الطاعون .. كيف كانت بدايته؟ ولماذا سمي بالموت الأسود؟

الطاعون .. كيف كانت بدايته؟ ولماذا سمي بالموت الأسود؟

12 Dec 2021
أوروبا
رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك
حجم الخط

من منا لم يسمع عن “الطاعون” ذلك الوباء الذي اجتاح اوروبا منذ ما يقرب من 700 عام وتسبب في بث الرعب في قلوب الناس، فهو واحد من أبشع الأوبئة التي عرفها التاريخ، ونتج عنه عدد هائل من الوفيات نتيجة لسرعة انتشاره وعدم اكتشاف علاج فعال له ينقذ الضحايا من الموت المحقق، وفي هذا المقال سنعود بالزمن إلى تلك الفترة العصيبة لنكشف عن بدايات هذا الوباء المرعب وأسبابه ونعرف السبب وراء تسميته بـ “الموت الأسود”.

بدايات وباء الموت الأسود

لا يمكننا الجزم بمعرفة كيف وأين كانت بداية الطاعون بالضبط، إلا أنه يقال أنه نشأ بالصين وآسيا الداخلية، وطبقًا لرواية “جون كيلي” في كتابه “The Great Deathality” فإن سلالة اليرسينيا الطاعونية قد ظهرت في منغوليا، ومن المحتمل أنها انتقلت إلى البشر من خلال حيوان الطرباجان، وهو نوع من أنواع القوارض، وقد عُرف عن هذا المرض أنه تسبب في خسائر كثيرة في ساراي عاصمة المغول، وقد حمل المغول المرض معهم غربًا حتى منطقة البحر الأسود.

استطاع الطاعون أن يهلك جيش المغول بقيادة “جاني بك” أثناء حصاره لميناء “كافا” عام 1347 في جنوة التي تقع في شبه جزيرة القرم شمال البحر الأسود، ونظرًا لهذا الوضع الذي كاد أن يتسبب في تراجعه، لجأ جاني بك إلى خطة خبيثة، حيث قرر إلقاء جثث الجنود الموبوءة بالطاعون إلى المدينة حتى ينقل المرض للأعداء ويوقع بهم، وبالفعل استطاع نشر العدوى.

تسببت العدوى في موت أغلب سكان المدينة، ولم يستطع النجاة من تلك الأحداث الموحشة سوى عدد من الأشخاص الذين تمكنوا من الهرب على ظهر بعض السفن المتوجهة إلى موانئ البحر المتوسط، وتزعم إحدى الفرضيات أن العدوى قد انتشرت إلى جزيرة صقلية وجنوب أوروبا وباقي الأرجاء من خلال تلك السفن التي كانت موبوءة بالطاعون.

لماذا سمي الطاعون بالموت الأسود؟

يعرف الكثيرون لقب “الموت الأسود” الذي تم اطلاقه على وباء الطاعون الذي اجتاح انحاء اوروبا خلال القرن الرابع عشر، ولكن ما سبب تلك التسمية؟ الحقيقة أن السبب وراء هذا المسمى يرجع إلى أمرين؛ الأول هو أن أغلب الأشخاص الذين أصيبوا بالطاعون كان مصيرهم الموت، أما الثاني فهو كونه يسبب للمصابين ظهور لون أسود على جلدهم بسبب الغرغرينا.

أعراض الموت الأسود

تختلف أعراض الطاعون بحسب الطريقة التي تعرض لها المريض لبكتيريا الطاعون، ولهذا فهو يمكن أن يظهر بأشكال سريرية مختلفة، إلا أنها أكثرها شيوعًا هو الطاعون الدبلي وطاعون إنتان الدم والطاعون الرئوي.

الطاعون الدبلي

تمتد فترة حضانة الطاعون الدبلي من 2 إلى 8 أيام، ويظهر على المصاب عدة أعراض مختلفة كالحمى والصداع والقشعريرة والضعف، كما يظهر تورم في عدد من العقد الليمفاوية، وفي الأغلب تحدث الإصابة بهذا الشكل حينما يتعرض الشخص إلى لدغة برغوث محمّل بالمرض.

تبدأ البكتيريا في التكاثر شيئًا فشيئًا بالعقدة الليمفاوية بالقرب من المنطقة التي دخلت منها البكتيريا إلى جسد المصاب، وفي حالة عدم تلقي المريض للعلاج المناسب، فإن البكتيريا تبدأ في الإنتشار إلى مناطق أخرى في الجسم.

طاعون إنتان الدم

ليس معروفًا على وجه التحديد ما هي فترة حضانة طاعون إنتان الدم، ولكنها على الأرجح تكون بعد مرور أيام قليلة من الإصابة. تظهر الأعراض على هيئة حمى وقشعريرة وضعف، بالإضافة إلى بعض الآلام في البطن، واحيانًا يحدث نزيف بالجلد وبعض الأعضاء الأخرى، وتحدث الإصابة نتيجة للدغات برغوث مصاب أو التعامل مع حيوان مصاب.

يمكن أن يتحوّل لون جلد المصاب وبعض أنسجته إلى اللون الأسود نتيجة لموتها، ويظهر ذلك بالأخص في أصابع اليدين والقدمين والأنف، وفي بعض الأحيان يحدث طاعون إنتان الدم كنتيجة لعدم علاج الطاعون الدبلي.

الطاعون الرئوي

تصل فترة حضانة الطاعون الرئوي إلى ثلاثة أيام فقط، أما أعراضه فهي لا تختلف عن الطاعون الدبلي ولكن يضاف عليها التهاب في الرئة سريع التطور، بالإضافة إلى ضيق بالتنفس وآلام بالصدر وسعال، كما يمكن أن يصاب الشخص بمخاط دموي أو مائي.

