عبر ساحلي المتوسط. (ترامب يضع الصين مكان روسيا، والهجرة من المكسيك مكان الهجرة عبر ساحلي المتوسط).
سنوات أوباما شهدت ترسيخ هذا التفكير الأطلنطي. لكنه نما من قبلها بكثير. وبالتالي فإن قوى مختلفة حول العالم رتبت أمورها تبعًا له، ومنها قوى سياسية في الشرق الأوسط، بنت استراتيجيتها على تعظيم استفادتها من هذا الوضع.
بعض الناس يظن أن إردوغان أتي بجديد في دعائم السياسة الخارجية التركية كما رسمت منذ الخمسينيات إلى اليوم. لكن الحقيقة أنه – فقط – حولها إلى صورة فجة، وأعطاها مسحة إسلامية تعاظم نفس الأهداف التركية القومية.
تركيا منذ النصف الثاني من القرن العشرين رتبت أمورها على غرض استراتيجي أساسي يتلخص في المقام الأول على كونها عنصرًا أساسيًا في مكافحة الشيوعية. كانت واحدة من دول قليلة نجت من الهيمنة السوفيتية في شرق أوروبا. فانضمت إلى حلف الناتو، وكانت عضوًا مؤسسًا في تجربة قصيرة الأمد في منطقة الشرق الأوسط هي حلف بغداد. الخطوتان تدوران في نفس الإطار.
بعبارة أخرى، تركيا، من قبل إردوغان، رتبت أوضاعها على أساس دورها في حماية مصلحة التحالف الأمريكوروبي كما صيغ عقب الحرب العالمية الثانية، الصورة التي استخدمنا لها تعبير “الأطلنطيين” في سياق هذه الرواية الصحفية. الصيغة التي تصنف روسيا وريثة الشيوعية كخطر أول.
كل ما فعله إردوغان أنه جمع بين إرث هذه الصيغة التركية القومية التي عبرت عن فائدتها الاستراتيجية من خلال حلف بغداد وحلف الناتو، وبين إرث النسخة “الإسلامية” الحديثة منها، باستدعاء فكرة العثمانيين. والتي روجها للأطلنطيين كفكرة قادرة على إعادة توجيه النشاطات الإسلامية المتشددة لكي:
١- تخدم الاستراتيجيا الأمريكوروبية.
٢- تخلص العالم من مشكلتها.
نستطيع الآن إذن أن نفهم موقع “العثمانيين الجدد” من النظام العالمي الذي بناه الأطلنطيون. أن نفهم كيف نجحوا في بيع هذه الفكرة. أن ننقل الموضوع من خانة الحديث عن “مؤامرة” إلى خانة الحديث عن “ترتيبات استراتيجية”. لماذا كانوا يعتقدون يومًا أن أمريكا أوباما ممكن أن تسير فرقاطة للدفاع عنهم.
الرغبة في إعادة الاستعمار العثماني (الخلافة العثمانية) رغبة معلنة عند جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها سنة ١٩٢٨، بعد أربع سنوات فقط من سقوط الإمبراطورية العثمانية. بل إنها السبب الوحيد لإنشاء الجماعة، حيث لا معنى لوجودها في ظل “أمير مسلم”.
بعضنا يظن أن هذه جماعة خلقت من العدم، ورفعت راية. وهذا ظن في غير محله. لقد كانت جماعة أنشأها فلول نظام سقط بعد أن حكم قرونًا، فلم يختف من على وجه الأرض ولا ذهب إلى العدم. فلول متنفذون موجودون في كل بلد حكمها العثمانيون. ومنها مصر.
١- النخبة المقابلة من الحكام الوطنيين. فاشلون، ربما. في كل الأحوال، هذه قضية داخلية. لن يخدمهم – أي الإخوان – أن يرفعوا في وجهها قضية إعادة بلاد الشرق الأوسط إلى الاستعمار العثماني بعد أن تخلصت منه. لن يخدمهم أن يخصوا تركيا بالذات بالتبعية. لكن يهمهم أن يستمر الفشل في الدول الوطنية. بينما تستمر الجماعة في طرح فكرة عامة تحت عنوان “إعادة الخلافة”، وكأنه فرض ديني، لا يرتبط ببلد بعينها. وإقناع الناس بأنه البديل المخلص. وساعدهم في هذا مناهج تعليمية تؤكد على نفس الفكرة “العامة”. وتشيع أساطير تمجد فيها. ويهمهم أيضًا القضاء على أي فكرة وحدوية أخرى، كالقومية العربية مثلًا.
٢ – “الخلافة” المعنية كانت غائبة عن عاصمتها، عن إسطنبول. التحديث التركي قضى على مظاهر الخلافة الدينية وحول تركيا إلى بلد عالمانية.
تغير هذا في التسعينيات. الشعب الذي بلا دولة (إخوان العثمانيين) وجد دولة بلا شعب (قطر). وإسطنبول العالمانية وصل إلى حكمها وجه صاعد يعتقد في إرث العثمانيين، وأن مناطق حكمهم السابق حق لهم. والقومية العربية، الفكرة الوحدوية المنافسة، سقطت مع غزو العراق للكويت، بعد فشلها المزمن في الموضوع الفلسطيني.
ائتلف هؤلاء في تحالف عثماني، منبثق من الإخوان المسلمين ولكنه ليس كالإخوان المسلمين. تربطه بالإخوان المسلمين فقط الفكرة السياسية، لا الأفكار الدينية. يستخدم الأفكار الدينية لحشد الجموع، نعم، لكنه مستعد للتخلي عن كثير منها من أجل السياسة. مستعد لتوظيف مثليين جنسيا، نساء متبرجات، غير مسلمين. كل من يقتنع بالفكرة “الحضارية” الإمبراطورية. ويضم تحت مظلتها وحدويين كانوا سابقًا ألد خصوم الإسلاميين، كالعروبيين والماركسيين السابقين. لاحظ أن هذا الائتلاف هو الذي قضى نصف القرن السابق مروجًا لفكرة العداء مع الغرب. لقد نجح إردوغان في مهمته الأولى: ترويض خصوم الغرب التقليديين تحت قيادته، وهو العضو الأساسي في الناتو. صاحب ثاني أضخم جيوش الحلف.
١- تعميق فكرة أن منطقة الشرق الأوسط عبء ثقيل “مش جايب همه”. لكنه سيستمر كذلك لو اعتمدتم على “الحكام المستبدين”. بل إن الحكام المستبدين سبب للإرهاب، وليست الثقافة الإرهابية المتأصلة أساسًا في المجتمع، والتي يروجها حلفائي. زودت الجزيرة جرعة التحفيز الإعلامي للإرهاب، وتشجيعه معنويا وماديا على التوسع، وتوصيله إلى الطبقة الوسطى من خلال نموذج “الإرهابي المنمق”.
٢- عرض تبادل الخدمات، وقد “لان الزبون”. أعطني أنا هذه البضاعة الخاسرة، “هذه المقاولة”، وفي المقابل سأمنحك عدة مزايا. أبرزها أنني سأعفيك من مشاكلها. وثانيها أنني سأحولها “امتدادًا للنظام العالمي الليبرالي”، ومدافعة عنه، ضد الأخطار التي يمكن أن تتسبب فيها روسيا، أو يتسبب فيها حكامها القمعيون الذين “أنبتوا الإرهاب”. الإرهاب سيتوقف في اللحظة التي يصل فيها أمثال الرئيس مرسي إلى الحكم.
لقد حول الإسلاميون الشرق الأوسط إلى خرابة يريد العالم أن يتخلص منها بأي ثمن. أغلقوا الباب أمام أرباحها الاقتصادية والسياحية. ضمنوا عن طريق عناصرهم المحلية أن تظل دائما في صراع اجتماعي داخلي. وأن تظل دائما مصدرا للإرهاب. حتى صار العالم يبحث عمن يأخذها بأي ثمن، وفوقها بوسة.
في دراسة أصدرها قائد الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، جوزيف فوتيل، قال إن الشرق الأوسط لم يعد منطقة مهمة لأمريكا، لها فيها مصالح خمس لا أكثر. أبرز هذه المصالح منطقة الخليج.
يشيع البعض أن أهمية الخليج تراجعت بسبب انخفاض أهمية البترول بالنسبة للولايات المتحدة، وذلك تماشيًا مع القراءة التي روجها هؤلاء سابقًا بأن الولايات المتحدة لا يهمها في الخليج إلا النفط. هذا كلام فارغ من عدة وجوه، القصد من ترويجه لم يكن التحليل السياسي بقدر التقليل من أهمية الخليج.
نعم الخليج مهم بسبب النفط. ولكن ليس فقط الحصول عليه. بل كونه بضاعة استراتيجية. قدرة الولايات المتحدة على التأثير على الصادرات الإيرانية من النفط – مثلًا – ورقة هامة في التأثير على إيران. لكنها مهمة أيضًا في التأثير على من يحتاجون نفط إيران، كالصين واليابان.
الخليج من هذا الباب ممر أساسي للتجارة العالمية، و”حماية حرية الملاحة وتدفق التجارة”، أحد المصالح الخمس الباقية للولايات المتحدة في منطقة الخليج، حسب ما أشار جوزيف فوتيل في كتابه المشار إليه أعلاه.
وهذا يعيدنا إلى ما بدأنا به، الباسيفيكيون مقابل الأطلنطيين. الخليج مهم جدًا للباسيفيكيين، ومهم أيضًا للأطلنطيين. لكن ما يريده هؤلاء منه يختلف عما يريده أولئك.
التحالف العثماني ليس القوة الوحيدة التي أجادت مرواغة مخاوف الأوروبيين وحلفائهم في الولايات المتحدة. المقولة السائدة أن “الإسلام الشيعي” لا يمارس الإرهاب معناها أنه لا يمارس الإرهاب ضد الغرب. ما يفعله في مجتمعاتنا، لبنان والعراق واليمن والسعودية وغزة، شأن آخر.