يعد هذا الشكل من الطاعون هو الوحيد الذي يمكن أن ينتقل من شخص لآخر وذلك عن طريق اسنشاق الرذاذ من شخص مصاب، كما يمكن أن يظهر الطاعون الرئوي كتطور من الطاعون الدبلي أو طاعون إنتان الدم في حالة وصول البكتيريا إلى الرئتين، وقد يتسبب في حدوث فشل بالتنفس وصدمة.

ما هو تعداد ضحايا الموت الأسود ؟

كشفت دراسة المحفوظات المعاصرة أن معدل وفيات الطاعون كان متفاوت بحسب الأماكن المختلفة بين ثماني وثلثي السكان، وقد صرّح المؤرخ الفرنسي “جان فرويسارت” أن وباء الطاعون قد أسفر عن وفاة حوالي ثلث سكان أوروبا، على سبيل المثال في انجلترا فقط يمكن أن يكون عدد سكانها عام 1400 قد قل النصف عما كان عليه قبل 100 عام.

أدى الموت الأسود إلى هجرة السكان كما أنه كان يتسبب في حدوث اختفاء نهائي لعدد من القرى يمكن أن يصل عددها إلى 1000 قرية، وقد أشارت التقديرات التقريبية إلى أن حوالي 25 مليون شخص توفي خلال هذا الوباء المخيف، ولم يعد تعداد سكان أوروبا الغربية إلى ما كان عليه قبل عام 1348 حتى حلول القرن السادس عشر.

تبعات الموت الاسود في اوروبا

تسبب الطاعون في حدوث عواقب كارثية عنيفة على كافة أنحاء اوروبا، حيث حدث تراجع مفاجئ بالتجارة، وانخفضت مساحة الأرض المزروعة بشكل كبير نتيجة لوفاة الكثير من العمال، وكان ذلك بمثابة كارثة وخراب على ملاك الأراضي، وقد أجبرهم نقص العمالة على أن يقللوا الأجور لكي يحافظوا على المستأجرين، كما زادت أجور الحرفيين والفلاحيين.

ولم تكن آثار الطاعون على الجانب الاقتصادي فقط، بل ظهرت أيضًا تغيرات في الجانب النفسي لدى سكان شمال جبال الآلب، فقد انعكس تأثرهم بالموت الأسود على فنّهم مثل الشعر والنحت والرسم، حيث كان منصب على التفكير في الموت والانشغال بالحياة الأخرى، ولم تصبح للكنيسة الرومانية الكاثولوكية سيطرة كبيرة، حيث اتجه الناس للتصوف، وفي بعض الأحيان مالوا إلى التجاوزات.

يبدو أنه كان هناك محاولات لمعرفة سبب انتشار الطاعون، وخلال هذا الوقت ظهرت معاداة شديدة لليهود من قِبل الأوروبيين الذين ألقوا باللوم على اليهود ورأوا أنهم السبب في تفشي الموت الأسود، وأغلب الظن أن هذا بسبب أن أتباع الديانة اليهودية كانوا أقل تأثرًا بالوباء؛ لأن الكثير مهم تجنبوا استعمال الآبار المشتركة بالمدن، لهذا ظن الناس أنهم يقومون بتسميم تلك الآبار، ونتيجة لذلك حدثت مذابح عنيفة ضد اليهود، وتم قتل وإحراق مجتمعات يهودية على أيدي الغوغاء.

كيف انحسر وباء الطاعون

ظلّت أوروبا تعاني من هذا الوباء المرعب لما يقرب 10 سنوات حتى بدء المرض بالانحسار، إلا أنه ظل يظهر كل عقد وحتى القرن الثامن عشر، ولكن ظلت أسوء موجه له هي ما حدثت في القرن الرابع عشر، وحتى يومنا هذا لم يتم التوصل إلى سبب دقيق لانتهاء الموت الأسود، إلا أنه ظهرت بعض النظريات التي تفسّر الأمر.

افترض بعض الخبراء أن السبب المحتمل لاختفاء الطاعون هو بدء التقدم بالعلوم الطبية، والفهم الأفضل لطبيعة المرض، بعد أن كان يتم النظر إليه في البداية كمجرد عقاب إلهي لخطاياهم، مما كان يؤدي إلى ظهور علاجات غير فعالة تركز على التصوف، إلا أنه بعد ذلك بدأ الاهتمام بالتشريح وايجاد طرق لمكافحة المرض.

في أوائل القرن الخامس عشر ظهر مصطلح “الحجر الصحي” لأول مرة خلال تفشي الوباء بالبندقية، حيث بقى الغير مصابين في منازلهم، ولم يغادروها إلا للضرورة فقط، أما هؤلاء الذين يستطيعون القيام بذلك كانوا يقومون بمغادرة المناطق المليئة بالسكان، ويعيشون بعزلة أكثر.

يرى البعض الآخر أن الطاعون قد توقف نتيجة للتطور الجيني الذي حدث في أجسام البشر والبكتيريا نفسها، ومع ذلك فإن الحقيقة لا تزال غير واضحة بشكل كامل أمامنا، إلا أننا اليوم أصبحنا لا نشهد ظهور الطاعون سوى في عدد قليل لا يزيد عن 5000 شخص سنويًا بكل أنحاء العالم، كما يتوفر له علاج بالمضادات الحيوية الفعالة.

رابط مختصر
للمشاركة لـ فيسبوك

التعليقات (0)

يجب عليك .. تسجيل الدخول أو التسجيل لتتمكن من التعليق.

تعليقات الفيسبوك