هنا نفهم ما حدث مع إيران أيضًا بعد قدوم ترامب. ولماذا تغيرت السياسة.
لأوروبا في إيران ثلاث مصالح رئيسية، يفهمها الإيرانيون جيدًا:
أولها التجارة.. في ظل المنافسة العالمية بين الولايات المتحدة والصين، فالفرصة الأفضل لشركات الاتحاد الأوروبي تتمثل في إيران. دولة ثرية، لو انفتح سوقها ستحتاج إلى أسلحة وطائرات واستثمارات تمكن الأوروبيين من الحصول على نصيب لا بأس به لشركاتهم.
ثانيها توازن الردع. وجود إيران كقوة منافسة للمحيط السني يضمن لأوروبا إبقاء الأمور تحت السيطرة في جوارها القريب. أوروبا لا تريد حربا، لكنها تريد “توترا مفيدا”، يبقى الأطراف المختلفة مشغولة ببعضها البعض وفي حاجة إلى أوروبا. ويوجه السلوك العنيف في اتجاه غير اتجاهها.
الحقوقيون والهواة السياسيون المنتشرون في الصحف ينشرون نظرة “مؤنسنة” إلى السياسة وأغراضها. تبدو على سطحها أجمل، لكنها كاذبة تاريخيا وواقعيا، وبالتالي مضرة للغاية بترويجها لأغراض مزيفة تختلف عن الأغراض الواقعية للسياسة كما يمكن استنباطها من قراءة التاريخ والحاضر.
غرض القوى العالمية من منطقة نفوذ لها هو تحقيق الاستقرار، وليس تحقيق السلام. الفارق بين الغرضين ضخم. الاستقرار يتحقق بالقوة القاهرة، بتوازن الردع، وأحيانا بالحروب المحدودة، وأحيانا بالاحتواء. وهو في كل الأحوال لا بد أن يبقي القوى المختلفة في مناطق النفوذ في حاجة إلى قوى أكبر. أما السلام المطلق، فربما يؤدي إلى بزوغ قوى إقليمية يغريها رخاؤها بالتمدد.
لم تكن صدفة أن مشروع الاتفاق النووي الإيراني أعقب مشروع الربيع التركي. كان الغرض من هذين المشروعين تسليم “مقاولة” هذه المنطقة من العالم إلى كبيري حارة، يمكن التعامل معهما، بدل من الغرق في التفاصيل.
ما سبق يقودنا إلى المصلحة الثالثة، وهي متعلقة بالفلسفة السياسية السائدة في أوروبا. الجيل الحالي من قادة المشروع الأوروبي وامتداداتهم الفكرية في الولايات المتحدة – أوباما – جيل متشكك في الدولة الوطنية، ويعتبر أنها كانت السبب في الحربين العالميتين. وهو يفضل بدلا من ذلك التكتلات التي تخضع لنفوذ سياسي جامع، كالاتحاد الأوروبي، وليس الدول المنفردة.
هذا خلط بين الشعور الوطني النابع من الإحساس بالهوية الوطنية، وبين الشعور الوطني الاستعلائي التوسعي. الأخير هو الذي قدم للعالم هتلر وموسوليني الراغبين في إحياء إمبراطورية بعد سقوطها واستعادة أراضيها. وهو نفسه الذي قدم لنا في الشرق الأوسط أناسا مثل إردوغان المستدعي لتاريخ العثمانيين في مغامراته الساعية لتوسعة نفوذه، وإيران الراغبة في بناء إمبراطورية شيعية.
المصالح الثلاث تلك رسمت الموقف الأوروبي والأطلنطيين الأمريكيين – مثل أوباما – نحو إيران. لكن موقف ترامب والباسيفيكيين مختلف في أولوياته.
الأوروبيون شاغلهم أن تنفتح سوق إيران أمامهم، والباسيفيكون همهم توجيه احتياج الصين إلى الطاقة الإيرانية نحو مزيد من الضغط على إيران لتعديل سلوكها، ونحو المشاركة في تحييد ورقة الابتزاز الإيرانية للتجارة العالمية في مضيق هرمز، وهو ما ترجمه في دعوة دول الباسيفيك إلى حماية سفنها بنفسها، بدل الانزلاق إلى مواجهة مباشرة بين أمريكا منفردة وبين إيران، في غياب تهديد إيراني مباشر لإمدادات الطاقة الأمريكية، التي صارت مؤمنة بعد كشوفات النفط الصخري.
محصلة وجهات النظر الثلاث تفسر لنا اختلاف تعامل الأطلنطيين مع إيران عن تعامل الباسيفيكيين معها. لماذا تسامح أوباما وحلفاؤه الأوربيون مع إيران حاكمة لكتلة ممن حولها، في مقابل تركيا قائدة لكتلة ممن حولها. ولماذا اختلف الوضع مع قدوم ترامب والباسيفيكيين إلى البيت الأبيض، ثم تعديل التحالفات بانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي وتغير أولويات أمريكا.